عندكما أيدتك بكلام تزاد به بصيرة في حمئة قال ابن عباس : وما هو قلت : قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إياه قد كان ذو القرنين إلى آخر الأبيات الثلاثة السابقة ومحل الشاهد قوله : فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد فقال ابن عباس : ما الخلب قال : ابن أبي حاضر الطين بكلامهم فقال : فما الثأط قال : الحمأة فقال : فما الحرمد قال : الأسود فدعا ابن عباس غلاما فقال : اكتب ما يقول هذا الرجل ولا يخفى أنه ليس بين القراءتين منافاة قطعية لجواز كون العين جامعة بين الوصفين بأن تكون ذات طين أسود وماؤها حار ولجواز كون القراءة بالياء أصلها من المهموز قلبت همزته ياء لانكسار ما قبلها وإن كان ذلك إنما يطرد إذا كانت الهمزة ساكنة كذا قيل وتعقب بأنه يأباه ما جرى بين ابن عباس ومعاوية .
وأجيب بأنه إذا سلم صحته فمبناه السماع والتحكيم لترجيح إحدى القراءتين وظاهر ما سمعت ترجيح قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكأن رجوع معاوية لقراءة ابن عباس على ما ذكره القرطبي كان لذلك .
نعم ما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه عن أب ذر قال : كنت ردف رسول الله وهو على حمار فرأى الشمس حين غربيت فقال : أتدري حيث تغرب قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تغرب في عين حامية غير مهموزة يوافق قراءة معاوية ويدل على أن في عين متعلق بتغرب كما هو الظاهر وقول بعض المتعسفين بأنه متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل وجدها مما لا ينبغي أن يلتفت إليه وكأن الذي دعاه إلى القول بذلك لزوم إشكال على الظاهر فإن جرم الشمس أكبر من جسم الأرض بأضعاف مضاعفة فكيف يمكن دخولها في عين ماء في الأرض وهو مدفوع بأن المراد وجدها في نظر العين كذلك إذ لم ير هناك إلا الماء لا أنها كذلك حقيقة وهذا كما أن راكب البحر يراها كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه إذا لم ير هناك إلا الماء لا أنها كذلك حقيقة وهذا كما أن راكب البحر يراها كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه إذا لم ير الشط والذي في أرض ملساء واسعة يراها أيضا كأنها تطلع من الأرض وتغيب فيها ولا يرد على هذا أنه عبر بوجد والوجدان يدل على الوجود لما أن وجد يكون بمعنى رأى كما ذكره الراغب فليكن هنا بهذا المعنى ثم المراد بالعين الحمئة إما عين في البحر أو البحر نفسه وتسميته عينا مما لا بأس به خصوصا وهو بالنسبة لعظمة الله تعالى كقطرة وإن عظم عندنا .
وزعم بعض البغداديين أن في بمعنى عند أي تغرب عند عين ومن الناس من زعم أن الآية على ظاهرها ولا يعجز الله تعالى شيء ونحن نقر بعظم قدرة الله D ولا نلتفت إلى هذا القول ومثله ما نقله الطرطوشي من أنها يبلعها حوت بل هذا كلام لا يقبله إلا الصبيان ونحوهم فإنها قد تبقى طالعة في بعض الآفاق ستة أشهر وغاربة كذلك كما في أفق عرض تسعين وقد تغيب مقدار ساعة ويظهر نورها من قبل المشرق في بعض العروض كما في بلغار في بعض أيام الشنة فالشمس على ما هو الحق لم تزل سائرة طالعة على قوم غاربة على آخرين بحسب آفاقهم بل قال إمام الحرمين : لا خلاف في ذلك ويدل على ما ذكر ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من شرقها وكذلك القمر وكذا ما أخرجه ابن عساكر عن الزهري أن خزيمة بن حكيم السلمي سأل رسول الله عن سخونة الماء في الشتاء وبرده في الصيف فقال : إن الشمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتى تطلع من مكانها فإذا طال الليل كثر لبثها في الأرض فيسخن