والمقصود تذكير ماوقع فيه على نهج ماقيل في أمثاله رب اجعل هذا البلد يعني مكة شرفها الله تعالى : ءامنا أي ذا أمن فصيغة فاعل للنسب كلابن وتامر لأن الآمن في الحقيقة أهل البلد ويجوز أن يكون الاسناد مجازيا من اسناد ما للحال إلى المحل كنهر جار والفرق بين ما هنا وما في البقرة من قوله : رب اجعل هذا بلدا آمنا أنه عليه السلام سأل في الاول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن كأنه قال : هو بلد مخوف فاجعله آمنا كذا في الكشاف وتحقيقه أنك إذا قلت : اجعل هذا خاتما حسنا فقد أشرت إلى المادة طالبا أن يسبك منها خاتم حسن وإذا قلت : اجعل هذا الخاتم حسنا فقد قصدت الحسن دون الخاتمية وذلك لأن محط الفائدة هو المفعول الثاني لأنه بمنزلة الخبر وإلى هذا يرجع ماقيل في الفرق ان في الاول سؤال أمرين البلدية والأمن وههنا سؤال أمر واحد وهو الامن واستشكل هذا التفسير بأنه يقتضي أن يكون سؤال البلدية سابقا على السؤال المحكي في هذه السورة وأنه يلزم أن تكون الدعوة الأولى غير مستجابة .
قال في الكشف : والتفصي عن ذلك أما بأن المسؤول أولا صلوحه للسكنى بأن يؤمن فيه أهله في أكثر الأحوال على المستمر في البلاد فقد كان غير صالح لها بوجه على ماهو المشهور في القصة وثانيا إزالة خوف عرض كما يعتري البلاد الآمنة أحيانا وأما بالحمل على الاستدامة وتنزيله منزلة العاري عنه مبالغة أو بأن أحدهما أمن الدنيا والآخر أمن الآخرة أو أن الدعاء الثاني صدر قبل استجابة الأول وذكر بهذه العبارة إيماء إلى أن المسؤول الحقيقي هو الأمن والبلدية توطئة لا أنه بعد الاستجابة عراه خوف وكأنه بنى الكلام على الترقي فطلب أولا أن يكون بلدا آمنا من جملة البلاد التي هي كذلك ثم لتأكيد الطلب جعله مخوفا حقيقة فطلب الأمن لأن دعاء المضطر أقرب إلى الإجابة ولذاذ ذيله عليه السلام بقوله : إني أسكنت الخ اه .
وهو مبني على تعدد السؤال وإن حمل على وحدته وتكرير الحكاية كما استظهره بعضهم واستظهر آخرون الأول لتغاير التعبير في المحلين فالظاهر أن المسؤول كلا الأمرين وقد حكى أولا واقتصر ههنا على حكاية سؤال الامن لأن سؤال البلدية قد حكى بقوله : فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم إذ المسؤول هويها اليهم المساكنة كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا للحج فقط وهو عين سؤال البلادية وقد حكى بعبارة أخرى على ما أختاره بعض الآجلة أو لأن نعمة الا من أدخل في استيجاب الشكر فذكره انسب بمقام تقريع الكفرة على اغفاله على ماقيل وهذه الآية وماتلاها أعني قصة إبراهيم عليه السلام على مانص عليه صاحب الكشف واردة على سبيل الاعتراض مقررة لما حث عليه من الشكر بالايمان والعمل الصالح وزجر عنه من مقابلهما مدمجا فيها دعوة هؤلاء النافرين بلسان اللطف والتقريب مؤكدة لجميع ماسلف أشد التأكيد .
وفي إرشاد العقل السليم أن المراد منها تأكيد ماسلف من تعجيبه صلى الله تعالى عليه وسلم ببيان فن آخر من جنايات القوم حيث كفروا بالنعم الخاصة بهم بعد ماكفروا بالنعم العامة وعصوا أباهم إبراهيم عليه السلام حيث أسكنهم مكة زادها الله تعالى شرفا فالاقامة الصلاة والاجتناب عن عبادة الأصنام والشكر لنعم الله تعالى وسأله أن يجعله بلدا آمنا ويرزقهم من الثمرات ويهوي قلوب الناس اليهم فاستجاب الله تعالى دعاءه وجعله حرما آمنا تجبى اليه ثمرات كل شيء فكفروا بتلك النعم العظام واستبدلوا دار البوار بالبلد الحرام وجعلوا لله