رجال أي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الثبات مع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والمقاتلة للأعداء وقيل : من الطاعات مطلقا ويدخل في ذلك ما ذكر دخولا أوليا وسبب النزول ظاهر في الأول .
أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وجماعة عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهدا مع رسول الله فيما بعد ليرين الله تعالى ما أصنع فشهد يوم أحد فأستقبله سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال : يا أبا عمرو وأين قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ونزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكانوا يرون أنها نزلت فيه وأصحابه وفي الكشاف نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا أي نذروا الثبات التام والقتال الذي يفضي بحسب العادة إلى نيل الشهادة وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومصعب بن عمير وغيرهم وعن الكلبي ومقاتل أن هؤلاء الرجال هم أهل العقبة السبعون أهل البيعة وقال يزيد بن رومان : هم بنو حارثة والمعول عليه عندى ما قدمته ومعنى صدقوا أتوا بالصدق من صدقني إذا قال الصدق ومحل ما عاهدوا النصب أما على نزع الخافض وهو في وإيصال الفعل إليه كما في قولهم صدقني سن بكره على رواية النصب أي في سن بكره والمفعول محذوف والأصل صدقوا الله فيما عاهدوه وإما على أنه هو المفعول الصريح .
وجعل ما عاهدوا عليه بمنزلة شخص معاهد على طريق الإستعارة المكنية وجعله مصدوقا تخييل وعلى الإسناد المجازي فمنهم من قضى نحبه تفصيل لحال الصادقين وتقسيم لهم إلى قسمين والنحب على ما قال الراغب النذر المحكوم بوجوبه يقال : قضى فلان نحبه أي وفي بنذره وقال أبو حيان : النذر الشيء الذي يلتزمه الإنسان ويعتقد الوفاء به قال الشاعر : عشية فر الحارثيون بعد ما قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر وقال جرير : بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا عشية بسطام جرين على نحب أي على أمر عظيم ألتزم القيام به وشاع قضى فلان نحبه بمعنى مات إما على أن النحب مستعار إستعارة تصريحية للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل إنسان والقرينة حالية والقضاء ترشيح وأما على أن قضاء النحب مستعار له .
وجوز أن يراد بالنحب في الآية النذر وأن يراد الموت وقال بعض الأجلة يجوز أن يكون مستعارا لإلتزام الموت شهيدا إما بتنزيل أسبابه التي هي أفعال إختيارية للناذر منزلة إلتزام نفسه وإما بتنزيل نفسه منزلة أسبابه وإيراد الإلتزام عليه وهو الأنسب بمقام المدح وجعله إستعارة للموت لأنه كنذر لازم مسخ للإستعارة وإذهاب برونقها وإخراج للنظم الكريم عن مقتضى المقام بالكلية إنتهى وفيه منع ظاهر كما لا يخفى على المنصف .
والذي يقتضيه ظاهر بعض الأخبار أن النحب هنا بمعنى النذر وقضاؤه أداؤه والوفاء به فقد أخرج إبن أبي عاصم والترمذي وحسنه وإبن جرير والطبراني وإبن مردويه عن طلحة أن أصحاب النبي قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يجترؤن على مسئلته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي