للنابغة الجعدي : فسلام الإله يغدو عليهم وفيوء الفردوس ذات الظلال والمشهور أن الفيء لا يكون إلا بعد الزوال ومن هنا قال الأزهري : إن تفيء الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار وقال أبو حيان : إن الإعتبار من أول النهار إلى آخره وإضافة الظلال إلى ضمير المفرد لأن مرجعه وإن كان مفردا في اللفظ لكنه كثير في المعنى ونظير ذلك أكثر من أن يحصى والمعنى أو لم يروا الأشياء التي ترجع وتتنقل ظلالها عن اليمين والشمائل والمراد بها الأشياء الكثيفة من الجبال والأشجار وغيرها سواء كان جمادا أو إنسانا على ما عليه بعض المفسرين وخصها بعضهم بالجمادات التي لا يظهر لظلالها أثر سوى التفيء بواسطة الشمس على ما ستعمله إن شاء الله تعالى دون ما يشمل الحيوان الذي يتحرك ظله بتحركه وكلا القولين على تقدير كون من بيانية كما سمعت وذهب بعض المحققين إلى العموم ولكنه جعل من ابتدائية متعلقة بخلق والمراد بما خلقه من شيء عالم الأجسام المقابل لعالم الروح والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمره كن كما قال سبحانه ألا له الخلق والأمر ولا يخفى بعده واعترض أيضا بأن السماوات والجن من عالم الأجسام والخلق ولا ظل لها ومقتضى عموم ما أنه لا يخلو شيء منها عنه بخلاف ما إذا جعلت من بيانية و يتفيؤ صفة شيء مخصصة له ورد بأن جملة يتفيؤ حينئذ ليست صفة لشيء إذ المراد إثبات ذلك لما خلق من شيء لا له وليس صفة لما لتخالفهما تعريفا وتنكيرا بل هي مستأنفة لإثبات أن له ظلالا متفيئة وعموم ما لا يوجب أن يكون المعنى لكل منه هذه الصفة .
وتعقب بأنه إن أريد أنه لا يقتضي العموم ظاهرا فممنوع وإن أريد أنه يحتمل فلا يرد ردا لأنه مبني على الظاهر المتبادر والمراد باليمين والشمائل على ما قيل جانبا الشيء استعارة من يمين الإنسان وشماله أو مجازا من إطلاق المقيد على المطلق أي ألم يروا الأشياء التي لها ظلال متفيئة عن جانبي كل واحد منها ترجع من جانب إلى جانب بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها فإن لها مشارق ومغارب بحسب مداراتها اليومية حال كون تلك الظلال سجدا لله أي منقادة له تعالى جارية على ما أراد من الإمتداد والتقلص وغيرهما غير ممتنعة عليه سبحانه فيما سخرها له وهو المراد بسجودها وقد يفسر باللصوق في الأرض أي حال كونها لاصقة بالأرض على هيئة الساجد وقوله تعالى : وهم داخرون .
48 .
- حال من ضمير ظلاله الراجع إلى شيء والجمع باعتبار المعنى وصح مجيء الحال من المضاف إليه لأنه كالجزاء وإيراد الصيغة الخاصة بالعقلاء لما أن الدخول من خصائصهم فإنه التصاغر والذل قال ذو الرمة : فلم يبق إلا داخر في مخيس ومنحجر في غير أرضك في حجر فالكلام على استعارة أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب ووجه التعبير بهم يعلم مما ذكر ويجوز أن يعتبر وجهه أولا ويجعل ما بعده جاريا على المشاكلة له أي والحال أن أصحاب تلك الظلال ذليلة منقادة لحكمه تعالى ووصفها بالدخور مغن عن وصف ظلالها به وجوز كون سجدا والجملة حالين من الضمير أي ترجع ظلال تلك الأجرام حال كون تلك الأجرام منقادة له تعالى داخرة فوصفها بهما مغن عن وصف ظلالها بهما .
والمراد بالسجود أيضا الإنقياد سواء كان بالطبع أو بالقسر أو بالإرادة فلا يرد على احتمال أن يكون المراد بما خلق شاملا للعقلاء وغيرهم كيف يكون سجدا حالا من ضميره وسجوده العقلاء غير سجود غيرهم