وقيل : المراد حجاب منعهم رؤية شخص النبي وذاته الكريمة فقد أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي معافى الدلائل عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت : لما نزلت تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول : .
مذمما أبينا ودينه قلينا .
وأمره عصينا .
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك فقال : إنها لن تراني وقرأ قرءانا أعتصم به كما قال تعالى : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي E فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ماهجاك فانصرفت وهي تقول .
قد علمت قريش أني بنت سيدها .
وجاء في روايةأنها حين ولت ذاهبة قال أبو بكر : يا رسول الله إنها لم ترك فقال النبي حال بيني وبينها جبريل عليه السلام وذكر الإمام أنه كان إذا أراد تلاوة القرءان تلا قبلها ثلاث ءايات قوله تعالى : في سورة الكهف وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا .
وقوله سبحانه في النحل أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وقوله جل وعلا في سورة حم الجاثية أفرأيت من اتخذ إلهه هواه الآية فكان الله تعالى يحجبه ببركات هذه الآيات عن عيون المشركين وهو المراد من قوله سبحانه وإذا قرأت القرآن جعلنا الخ واحتج أصحابنا بذلك على أنه يجوز أن تكون الحاسة سليمة ويكون المرئي حاضرا مع أنه لا يرى بسبب أن الله تعالى يخلق في العين مانعا يمنع من الرؤيا قالوا إن النبي E كان حاضرا وحواس الكفار سليمة وكانوا لا يرونه وقد أخبر سبحانه أن ذلك لأجل أنه جعل بينه E حجابا مستورا ولا معنى للحجاب المستور إلا المعنى الذي يخلقه في عيونهم ويكونوا مانعا لهم من الرؤيا انتهى وقال بعض المحققين : إن حمل الحجاب على ما روي من حديث أسماء مما لا يقبله الذوق السليم ولا يساعده النظم الكريم وكأنه أراد أن حمله في الآية على الحجاب المانع من الرؤية كذلك فهو وارد على ما نقل عن الإمام أيضا ويعلم منه حال احتجاج الأصحاب مع ما يرد على قولهم فيه ولا معنى للحجاب الخ من أنه مخالف لما في الرواية السابقة التي ذكر فيها حيلولة جبريل عليه السلام والخبر الذي أخرجه الدارقطني وغيره عن ابن عباس أن النبي E قال : كان بيني وبينها ملك يسترني بجناحيه حتى ذهبت فإن كلا الخبرين ظاهر في أن المانع لم يكن في عيونهم بل هو إما جبريل عليه السلام أو ملك آخر حال بينه وبينهم فلم يروه لكن يبقى الكلام في أن منع اللطيف الرؤيه خلاف العادة أيضا وهو بحث آخر فليتدبر ثم إن ما عن أسماء ليس نصا في أن الحجاب في الآية هو الحجاب المانع عن الرؤية كما لا يخفى على من أمعن النظر وهذا القول إنما يحتاج إليه أن اعتبر تصحيح الحاكم أو نص على صحته من اعتبر تصحيحه من المحدثين أما إذا لم يكن ذلك فأمره سهل وجعل الزمخشري ما تقدم حكاية لما قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب على معنى جعلنا على زعمهم ولم يرتضه شيخ الإسلام لأن قصدهم بذلك إنما هو الاخبار بما اعتقدوه في حق القرآن والنبي جهلا وكفرا من اتصافهما بأوصاف مانعة من التصديق والإيمان ككون القرآن سحرا وشعرا وأساطير وقص عليه حال النبي E لا الاخبار بأن هناك أمرا وراء ما أدركوه