له قليل جدا مثاله انكشاف محلل خرق السفينة وقتل الغلام للخضر عليه السلام فحل له بذلك الإنكشاف الخرق والقتل وحلهما له مخالف لإطلاق نهي النبي أمته عن الضرر وعن قتل الصبي لكنهما مقيدان فالأول مقيد بما إذا يعلم هناك غاصب مثلا والثاني إذا لم يعلم أن الصبي سيصير ضالا مضلا لكن الشارع ترك القيدين لندرة وقوعهما واعتمادا على فهم الراسخين في العلم إياهما إلى آخر ما قال فإن النصوص السابقة تنادي بخلافه كما سمعت ثم إن تلك الغيوب والمكاشفات بل سائر ما يحصل للصوفية من التجليات ليست من المقاصد بالذات ولا يقف عندها الكامل ولا يلتفت إليها وقد ذكر الإمام الرباني قدس سره في المكتوب السادس والثلاثين المتقدم نقل بعضه أنها تربي بها أطفال الطريق وأنه ينبغي مجاوزتها والوصول إلى مقام الرضا الذي هو نهاية مقامات السلوك والجذبة وهو عزيز لا يصل إليه واحد من ألوف ثم قال : إن الذين هم قليلو النظر يعدون الأحوال والمواجيد من المقامات والمشاهدات والتجليات من المطالب فلا جرم بقوا في قيد الوهم والخيال وصاروا محرومين من كمالات الشريعة كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب انتهى ويعلم منه أن الكاملين في الشريعة يعبرون على ذلك ولا يلتفتون إليه ولا يعدونه مقصدا وجل مقصدهم تحصيل مقام الرضا وعلى هذا يخرج بيت المثنوي حيث يقول : زان طرف كه عشق من افزوددرد بو حنيفة شافعي درسي نكرد وقد يحجب الكامل عن جميع ذلك ويلحق من هذه الحيثية بعوام الناس ويعلم مما ذكر أن موسى عليه السلام أكمل من الخضر وأعلمية الخضر عليه السلام بعلم الحقيقة كانت بالنسبة إلى الحالة الحاضرة فإن موسى عليه السلام عبر على ذلك ولم يقف عنده لأنه في مقام التشريع ولعل طلبه التعليم كان بالأمر ابتلاء له بسبب تلك الفلتة وقد ذكروا أن الكامل كلما كان صعوده أعلا كان هبوطه أنزل وكلما كان هبوطه أنزل كان في الإرشاد أكمل في الإضافة أتم لمزيد المناسبة حينئذ بين المرشد والمسترشد ولهذا قالوا فيما يحكى : إن الحسن البصري وقف على شط نهر ينتظر سفينة فجاء حبيب العجمي فقال له : ما تنتظر فقال : سفينة فقال : أي حاجة إلى السفينة أمالك يقين فقال الحسن : أمالك علم ثم عبر حبيب على الماء بلا سفينة ووقف الحسن أن الفضل للحسن فإنه كان جامعا بين علم اليقين وعين اليقين وعرف الأشياء كما هي وفي نفس الأمر جعلت القدرة مستورة خلف الحكمة والحكمة في الأسباب وحبيب صاحب سكر لم ير الأسباب فعومل برفعها ومن هنا يظهر سر قلة الخوارق في الصحابة مع قول الإمام الرباني : إن نهاية أويس سيد التابعين بداية وحشي قاتل حمزة يوم أسلم فما الظن بغير أو يس مع غير وحشي وأنا أقول : إن الكامل وإن كان من علمت إلا أنه فوقه الأكمل وهو من لم يزل صاعدا في نزوله ونازلا في صعوده وليس ذلك إلا رسول الله ولولا ذلك ما أمد العالم العلوي والسفلي وهذا مرجع الحقيقة والشريعة له E على الوجه الأتم كما أشرنا إليه سابقا والحمد لله تعالى على أن جعلنا من أمته وذريته ولا يعكر على ما ذكرنا ما قالة الإمام الغزالي في الإحياء وهو أن علم الآخرة قسمان علم مكاشفة وعلم معاملة أما علم المكاشفة فهو علم الباطن وهو غاية العلوم وهو علم الصديقين والمقربين وهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من الصفات المذمومة وينكشف بذلك ما كان يسمع من قبل أسمائها ويتوهم لها معان مجملة غير متضحة فتتضح