مطلقا لأن الشياطين هم الذين زينوا لهم هذه الشنيعة الشنعاء وأغروهم عليها فكيف يتأتى القول بأنهم غافلون حقيقة عنها أو أنهم غير مرتضين لها ولعل من ذهب إلى ذلك يلتزم الكذب ويقول بجواز وقوعه يوم القيامة .
وقيل : إن القول الأول لايصح مع هذا القول أيضا مطلقا لأن الأوثان لا تتصف بالغفلة حقيقة لأنها كما يفهم من القاموس إسم لترك وذهاب القلب عنه إلى غيره وهذا شأن ذوي القلوب والأوثان ليست من ذلك وكذا تتصف بها مجازا عن عدم الإرتضاء إذ الظاهر أن مرادهم من عدم الإرتضاء السخط والكراهة وظاهر أن الأوثان لا تتصف بسخط ولا إرتضاء إذ هما تابعان للإدراك ولا إدراك لها ومن أثبته للجمادات حسب عالمها فالأمر عنده سهل ومن لا يثبته يقول : إنها مجاز عن عدم الشعور وقد يقال : إن المراد بغفلتهم عن عبادة المشركين عدم طلبهم الإستعدادي لها ويرجع ذلك بالآخرة إلى نفي إستحقاق العبادة عن أنفسهم وإثبات الظلم لعابديهم .
وحينئذ فالأظهر أن يراد بالشركاء جميع ماعبد من دون الله تعالى من ذوي العقول وغيرهم والكل صارق في قوله ذلك وقد يراد من عدم الطلب ما يشمل عدم الطلب الحالي والقالي إذا أعتبر كون القائل ممن يصح نسبة ذلك له كالملائكة عليهم السلام وهذا الوجه لا يتوقف على شعور الشركاء بعبادتهم ولا على عدمه فيجوز أن يكون لهم شعور بذلك ويجوز أن لا يكون لهم شعور والظاهر أن تفسير الغفلة بعدم الإرتضاء المراد منهم على ما قيل السخط والكراهة يستدعي الشعور إذ كراهة الشيء مع عدم الشعور به مما لا يكاد يعقل وإثباته لجميع الشركاء ولو إجمالا في وقت من الأوقات الدنيوية غير مسلم ولعل التعبير بالغفلة أكثر تهجينا للمخاطبين ولعبادتهم من التعبير بعدم الطلب مثلا فتأمل والباء في بالله صلة و شهيدا تمييز و إن مخففة من أن واللام هي الفارقة بين المخففة والنافية والظرف متعلق بغافلين والتقديم لرعاية الفاصلة أي كفى الله شهيدا فإنه العليم الخبير المطلع على كنه الحال إنا كنا غافلين عن عبادتكم والظاهر من كلام بعض المحققين أن فكفى إلخ إستشهاد على النفي السابق لا على الإثبات اللاحق هنالك أي في ذلك المقام الدحض والمكان الدهش وهو مقام الحشر فهنالك باق على أصله وهو الظرفية المكانية وقيل : إنه إستعمل ظرف زمان مجازا أي في ذلك الوقت تبلوا أي تختبر كل نفس مؤمنة كانت أو كافرة ماأسلفت من العمل فتعاين نفعه وضره أتم معاينة .
وقرأ حمزة والكسائي تتلو من التلاوة بمعنى القراءة والمراد قراءة صحف ما أسلفت وقيل : إن ذلك كناية عن ظهور الأعمال وجوز أن يكون من التلو على معنى أن العمل يتجسم ويظهر فيتبعه صاحبه حتى يرد به الجنة أو النار أو هو تمثيل وقرأ عاصم في رواية عنه نبلو بالباء الموحدة والنون ونصب كل على أن فاعل نبلو ضميره تعالى و كل مفعوله و ما بدل منه بدل إشتمال والكلام إستعارة تمثيلية أي هنالك نعامل كل نفس معاملة من يبلوها ويتعرف أحوالها من السعادة والشقاوة بإختبار ما أسلفت من العمل ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء أي العذاب كل نفس عاصية بسبب ماأسلفت من الشر فتكون ما منصوبة بنزع الخافظ وهو الباء السببية .
وردوا إلى الله عطف على زيلنا والضمير للذين أشركوا وما في البين إعتراض في أثناء الحكاية مقرر لمضمونها والمعنى ردوا إلى جزائه وعقابة أو إلى موضع ذلك فالرد إما معنوي أو حسي وقال الإمام : المعنى جعلوا ملجئين إلى الإقرار بألوهيته سبحانه وتعالى مولاهم أي ربهم الحق أي المتحقق الصادق في ربوبيته لا ما إتخذوه