الآية بما قبلها ظاهر والدليل على تقدير الوصف المخصص للشيء المقام وأن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي لبيان الدين ولذا أجيب السؤال عن الأهلة بما أجيب وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : أنتم أعلم بأمور دنياكم وكون الكتاب تبيانا لذلك باعتبار أن فيه نصا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلّم وقيل فيه : وما ينطق عن الهوى وحثا على الإجماع في قوله سبحانه : ويتبع غير سبيل المؤمنين الآية فإنها على ما روي عن الشافعي وجماعة دليل الإجماع وقد رضى صلى الله تعالى عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه حيث قال E : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وقد اجتهدوا وقاسوا ووطؤا طرق الإجتهاد فكانت السنة والإجماع والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب وقال بعض : كل للتكثير والتفخيم كما في قوله تعالى : تدمر كل شيء بأمر ربها إذ يأتي الإحاطة والتعميم ما في التبيان من المبالغة في البيان وأن من أمور الدين تخصيصا لا يقتضيه المقام ورد الثاني بما سمعت آنفا والأول بأن المبالغة بحسب الكمية لا الكيفية كما قيل في قوله تعالى : وما ربك بظلام للعبيد إنه من قولك : فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده ومنه قوله سبحانه : وما للظالمين من أنصار وقال بعضهم : لكل من القولين وجهة والمرجح للأول إبقاء كل على حقيقتها في الجملة وتعقب بأنه يرجح الثاني إبقاء شيء على العموم وسلامته من التقدير الذي هو خلاف الأصل ومن المجاز على قول نعم ذهب أكثر المفسرين إلى اعتبار التخصيص وروي ذلك عن مجاهد .
وقال الجلال المحلي في الرد على من لم يجوز تخصيص السنة بالكتاب : إنه يدل على أن الجواز قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وإن خص من عمومه بغير القرآن وتوجيه كونه تبيانا لكل ما يتعلق بالدين بما تقدم هو الذي يقتضيه كلام غير واحد من الأجلة فعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال مرة بمكة : سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله تعالى فقيل له : ما تقول في المحرم يقتل الزنبور فقال : بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق ابن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أمر بقتل المحرم الزنبور وروي البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال : لعن الله تعالى الواشمات والمنوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى فقالت له امرأة في ذلك فقال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله A وهو في كتاب الله تعالى فقالت له : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت : بلى قال : فإنه E قد نهى عنه .
وذهب بعضهم إلى ما يقتضيه ظاهر الآية غير قائل بالتخصيص ولا بأن كل للتكثير فقال : ما من شيء من أمر الدين والدنيا إلا يمكن استخراجه من القرآن وقد بين فيه كل شيء بيانا بليغا واعتبر في ذلك مراتب الناس في الفهم فرب شيء يكون بيانا بليغا لقوم ولا يكون كذلك لآخرين بل قد يكون بيانا لواحد ولا يكون بيانا لآخر فضلا عن كون البيان بليغا أو غير بليغ وليس هذا إلا لتفاوت قوى الأبصار ونظير ذلك اختلاف مراتب الإحساس لتفاوت قوى الإبصار وقيل : معنى كونه تبيانا أنه كذلك في نفسه وهو لا يستدعي وجود مبين