العمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية وصولاً للوحدة الإسلامية

العمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية وصولاً للوحدة الإسلامية

العمل على التقريب بين المذاهب الإسلامية
وصولاً للوحدة الإسلامية

 

الشيخ أحمد الزين
رئيس مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين في لبنان


تبدأ الدعوة للوحدة الإسلامية منطلقة من كتاب الله تبارك وتعالى حيث يقول تبارك وتعالى في سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (صدق الله العظيم).
نلاحظ في هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران ان الآية الأولى تدعو المؤمنين لتقوى الله تعالى وذلك بالالتزام بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذلك بصدقٍ وإخلاص فيطاع ولا يعصى ويشكر فلا يكفر ثمّ تأتي الآية الثانية لتأمر المؤمنين في ظلّ تقوى الله تعالى وطاعته بالاعتصام بحبل الله والالتزام بعقيدة التّوحيد وما جاء به الشّرع الحنيف وبوحدة متينة وينهي عن التّفرقة مذكّراً بما كانت عليه القبائل العربيّة من نزاعٍ وشقاق وعداوة، وكيف أنّ نعمة الإسلام قد أنهت هذا النّزاع ووحّدت الأمّة. ثمّ يأمر في الآية الثالثة بأن تقوم جماعةٌ من بين صفوف الأمّة بالدعوة للإسلام وما جاء به الشرع الحنيف من قيم وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وقد تشكّل هذه الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر الدعوة اللازمة لحماية المجتمع أفراداً وجماعات من الانحراف وسقوط الأمّة في التفرقة والنزاعات المؤدية للضعف والتشرذم. وتأتي الآية الكريمة في سورة الأنبياء لتؤكّد الوحدة في الأمة الإسلامية في ظلّ مراقبة الله تعالى والتقوى حيث يقول تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). وكأنّ الأمة في حرصها على وحدتها إنما تعبد الله تعالى، وفي عبادة الله وحده تترفع الأمة عن النزاع والتفرقة بسبب الأهواء والعصبيات. وفي مجال التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية يقول تبارك وتعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
وكأن هذه الآية الكريمة التي وردت في سورة المؤمنون تؤكّد على الوحدة الإسلامية في ظلّ الربوبية لله تعالى والتوجّه إليه وحده بالعبادة (وأنا ربّكم فاعبدون).
 ثم تأتي الأحاديث النبوية الشريفة وأعمال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه لتطبيق ما ورد في كتاب الله تعالى من دعوات للوحدة على الأرض والواقع فيقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واصفاً الوحدة بالبنيان المرصوص وذلك في الحديث الشريف الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا ). ويصف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الوحدة القائمة بين المؤمنين في تعاونهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد وذلك حين يقول في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد والإمام مسلم: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى).
وعقب هجرته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى المدينة المنوّرة بدأ بالمؤاخاة بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وبدأ بهذه المؤاخاة بينه وبين عليّ مدّخراً عليّاً لنفسه واختصّه بأخوّته وقال له: ( الم ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيّ بعدي ).
ثم آخا بين أبي بكر وخارجه وبين زيد وحمزة وآخا بين عمر ابن الخطّاب وعتبان بن مالك وآخا بين أبي عبيدة بن الجرّاح وسعد بن معاذ، وآخا بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وآخا بين الزبير بن العوّام وسلامة بن سلامة، وآخا بين عثمان بن عفّان واوس بن ثابت، وآخا بين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وآخا بين سعيد بن زيد وأمي بن كعب، وآخا بين مصعب بن عمير وأبي أيّوب، وأخا بين أبي حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر، وآخا بين عمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمامة، وآخا بين أبي ذر والمنذر بن عمرو، وآخا بين حاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعده، وآخا بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وآخا بين بلال بن رباح وأبي رويحه، وآخا بين عمّه حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة. وهكذا بين سائر المهاجرين والأنصار وانتهت بهذه المؤاخاة بين قبيلتي الأوس والخزرج ما كان بينهما من فرقة ونزاع قبل الإسلام وتطلّع الجميع إلى هذه الأخوّة الصادقة لتؤسّس لأكرم رابطة بين المسلمين من المهاجرين والأنصار. ولم يكتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بإقامة رابطة الأخوّة بين المسلمين وحدهم وإنّما أقدم على عقد معاهدة بين المسلمين وأهل الكتاب من اليهود من بني النضير وقينقاع وقريظة وجعل من المدينة المنورة المدينة النموذجية للأخوّة الإنسانية بين سائر المواطنين وكانت المدينة بحب وصدق.
وعلى ضوء هذه المعاهدة بين المسلمين وأهل الكتاب الوطن المثالي لسائر الأوطان في جميع العصور وسائر البلدان، ويكفي ان نذكر بأن هذه المعاهدة التي انعقدت بين الرسول صلى الله عليه وسلم واهل الكتاب في المدينة المنورة قد أقرت حرية العقيدة وحرية الرأي وحرمة الحياة لكل مواطن ولأي دين انتمى وحرمة النفس وحرمة المال وحرمة الوطن. وللأسف الشديد قام اليهود وكعادتهم وبخاصّة مع الأنبياء والرسل، فنقضوا المعاهدة القائمة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنكّروا للعهود التي أعطوها وقام من زعمائهم حيمي بن أخطب من بني النضير وعبد الله بن صوري من بني ثعلبة وزيد بن اللصيت من بني قينقاع والزبير بن باطا من بني قريظة ولبيد بن وحم من بني زريعة وذهبوا الى قريش وغطفان يحرضونهما على حرب المسلمين في المدينة. وعلى أثر هذا التحريض من اليهود جرت معركة الخندق بين المسلمين من جهة وقريش وغطفان ومن آذرهم من اليهود من جهة أخرى.
و بسبب تآمر اليهود على المسلمين ونقضهم للعهود انتهى بهم هذا الطريق الى النفي وإننا لا نستطيع ان نأخذ ما فعله اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً مطلقاً وعامّا لمعاملة الإسلام لغير المسلمين، إذ أن من غير المسلمين من النصارى من يمتدحهم القرآن الكريم لقربهم من المسلمين وذلك حين يقول تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى).
ويقول تبارك وتعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّه).
ويقول (صلى الله عليه وآله وسلّم): (إتّقوا الله بأهل الذّمّة ) (من آذى ذمّياً فقد آذاني).
ونذكّر هنا الأخلاق الإنسانيّة والمعبّرة عن الرحمة ورفض القتل والغدر والاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ والنهي عن قطع الأشجار وهدم البيوت والتي جائت في وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جيش المسلمين قبل سيره لمحاربة الروم وقد ورد في وصيّته صلى الله عليه وآله وسلّم قوله: ( أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً. اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله. لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانيا ولا منعزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء).
هذا قانون الإسلام في الحروب وهو قانون إنساني محض يراعي الوحدة الإنسانية والتراحم بين الناس إلى جانب الأخوّة الإسلاميّة.
ويكفي للدلالة على الأخوّة الإنسانية التي جاء بها الإسلام والتي تؤدّي إلى الأخوّة بين المواطنين في الوطن الواحد أن نستذكر ما ورد في تاريخ الطبري عن الكتاب الذي أعطاه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب لأهل ايلياء:
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين ايلياء من الامان اعطاهم اماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها ولا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم.
و هكذا فإن الدعوة للوحدة الإسلامية هي دعوة إنسانية تراعي العلاقة الوطنية والإنسانية مع سائر الناس من سائر الأديان وتساوي في العدالة والكرامة والقيم الإنسانية بين جميع الناس.
وإنّ القرآن الكريم يؤكّد الأخوّة الإنسانية بين جميع الناس على إختلاف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وقوميّاتهم حين يخاطبهم تبارك وتعالى بقوله في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) وكذلك نرى القرآن الكريم يقر باختلاف الناس في عقولهم وطبائعهم وتزاحم مصالحهم ومنافعهم وتباين آرائهم ولغاتهم ويعتبر ذلك من آيات الله تبارك وتعالى تضاف إلى آياته في خلق السماوات والأرض وذلك في قوله تعالى في سورة الرّوم: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) وهكذا فالإسلام يرى ان العلاقة بين الأفراد والجماعات يجب أن تقوم على التعارف والتعاون والتراحم وبناء الحضارات والمدنيات فيقول تبارك وتعالى مؤكّداً هذا المعنى الحضاري الكبير مخاطباً الناس جميعاً على اختلاف أجناسهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات ).
و نريد أن نؤكّد بقولنا هذا إنسانية الإسلام وأن الدعوة للوحدة الإسلامية تراعي الأخوّة الإنسانيّة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات وعلى رأسها المساواة في القيمة الإنسانية بين الجميع وعلى حماية كرامة الإنسان وحقوقه.
ولسائل أن يسأل ويقول تحدّثتم عن الوحدة في القرآن الكريم وفي السنّة المطهّرة وعن العلاقة بين المسلمين وبين أهل الكتاب في ظلّ الوحدة الإنسانية. وهل نستطيع اليوم تحقيق الوحدة الإسلامية مع ما نشاهده من عوائق كبيرة لا يستهان بها ومنها التفرقة المذهبية وما نشاهده في أكثر من بلد عربي وإسلامي من صراعات وبخاصّة بين السّنّة والشيعة. وكذلك من العوائق الأكيدة والتي تحول دون تحقيق الوحدة الإسلامية الانتماءات الوطنية والقومية والعرقية إلى آخر ما هنالك من انتماءات قد تباعد بين المسلمين ولا تسمح بالوحدة والتعاون فيما بينهم.
و للإجابة على هذا التساؤل نقول مستعينين بالله تعالى:
أوّلاً: إنّ الإسلام كما عرفنا من كتاب الله تعالى ومن سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم ومن سيرته العطرة بني المجتمع الإسلامي في المدينة المنوّرة على أساس الأخوّة والوحدة بين المسلمين.
ثانياً: رأينا أنّ الدعوة للوحدة الإسلامية تدعو للأخوّة بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب وصولاً للأخوّة الإنسانية بين المسلمين وسائر المواطنين من سائر الأديان والقوميات والأجناس.
ثالثاً: إنّ الإسلام الصالح لكلّ زمان ومكان يسمح بتعدّد المذاهب بين أتباعه ويرى أن الاختلاف في الرأي والاجتهاد قد يكون رحمة وظاهرة طيّبة تسمح بثراء الفقه وسائر نشاطات الإنسان وتعطي المجتهد المصيب أجرين وللمخطئ أجراً واحداً تشجيعاً للاجتهاد وإعمال الفكر وإيجاد الحكم الشرعي لكل قضيّة طارئة ولكلّ مشكلة حادثة.
رابعاً: إنّ ما نشاهده من صراع مرير بين السنة والشيعة في العراق وما يعمل على إثارته في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وإعلان البعض بتكفير البعض الآخر. إنّما هو تآمر على العرب والمسلمين على قاعدة فرّق تسد تقوم به الولايات المتّحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي لتنفيذ مشروعها بإشاعة الفوضى والتقاتل بين أبناء الوطن الواحد ومن أجل بسط هيمنتها ونهب ثرواتها وبالخصوص السيطرة على الطاقة والثروة البترولية وتأمين الحماية الكاملة للعدوّ الإسرائيلي وذلك بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وأهل فلسطين وسحب السلاح من المقاومة الإسلامية في لبنان.
خامساً: إنّما يقوم به البعض من تعميم الانقسام والفرقة بين المسلمين وتوجيه صفة التكفير من بعض السنة للشيعة ومن بعض الشيعة للسّنّة. يأتي الردّ عليه من كتاب الله تبارك وتعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم فالقرآن الكريم يبيّن لنا الإيمان الصحيح والإسلام الصحيح حين يقول تعالى في سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ويقول تعالى في السورة نفسها في الآية رقم (177) (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
و طالما أنّ السنّة والشيعة الإثني عشرية يؤمنون بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وسائر صفاة المؤمنين ويقيمون الصلاة ويؤتون الزّكاة ويصومون رمضان ويحجّون إلى البيت الحرام ويتوجّهون في صلاتهم نحو القبلة فليس لأحدٍ من أهل هذا المذهب أو ذاك أن يكفّر الآخر. وقد ورد في صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرّم الله عليه النار) وعن عبادة بن الصامت أيضاً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وابن أمّته وكلمته ألقاها إلى مريم وريحٌ منه وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء).
سادساً: في الدعوة للوحدة الإسلامية ورفض إثارة الفتنة بين السنة والشيعة يمكننا أن نرجع لأقوال علمائنا الكبار والرد على مثيري الفتنة بين المسلمين وعلى دعوات التفرقة والتكفير وبخاصّة على من يقف وراءها من المتآمرين وعملائهم.
سابعاً: نبدأ الردّ بفتوى عالمنا الكبير شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله تعالى وذلك في السّابع عشر من تموز سنة 1959 حيث أفتى بأنه يجوز لمن ليس من أهل الاجتهاد والنظر أن يقلّد أي مذهب من مذاهب العلماء الموثوق بعلمهم وصلاحهم وبشرط أن يصل إليه ذلك المذهب من طريقٍ منضبط يطمأن إليه سماعاً أو نقلاً.
ولا عبرة لمن يكتب في بعض الكتب عن انحصار المذاهب التي يجوز تقليدها في المذاهب الأربعة المشهورة ولا بما يقال من أن من قلّد مذهباً فليس له أن ينتقل منه إلى غيره إلى أن يقول أنّ لفظ الشيعة الذي اشتهر به أتباع عليّ وآل بيته خاصّةً هو مأخوذٌ من المشايعة بمعنى المتابعة، فشيعة الرجل أصحابه وأتباعه وأنّ لهذه الطائفة المعروفة أصولها المستمدّة من كتاب الله تعالى ومن سنّة رسوله المرويّة عن أئمّتهم في العقيدة والشريعة وليس الخلاف بينهم وبين مذاهب السنّة أعظم من الخلاف بين مذاهب السنة بعضها مع بعض. فهم يدينون بأصول الدين كما ورد في القرآن الكريم والسنة المتواترة كما يؤمنون بكلّ ما يجب الإيمان به وبخاصة في الأمور المعلومة من الدين بالضرورة. وأنّ مذهبهم الفقهي ّ مدوّن محرّر له كتبه وأسانيده وأدلّته وأن مؤلّفي هذه الكتب ومن استمدّوا منهم معروفون محفوظةٌ سيرتهم العلمية ومكانتهم الفقهية بين العلماء. إلى أن يقول أن مذهب الجعفريّة المعروف بمذهب الشيعة الإماميّة الإثنا عشرية مذهبٌ يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي على المسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير الحقّ لمذاهب معيّنة. فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكلّ مجتهدون مأجورون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّونه في فقههم لا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات. وإنّني أترك فتوى شيخنا الشيخ شلتوت مكتفياً بهذا للرد على حاملي لواء التكفير ومثيري الفتنة للتأكيد على أنّ تعدّد المذاهب الإسلاميّة ليس سببأً للتفرقة بين المسلمين وإنّ الإسلام يضمّ جميع المذاهب من السنّة والشيعة ضمن دائرة واحدة ليشكّل الجميع ويؤلّفوا الأمّة الإسلاميّة الواحدة. وقد قال الشيخ محمد أبو زهرة وهو من أكابر علماء الأزهر المعروفين ما أجمع علماء الإسلام على إختلاف طوائفهم في أمر إجماعهم على فضل الإمام جعفر الصادق وعلمه. فأئمّة السنة الذين عاصروه تلقّوا عنه وأخذوا ومنهم مالك رضي الله عنه وأخذ عنه أبو حنيفة مع تقاربهما في السّنّ، وأخذ عنه سفيان بن عيينه وسفيان الثوري وغيرهم كثير.
وأما الامام أحمد بن حنبل فقد روى في مسنده حديث الثقلين ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اني أوشك أن ادعى فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله جل جلاله ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
ويقول الإمام مالك، كنت آتي جعفر بن محمد وقد اختلفت إليه زماناً، فما كنت أراه إلا على إحدى خصال ثلاث: إما مصلياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى على طهاره.
أما ما أنشده الإمام الشافعي (رضي الله عنه) في أهل البيت (عليهم السلا) فمعروف وردده العلماء ومما قال:
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان اني رافض
ومما قاله:
يــا آل بيت رسول الله حبكـــم فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكمُ من عظيم الفخر انكم من لـم يصل عليكم لا صلاة له
 ولا أعتقد أنه بعد أن رأينا موقف كبار أئمة المذاهب السنية من الإمام جعفر الصادق ومن آل النبي، يحق لإنسان أن يدعي بأن المذاهب الإسلامية تكون سبباً في التفرقة بين المسلمين .
وبعد أن قرأنا فتوى شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت، بأن المذهب الجعفري المعروف بمذهب الشيعة الامامية الاثنا عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر المذاهب من أهل السنة .
وبعد أن نقرأ ما يقوله الإمام الخميني رضوان الله عليه في خطابه المؤرخ بتاريخ الثاني من جماد الأول 1384 ھ: إن الدول الاستعمارية تسعى باستمرار إلى تفريق وتشتيت صفوف المسلمين من أجل سيطرتها الاستعمارية . وإن أيدي الكثرة التي توجد الخلاف ما بين الشيعة والسنة وتغذيه، لا هي شيعية ولا هي سنية، انما هي أياد استعمارية، اياد أجنبية، تريد تأخير البلاد الإسلامية من أجل اغراضها الخاصة ونهب الثروات والخيرات .
إن الاستعمار بواسطة عملائه ومأجوريه وعن طريق إثارة الخلافات وانتقال الأزمات ما بين الشيعة والسنة يضعف من قدرة المسلمين كمرحلة أولى للقضاء على الإسلام بكل طوائفه ومذاهبه . ويقول الإمام الخميني رحمه الله تعالى كلمات أخرى: على جميع الأخوة الشيعة والسنة أن يتجنبوا أي خلاف بينهما، ويجب علينا أن نعي الحقيقة التالية: اننا مسلمون جميعاً، واننا أبناء القرآن والتوحيد.
وأما الإمام الخامنئي حفظه الله تعالى فيقول: نحن المسلمون لو فكرنا بالسبل السالكة والعملية لتحقيق وحدتنا الإسلامية لرأينا بأن أفضلها وأهمها وأوسعها هو الالتفاف حول شخصية الرسول العظيمة،والتي هي محط أنظار وعواطف ومشاعر وعقائد جميع المسلمين بمختلف مذاهبهم، ويقول: إن الوحدة الإسلامية أصبحت في ظل الظروف الراهنة ضرورة ماسة لا مناص من تحقيقها، لأن أعداء الإسلام الذين يشكلون اليوم جهة عريضة ضمت أمريكا والصهيونية العالمية والشركات النفطية والأقلام المأجورة، اصبحوا مجهزين بكل مقومات الإختراق والنفوذ، وبتسديد الضربات وبشكل لم يشهده التاريخ من قبل، ومن اخطر الأساليب التي يلجأ إليها هذا العدو، إثارة الخلافات والفرقة بين المسلمين وإيجاد هفوة بين ما يمكن أن يكون مصدر إشعاع وإلهام للآخرين، ثم يضيف سماحته: لذا ادعوكم أيها المسلمون بإعتباري مسلماً مطلعاً على ما يحل من مؤامرات أن تتحدوا، فالوحدة أصبحت ضرورة حياتية ولا بد من تحقيقها، وعلى المجتمعات الإسلامية أن تتحد رغم الاختلافات المذهبية والطائفية ونمط المعيشة والتقاليد والعادات، فالمقصود من الإتحاد هو إتحاد مواقف موحدة تجاه قضايانا المصيرية، وأن يساعد بعضنا بعضا، وأن لا نستخدم ثروتنا ضد بعضنا بعضا، وأن العدو يلجأ بعض الأحيان إلى الإيقاع بين أبناء الطائفة الواحدة مستخدماً في ذلك أصحاب النفوس الضعيفة والأغراض المريضة، لذا علينا أن نحذر ذلك ونتحد ما دام كتابنا واحداً ونبينا واحداً وقبلتنا واحدة وحجنا واحداً وعقائدنا واحدة، فقد أصبحت مسألة وحدتنا ضرورية، كلما تأخرنا يوما واحداً فهذا يعني خسارة لعالمنا الإسلامي. 
وفي الختام:
وبعد أن اطلعنا على رأي كبار علماء السنة والشيعة في دعوتهم لنبذ الفرقة بين المسلمين والعمل على توحيد كلمة المسلمين، نرى ضرورة الالتفات للأمور التالية:
أولاً: أن نؤكد ضرورة السعي الجاد لتحقيق الوحدة الإسلامية، وذلك تحقيقاً للمصلحة الإسلامية والنهوض بالأمة، مدنياً وحضارياً، ومن أجل حماية المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى والقدس الشريف والحفاظ على ثروات الأمة من السرقة والنهب.
ثانياً: إن أعداء الأمة الإسلامية والطامعين في ثرواتها يوحدون صفوفهم ويرسمون الخطط ويضعون المشاريع من أجل الهيمنة على العالم الإسلامي ونهب ثرواته.
ثالثاً: إن كان الأعداء يوحدون صفوفهم للتآمر والاعتداء على المسلمين، وكما هو حاصل في فلسطين والعراق وأفغانستان وصولاً إلى لبنان، ويأتي السؤال التالي، فهل من العدل والمنطق السليم أن يتوحد الأعداء للتآمر على الأمة الإسلامية ويبقى المسلمون متفرقين متشرذمين ؟
رابعاً: إن الدعوة للوحدة الإسلامية يجب أن لا تتعارض مع الدعوات للانتماء للوطن وللقومية، كما كان يشاع في العقود الماضية، إذ أنه قد يصح الانتماء للوطن وللقومية من ضمن الانتماء الكبير للأمة الإسلامية،و إن الإسلام يسع الجميع حيث يدخل في دائرته الناس على اختلاف أوطانهم وقومياتهم ولغاتهم ومصالحهم .
خامساً: إن الدعوة التي كانت تطرح الوحدة الإسلامية وتدعو في نفس الوقت إلى التخلص من المذاهب الإسلامية بحجة أن الإسلام حين نزل لم تكن هذه المذاهب متواجدة، ويصر هؤلاء على الوحدة الإسلامية مع التخلي عن الانتماء للمذهب .. والذي حصل أن هذه الدعوة للخلاص من المذاهب الإسلامية شكلت بالذات مذهباً جديداً أضيف إلى سائر المذاهب الإسلامية . ولا يغيب عن بالنا أن الثروة الفقهية والثقافية والعلمية التي جاءت بها المذاهب الإسلامية على مر العصور قد شكلت ثروة علمية لا يستغنى عنها، وعلامة بارزة للحضارة الإسلامية .
 سادساً: ولتكن الدعوة للوحدة الإسلامية تضم جميع المسلمين مع تعدد مذاهبهم ولغاتهم وألوانهم ومصالحهم، كما تضم غير المسلمين الذين يشاركون المسلمين في أوطانهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة الإنسانية التي هي من آيات الله تبارك وتعالى حيث يقول الله تعالى في سورة الروم:(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ )الروم 22 . ولكن هذا الاختلاف لن يكن سببا للنزاع والشقاق بين الأمم، وإنما للتعارف والتعاون والتراحم كما ورد في قوله تعالى في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13
سابعاً: إن أوروبا تضم عدداً كبيراً من القوميات والأوطان واللغات المتفاوتة، إضافة إلى المصالح المتباينة، ولكنها مع ذلك وتحقيقاً لمصالحها وحماية لثرواتها من المزاحمات الأميركية اضطرت لإقامة الإتحاد الأوروبي كما نشاهد اليوم .
ثامناً: لقد آن للمسلمين أن ينتقلوا في الدعوة للوحدة الإسلامية من الحالة العاطفية والوجدانية إلى الحالة العملية والواقعية، وأن لا تقتصر الدعوة للوحدة على الكلام الإنشائي والخطب المنبرية وإننا نرى أنه أمام ما يتعرض له المسلمون من اعتداءات على إنسانهم ومقدساتهم وأموالهم، أصبحت الحاجة ماسة للعمل الجاد والسعي المتواصل من أجل الوصول للوحدة الإسلامية والتعاون بين المسلمين في أرجاء العالم في جميع الأمور والنشاطات، وخاصة في الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، وصولاً إلى الشأن العسكري والمقاومة بأسلوبها المميز في مقاومة الأعداء، وعليه فإني أرى البدء والشروع بتشكيل لجان علمية متخصصة في الشؤون الآنفة الذكر لوضع المشروع العصري، والذي يتلاءم مع الواقع ويراعي التوجه الشرعي، وأعني به المشروع اللازم لتحقيق الوحدة الإسلامية والسعي الحثيث لتنفيذها ووضع الآلية اللازمة لذلك.
تاسعاً: إن الجهة التي عليها وضع المشروع الوحدوي بعد الدراسة العلمية اللازمة هي الدولة التي تؤمن بالوحدة الإسلامية وجمع كلمة المسلمين والتعاون بينهم في جميع المجالات . وإذا لم تقدم الدولة الإسلامية على وضع هذا المشروع لأسباب سياسية تحتفظ بها لنفسها، فإن الشعوب الإسلامية من خلال لقاءاتها والمؤتمرات التي تعقدها،عليها أن تسعى لإنجاز هذا المشروع الوحدوي في سائر النشاطات .
عاشراً: وأخيراً، لا بد من التذكير أن الانطلاق للعمل من أجل الوحدة الإسلامية يجب أن يكون من الالتزام الكامل بالإسلام، عقيدة وشريعة، ليأتي العمل الوحدوي والإسلامي حراً، وخالياً من استغلال الدول الاستعمارية والتي كثيراً ما تدعو لصنع الأحلاف بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية وذلك لخدمة مصالحها، وعلينا أن نكون حذرين من سياسة هذه الدول ومن عملائها .
لذلك، قد يحتاج العمل الوحدوي لعمق في الفهم وإخلاص في العمل ينطلق في أسبابه وغاياته من الإسلام في عقيدته وشرعه وسياسته الشرعية مع الحذر الشديد لطروحات الدول الاستعمارية للأحلاف التي تصب في مصلحة المستعمر ولا تحقق المصلحة الحقيقية للأمة الإسلامية، ولا بد في ختام البحث من مناشدة العلماء المسلمين في سائر أنحاء العالم الإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم الشرعية في ظل من تقوى الله تعالى.