وزعم أنه ليس هناك إلا الإسكندر الذي غلب دارا واستولى على ملك فارس وقال : إن ذا القرنين المذكور في القرآن العظيم يحتمل أن يكون هو ويحتمل أن يكون غيره والذي عليه الكثير أن المسمى بالإسكندر بين الملوك السالفة اثنان بينهما نحو ألفي سنة وأن أولهما هو المراد بذي القرنين ويسميه بعضهم الرومي وبعضهم اليوناني وهو الذي عمر دهرا طويلا فقيل : عمر ألفا وستمائة سنة وقيل : ألفي سنة وقيل : ثلاثة آلاف سنة ولا يصح في ذلك شيء وذكر أبو الريحان البيروني المنجم في كتابه المسنى بالآثار الباقية عن القرون الخالية أن ذا القرنين هو أبو كرب سمي بن عمير بن أفريقيس الحميري وهو الذي افتخر به تبع اليماني حيث قال : قد كان ذو القرنين جدي مسلما ملكا علا في الأرض غير مفند بلغ المغارب والمشارق يبتغي أسباب ملك من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد ثم قال : ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأدواء كانوا من اليمن كذي المنار وذي نواس وذي رعين وذي يزن وذي جدن واختار هذا القول كاتب جلبي وذكر أنه كان في عصر إبراهيم عليه السلام وأنه اجتمع معه في مكة المكرمة وتعانقا وأن شهرة بلوغ ملك الإسكندر اليوناني تلميذ أرسطو الغاية القصوى في كتب التواريخ كما ذكر الإمام دون هذا إنما هي لقرب زمان اليوناني بالنسبة إليه فإن بينهما نحو ألفي سنة وتواريخ هاتيك الأعصار قد أصابها إعصار ولم يبق ما يعول عليه ويرجع في حل المشكلات إليه وربما يقال : إن عدم شهرة من ذكر تقوى كونه المسئول عنه إذ غرض اليهود من السؤال الامتحان وذلك إنما يحسن فيما خفي أمره ولم يشهر إذ الشهرة لا سيما إذا كانت تامة مظنة العلم وإلى كون ذي القرنين في زمان إبراهيم عليه السلام ذهب غير واحد وقد ذكر الأزرقي أنه أسلم على يده عليه السلام وطاف معه بالكعبة وكان ثالثهما إسماعيل عليه السلام وروي أنه حج ماشيا فلما سمع إبراهيم عليه السلام بقدومه تلقاه ودعا له وأوصاه بوصايا وقيل : أتي بفرس ليركب فقال : لا أركب في بلد فيه الخليل فعند ذلك سخر له السحاب ومد له في الأسباب وبشره إبراهيم عليه السلام بذلك فكانت السحابة تحمله وعساكره وجميع آلتهم إذا أرادوا غزو قوم وهؤلاء لم يصرحوا بأن ذا القرنين هذا هو الحميري الذي ذكر لكن مقتضى كلام كاتب جلبي إنه هو .
وذكر أنه يمكن أن يكون اسكندر لقبا لمن ذكر معربا عن الكسندر ومعناه في اللغة اليونانية آدمي جيد وربما يقال : إن من قال : اسم الإسكندر مصعب بن عبد الله بن قينان بن منصور إلى آخر النسب السابق المنتهي إلى قحطان عني هذا الرجل الحميري لا الرومي ولا اليوناني لكن وهم الناقل لأنه لم يقل أحد بأن الروم من أبناء قحطان وكذا اليونان نعم ذكر يعقوب بن إسحق الكندي أن يونان أخو قحطان ورد عليه أبو العباس الناشي في قصيدته حيث قال : أبا يوسف إني نظرت فلم أجد على الفحص رأيا أصح منك ولا عقدا وصرت حكيما عند قوم إذا امرؤ بلاهم جميعا لم يجد عندهم عهدا أتقرن إلحادا بدين محمد لقد جئت شيئا يا أخا كندة إدا وتخلط يونانا بقحطان ضلة لعمري لقد باعدت بينهما جدا