في سبيل الله تعالى فلا يتكرر هذا مع ما سبق والزمخشري لما ذهب إلى ما ذهب هناك قال هنا : فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير وهو المال والغنيمة ونسوا تلك الحالة الأولى وأجترؤا عليكم وضربوكم بألسنتهم إلخ وقد سمعت ما قال بعض الأجلة في ذلك .
ويمكن أن يقال في الفرق بين هذا وما سبق : إن المراد مما سبق ذمهم بالبخل بكل ما فيه منفعة أو بنوع منه على المؤمنين ومن هذا ذمهم بالحرص على المال أو ما فيه منفعة مطلقا من غير نظر إلى كون ذلك على المؤمنين أو غيرهم وهو أبلغ في ذمهم من الأول أولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء لم يؤمنوا بالإخلاص فإنهم المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا في قلوبهم الكفر فأحبط الله أعمالهم أي أظهر بطلانها لأنها باطلة منذ عملت إذ صحتها مشروطة بالإيمان بالإخلاص وهم مبطنون الكفر وفي البحر أي لم يقبلها سبحانه فكانت كالمحبطة وعل ىالوجهين المراد بالأعمال العبادات المأمور بها وجوز أن يكون المراد بها ما عملوه نفاقا وتصنعا وإن لم يكن عبادة والمعنى فأبطل عزوجل صنعهم ونفاقهم فلم يبق مستتبعا لمنفعة دنيوية أصلا .
وحمل بعضهم الأعمال على العبادات والإحباط على ظاهره بناء على ما روى عن إبن زيد عن أبيه قال نزلت الآية في رجل بدري نافق بعد بر ووقع منه ما وقع فأحبط الله تعالى عمله في بدر وغيرها وصيغة الجمع تبعد ذلك وكذا قوله تعالى : لم يؤمنوا فإن هذا كما هو ظاهر هذه الرواية قد آمن قبل وأيضا قوله E : ولعل الله أطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم يأبى ذلك فالظاهر والله تعالى أعلم إن هذه الرواية غير صحيحة .
وكان ذلك أي الإحباط على الله يسيرا 91 أي هينا لا يبالي به ولا يخاف سبحانه إعتراضا عليه وقيل : أي هينا سهلا عليه عزوجل وتخصيص يسره بالذكر مع أن كل شيء عليه تعالى يسير لبيان أن أعمالهم بالإحباط المذكور لكمال تعاضد الحكم المقتضية له وعدم مانع عنه بالكلية وقيل : ذلك إشارة إلى حالهم من الشح ونحوه والمعنى كان ذلك الحال عليه عزوجل هينا لا يبالي به ولا يجعله سبحانه سببا لخذلان المؤمنين وليس بذاك والمقصود مما ذكر التهديد والتخويف يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي هم من الجزع والدهشة لمزيد جبنهم وخوفهم بحيث هزم الله تعالى الأحزاب فرحلوا وهم يظنون أنهم لم يرحلوا وقيل : المراد هؤلاء لجبنهم يحسبون الأحزاب لم ينهزموا وقد أنهزموا فأنصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة لذلك وهذا إن صحت فيه رواية فذاك وإلا فالظاهر أنه مأخوذ من قوله تعالى : والقائلين لإخوانهم هلم إلينا لدلالته ظاهرا على أنهم خارجون عن معسكر رسول الله يحثون إخوانهم على اللحاق بهم وكون المراد هلموا إلى رأينا أو إلى مكاننا الذي هو في طرف لا يصل إليه السهم خلاف الظاهر وكذا من قوله سبحانه ولو كانوا فيكم على ما هو الظاهر أيضا إذ يبعد حمله على إتحاد المكان ولو في الخندق وإن يأت الأحزاب كرة ثانية يودوا لو أنهم بادون في الأعراب تمنوا إنهم خارجون إلى البدو وحاصلون مع الأعراب وهم أهل العمود وقرأ عبدالله وإبن عباس وإبن يعمر وطلحة بدي جمع باد كغاز وغزى وليس بقياس في معتل اللام وقياسه فعلة كقاض وقضاة وفي رواية أخرى عن إبن عباس بدوا فعة ماضيا وفي رواية صاحب الأقليد بدي بوزن عدي يسألون اي كل قادم من جانب المدينة عن أنبائكم عما جرى عليكم من الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالإستخبار لا بالمشاهدة