من ذنوبكم أي بعضها وهو ماعدا المظالم وحقوق العباد على ماقيل وهو مبني على أن الاسلام إنما يرفع ماهو من حقوق الله تعالى الخالصة له دون غيره والذي صححه المحدثون في شرح ماصح من قوله صلى الله عليه وسلّم : إن الاسلام يهدم ماقبله أنه يرفع ماقبله مطلقا حتى المظالم وحقوق العباد وأيد ذلك بظاهر قوله تعالى في آية أخرى : يغفر لكم ذنوبكم بدون من و من هنا ذهب أبو عبيدة والاخفش إلى زيادة من فيما هي فيه وجمهور البصريين لايجوزون زيادتها في الموجب ولا إذا جرت المعرفة كما هنا فلا يتأتى التوفيق بذلك بين الآيتين وجعلها الزجاج للبيان ويحصل به التوفيق وقيل : هي للبدل أي ليغفر لكم بدل ذنوبكم ونسب للواحدي .
وجوز أيضا أن تكون للتبعيض ويراد من البعض الجميع توسعا ورد الامام الأول بأن من لاتأتي للبدل والثاني بأنه عين مانقل عن أبي عبيدة والأخفش وهو منكر عند سيبويه والجمهور وفيه نظر ظاهر ولو قال : إن استعمال البعض في الجميع مسلم وأما استعمال من التبعيضية في ذلك فغير مسلم لكان أولى وفي البحر يصح التبعيض ويراد بالبعض ماكان قبل الاسلام وذلك لاينافي الحديث وتكون الآية وعدا بغفران ماتقدم لابغفران مايستأنف ويكون ذاك مسكوتا عنه باقيا تحت المشيئة في الآية والحديث ونقل عن الاصم القول التبعيض أيضا على معنى إنكم إذا آمنتم يغفر لكم الذنوب التي هي الكبائر واما الصغائر فلا حاجة إلى غفرانها لأنها في نفسها مغفورة واستطيب ذلك الطيبي قال : والذي يقتضيه المقام هذا لأن الدعوة عامة لقوله سبحانه : قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم كأنه قيل : أيها الشاكون الملوثون بأوضار الشرك والمعاصي إن الله تعالى يدعوكم إلى الايمان والتوحيد ليطهركم من أخباث أنجاس الذنوب فلا وجه للتخصيص أي بحقوق الله تعالى الخالصة له وقد ورد إن ينتبهوا يغفر لهم ماقد سلف و ما للعموم سيما في الشرط ومقام الكافر عند ترغيبه في الاسلام بسط لاقبض والكفار إذا أسلموا إنما اهتمامهم في الشرك ونحوه لا في الصغائر ويؤيده ماروى أن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الاوثان وقتل النفس التي حرم الله تعالى لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وعبدنا الاوثان وقتلنا النفس التي حرم الله تعالى فنزلت قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية وقصة وحشى مشهورة وجرح ذلك القاضي فقال : إن الأصم قد أبعد في هذا التأويل لأن الكفار صغائرهم ككبائرهم في أنها لاتغفر وانما تكون الصغيرة مغفورة من الموحدين من حيث انه يزيد ثوابهم على عقابها وأما من لاثواب له أصلا فلا يكون شيء من ذنوبه صغيرا ولا يكون شيء منها مغفورا ثم قال : وفي ذلك وجه آخر وهو أن الكافر قد ينسى بعض ذنوبه في حال توبته وإيمائه فلا يكون المغفور الا ماذكره وتاب منه اه .
ولو سمع الاصم هذا التوجيه لأخذ ثأره من القاضي فانه لعمري توجيه غير وجيه ولو أن أحدا سخم وجه القاضي لسخمت وجهه وقال الزمخشري : إن الاستقراء في الكافرين أن يأتي من ذنوبكم وفي المؤمنين ذنوبكم وكان ذلك للتفرقة بين الخطأ بين ولئلا يسوي في الميعاد بين الفريقين .
وحاصله على مافي الكشف أن ليس مغفرة بعض الذنوب للدلالة على أن بعضا آخر لايغفر فانه من قبيل دلالة مفهوم اللقب ولا اعتداد به كيف وللتخصيص فائدة أخرى هي التفرقة بين الخطابين بالتصريح بمغفرة الكل وابقاء البعض في حق الكفرة مسكوتا عنه لئلا يتكلوا على الايمان وفيه أيضا أن هذا معنى حسن لاتكلف فيه .
واعترض ابن الكمال بأن حديث التفرقة إنما يتم لو لم يجيء خطاب على العموم وقد جاء كذلك في سورة الانفال