اقتضى سقوط قصد الأجر فلم تبق له ذرة من خير فلم تشمله الآية واتفقوا على عدم قبول ما ترجح فيه باعث الدنيا أو كان الباعثان فيه متساويين وخص الغزالي الأحاديث الدالة بظاهرها على عدم القبول مطلقا بهذين القسمين وتمام الكلام في هذا المقام في الزواجر عن اقتراف الكبائر وأما القسم الرابع عند القائلين بأن صدور الفعل من القادر يتوقف على حصول الداعي فهو ممتنع الحصول والذين قالوا إنه لا يتوقف قالوا ذلك الفعل لا أثر له في الباطن وهو محرم في الظاهر لأنه عبث والله تعالى أعلم .
ومن باب الإشارة في الآيات سبحان الذي أسرى بعبده ليلا فيه أربع إشارات إشارة التقديس بسبحان فهو تنزيه له تعالى عن اللواحق المادية والنقائص التشبيهية وعن جميع ما يرتسم في الأذهان وإشارة الغيرة بعدم ذكر الاسم الظاهر من أسمائه الحسنى عزت أسماؤه وكذا بعدم ذكر اسمه وأشارة الغيب بذكر ضمير الغائب وإشارة السر بذكر الليل فإنه محل السر والنجوى وعن بعض الأكابر لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وذكر غير واحد أن في اختيار عنوان العبودية إشارة إلى أنها أعلى المقامات وقد أشير إلى ذلك فيما سلف وأصلها الذل والخضوع وحيث أن الذل لشيء لا يكون إلا بعد معرفته دلت العبودية لله تعالى على معرفته سبحانه وكمالها على كمالها ومن هنا فسر ابن عباس قوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون بقوله : إلا ليعرفون وهي تسعة وتسعون سهما بعدد الأسماء الإلهية التي من أحصاها دخل الجنة لكل اسم إلهي عبودية مختصة به يتعبد له من يتعبد من المخلوقين ولم يتحقق بهذا المقام على كماله مثل رسول الله فكان عبدا محضا زاهدا في جميع الأحوال التي تخرجه عن مرتبة العبودية وشهد الله تعالى له بأنه عبد مضاف إليه من حيث هويته هنا واسمه الجامع في قوله سبحانه وإنه لما قام عبد الله ولما أمر بتعريف مقامه يوم القيامة قيد ذلك فقال E أنا سيد ولد آدم ولا فخر بالراء أو الزاي على اختلاف الروايتين وهي لما علمت من معناها لا يمكن أن تكون نعتا إلهيا أصلا بل هي صفة خاصة لا اشتراك فيها فقد قال أبو يزيد البسطامي : ما وجدت شيئا يتقرب به إليه تعالى إذ رأيت كل نعت يتقرب به للألوهية فيه مدخل فقلت : يا رب بماذا أتقرب إليك قال : تقرب إلي بما ليس لي قلت : يا رب وما الذي ليس لك قال : الذلة والافتقار .
وذكر أن العبد مع الحق في حال عبوديته كالظل مع الشخص في مقابلة السراج كلما قرب إلى السراج عظم الظل ولا قرب من الله تعالى إلا بما هو لك وصف أخص لا له سبحانه وكلما بعد عن السراج صغر الظل فإنه ما يبعدك عن الحق إلا خروجك عن صفتك التي تستحقها وطمعك في صفته تعالى وكذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وهما صفتان لله تعالى و ذق إنك أنت العزيز الكريم وهما كذلك وإلى هذا أشار بقوله أعوذ بك منك وأول بعضهم الليل بظلمة الغواشي البدنية والتعلقات الطبيعية وقال : إن الترقي والعروج لا يكون إلا بواسطة البدن وقد صرحوا بأنه أسري به وكذا عرج يقظة لم يفارق بدنه إلا أن العارف الجامي قال : إن ذلك إلى المحدد ثم ألقى البدن هناك وقد تقدم ذلك وفي أسرار القرآن أنه E أسري به من رؤية أفعاله إلى رؤية صفاته ومن رؤية صفاته إلى رؤية ذاته فرأى الحق بالحق وكانت صورته روحه وروحه عقله وعقله قلبه وقلبه سره وكأنه أراد أنه حصل له هذا الإسراء وإلا فإرادة أن الإسراء الذي في الآية هو هذا مما لا ينبغي .
ولا يخفى أن الإسراء غير المعراج نعم قد يطلقون الإسراء على المعراج بل قيل إنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا