أكثر مما يفهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فروى أنه إنهزم يوم بدر فمر بأبي سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له أبو سفيان : ما فعل الناس فقال : هم ما بين مقتول وهارب فقال له : ما بال إحدى نعليك في رجلاك والأخرى في يدك فقال : ما ظننت إلا أنهما في رجلي فأكذب الله تعالى قوله وقولهم .
وعن الحسن أنه كان جماعة يقول الواحد منهم : نفس تأمرني ونفس تنهاني فنزلت والجعل بمعنى الخلق ومن سيف خطيب والمراد ما خلق سبحانه لأحد أو لذي قلب من الحيوان مطلقا قلبين فخصوص الرجل ليس بمقصود وتخصيصه بالذكر لكمال لزوم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث وأما الصبيان فمآلهم إلى الرجولية وقوله سبحانه : في جوفه للتأكيد والتصوير كالقلوب في قوله تعالى : ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وذكر في بيان عدم جعله تعالى قلبين في جوف بناء على ما هو الظاهر من أن المراد بالقلب المضغة الصنوبرية أن النفس الناطقة وكذا الحيوانية لا بد لها من متعلق ومتعلقها هو الروح وهو جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية لأن شد الأعصاب يبطل قوى الحس والحركة عما وراء موضع الشد مما لا يلي جهة الدماغ والشد لا يمنع إلا نفوذ الأجسام والتجارب الطبية أيضا شاهدة بذلك وحيث أن النفس واحدة فلا بد من عضو واحد يكون تعلقها به أو لإثم بسائر الأعضاء بواسطته .
وقد ذكر غير واحد أن أول عضو يخلق هو القلب فإنه المجمع للروح فيجب أن يكون التعلق أولا به ثم بواسطته بالدماغ والكبد وبسائر الأعضاء فمنبع القوى بأسرها منه وذلك يمنع التعدد إذ لو تعدد بأن كان هناك قلبان لزم أن يكون كل منهما أصلا للقوى وغير اصل لها أو توارد علتين على معلول واحد ولا يخفى على من له قلب أن هذا مع إبتنائه على مقدمات لا تكاد تثبت عند أكثر الإسلاميين من السلف الصالح والخلف المتأخرين ولو بشق الأنفس أمر إقناعي لا برهان قطعي على أن للفلسفي أيضا له فيه مقالا وقد يفسر القلب بالنفس بناء على أن سب النزول ما روى عن الحسن إطلاقا للمتعلق على المتعلق وقد بينوا وحدة النفس وأنه لا يجوز أن تتعلق نفسان فأكثر ببدن بما يطول ذكره وللبحث فيه مجال فليراجع ثم إن هذا التفسير بناء على أن سبب النزول ما ذكر غير متعين بل يجوز تفسير القلب عليه بما هو الظاهر المتبادر أيضا وحيث أن القلب متعلق النفس يكون نفي جعل القلبين دالا على نفي جعل النفسين فتدبر .
وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم إبطال لما كان في الجاهلية من أجزاء أحكام الأمومة على المظاهر منها والظهار لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر ويستعمل في معان مختلفة راجعة إليه معنى ولفظا بحسب إختلاف الأغراض فيقال ظاهرته إذا قابلت ظهرك بظهره حقيقة وكذا إذا غايظته بإعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة وظاهرته إذا نصرته بإعتبار أنه يقال : قوى ظهره إذا نصره وظاهرت بين ثوبين إذا لبست أحدهما فوق الآخر على إعتبار جعل ما يلي به كل منهما الآخر ظهرا للثوب ويقال : ظاهر من زوجته إذ قال لها أنت علي كظهر أمي نظير أي إذ قال لبيك وأفف إذا قال أف وكون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازا لا يمنع الإشتقاق منه ويكون المشتق مجازا أيضا والمراد منه هنا المعنى الأخير وكان ذلك طلاقا منهم .
وإنما عدى بمن مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى التباعد ونحوه مما فيه معنى المجانبة ويتعدى بمن والظهر في ذلك مجاز على ما قيل عن البطن لأنه إنما يركب البطن فقوله : كظهر أمي بمعنى كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه