منه فالحياء من الله تعالى أن تنظر إلى عورتك أو عورة امرأتك وإن كان ذلك قد أبيح لك لكن استعمال الحياء فيها أفضل وألى فما يتعين منه فهو فرض عليك وإلا يتعين ففعلته فهو سنة واستحباب فيراقب الانسان أفعاله ظاهرا وباطنا ويراقب ربه فى باطنه فان وجه قلبه هو المعتبر ووجه الانسان على الحقيقة ذاته يقال : وجه الشىء أى حقيقته وعينه وذاته فالحياء خير كله و الحياء من الإيمان ولايأتى إلا بخير وأما البياض الذى بين العذار والأذن وهو الحد الفاصل بين الوجه والأذن فهو الحد بين ماكلف الانسان من العمل فى وجهه والعمل فى سماعه فالعمل فى ذلك إدخال الحد فى المحدود فالأولى بالانسان أن يصرف حيائه فى سمعه كما صرفه فى بصره فكما أن الحياء غض البصر كما قاله تعالى : قل للمؤمنين أن يغضوا من أبصارهم كذلك يلزم الحياء من الله تعالى أن لايسمع مالايحل له غيبة وسوء قول من متكلم بما لاينبغى فان ذلك البياض هو بين العذار والأذن وهو محل الشبهة وهو أن يقول : أصغيت اليه لأرد عليه وهذا معنى العذار فانه من العذر أى الانسان يعتذر إذا قيل له : لم أصغيت إلى هذا القول بأذنك فيقول : إنى أردت أن أحقق سماع ماقال حتى أنهاه عنه فكنى عنه بالعذار فمن رأى وجوب ذلك عليه غسله ومن لم يرى وجوب ذلك إن شاء غسل وإن شاء ترك وأما غسل ماسترسل من اللحية وتخلليها فهى الأمور العوارض فان اللحية شىء يعرض فى الوجه وليست من أصله فكل مايعرض لك فى وجه ذلك من المسائل فأنت فيها بحكم ذلك العارض فان تعين عليك طهارة ذلك العارض فهو قول من يقول بوجوب غسله وإن لم يتعين عليك طهارته فطهرته استحبابا أو تركته لكونه ماتعين عليك فهو قول من لم يقل بوجوب الطهارة فيه وقد بين أن حكم الباطن يخالف الظاهر بأن فيه وجها إلى الفريضة ووجها إلى السنة والاستحباب فالفرض من ذلك لابد من إتيانه وغير الفرض عمله أولى من تركه وذلك سار فى جميع العبادات انتهى .
وقال بعض العارفين : هذا خطاب للمؤمنين بالإيمان العلمى إذا قاموا عن نوم الغفلة وقصدوا صلاة الحضور والمناجاة الحقيقية والتوجه إلى الحق أن يطهروا وجوه قواهم بماء العلم النافع الطاهر المطهر من علم الشرائع والاخلاق والمعاملات الذى يتعلق بإزالة الموانع عن لوث صفات النفس وأول هذا الأيدى فى قوله تعالى : وأيديكم بالقوى والقدر أى طهروا أيضا قواكم وقدركم عن دنس تناول الشهوات والتصرفات فى مواد الرجس إلى المرافق أى قدر الحقوق والمنافع وقال الشيخ الاكبر قدس سره : أجمع الناس على غسل اليدين والذراعين واختلفوا فى إدخال المرافق فى هذا الغسل فمن قائل : بوجوب إدخالهما ومن قائل : بعدم الوجوب لكن لم ينازع بالاستحباب وحكم الباطن فى ذلك أن غسل اليدين والذراعين إشارة إلى غسلهما بالكرم والجود والسخاء والهباة والاعتصام والتوكل فان هذا وشبهه من نعوت اليدين والمعاصم للمناسبة بقى غسل المرافق وهى رؤية الأسباب التى يرتفق العبد ويأنس بها لنفسه فمن راى إدخال المرافق فى نفسه رأى أن الأسباب إنما وضعها الله تعالى حكمة منه فى خلقه فلا يريد أن تعطل حكمة الله تعالى لا على طريق الاعتماد عليها فان ذلك يقدح فى اعتماده على الله تعالى ومن رأى عدم إيجابها فى الغسل رأى سكون النفس إلى الأسباب وأنه لايخلص له مقام الاعتماد على الله تعالى مع وجود رؤية الاسباب ومل من يقول : بأنه لايجب غسلها يقول : يستحب كذلك رؤية الأسباب مستحبة عند الجميع وإن اختلفت أحكامهم فيها فان الله تعالى ربط الحكمة فى وجودها وامسحوا برءوسكم قال بعض العارفين : أى بجهات أرواحكم عن قتام كدورة القلب وغبار تغيره بالتوجه