الأقليات الإسلامية في أفريقيا.. الحالة القائمة والمقترحات حولها

الأقليات الإسلامية في أفريقيا.. الحالة القائمة والمقترحات حولها

 

 

الأقليات الإسلامية في أفريقيا.. الحالة القائمة والمقترحات حولها

 

 

 

                                                                                                 محمد علي التسخيري

الامين العام للمجمع العالمي  للتقريب بين المذاهب الاسلامية  

 

 

لكي نعرف وضع الأقليات المسلمة اليوم وندرس احتياجاتها واسلوب اشباع هذه الاحتياجات، علينا أن نتوفر على بعض الدراسات الواقعية وذلك:

أولاً: علينا أن نعرف الخلفيات والسوابق التاريخية لحركة الاسلام في افريقيا ومسيرة تطوراته وتفاعلاته مع المنطقة وحركة الصحوة الاسلامية خلال هذه الحقبة التاريخية الطويلة منذ دخول الاسلام وحتى اليوم وكذلك علينا معرفة تاريخ الحركات والحكومات الاسلامية التي قامت في فترة طويلة من هذا التاريخ ومدى آثارها على الساحة العامة.. كل هذه الأمور ضرورية جداً لتكوين صورة أكثر احاطة بالوضع الحالي القائم اننا نعرف إن الاسلام دخل الى افريقيا حتى قبل الهجرة يعني من خلال الهجرة الأولى للمسلمين للحبشة ومنها الى السودان عام 31 هـ وهكذا امتد الاسلام حتى رأينا دخوله منطقة المقره بعد خمسة قرون وبعد قرنين ونصف دخلت منطقة العلوه الى الاسلام وبعد 13 سنة من سقوط الاندلس بيد الافرنج قامت حكومة اسلامية في افريقيا المركزية. وتمتعت انغولا والكونغو بإمارة اسلامية ولكن البرتغاليين تعقبوا المظاهر الإسلامية مئات السنين، وفي النصف الأول من القرن الأول الهجري شمل الاسلام شمال افريقيا ومن هناك دخل الى عمقها وقد اقيمت حكومات اسلامية من القرن الرابع وحتى السابع وفي مالي من  السابع الى العاشر والسنغال من القرن العاشر  م  فما بعد، وانتشر الاسلام انتشاراً واسعاً حتى قيل انه يوجد ـ اليوم ـ من كل 3 افارقة مسلمان ومازال الاسلام ينتشر ولا ريب.

 إن لهجوم اوروبا على افريقيا في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي تأثيراً كبيراً في تأجيج روح المقاومة وتأسيس الحركات الجهادية في شمال وغرب افريقيا([1]). إلا أن النفوذ الاسلامي يسبق ذلك بقرون فقد قامت امبراطورية كانم في القرن الحادي عشر ثم استمرت الى القرن الرابع عشر م وبعد ذلك انحصرت في احدى الولايات وهي (بورتا)، وهنا قامت أقطار اسلامية قوية في (كانو، زاريو، دارو، كامير، كادسينا) ولم تكن تقل اهمية عن تلك الأقطار الاسلامية في حوض البحر الابيض المتوسط وبعد الحكومة الاسلامية التي سميت بحكومة (كانو) قامت امبراطورية (سنكهاي) وعاصمتها (كاهوي) الواقعة على بحر النيجر في مالي اليوم وقد قامت هاتان الدولتان بتوحيد الأقطار الاسلامية المتفرقة وكان على رأس هذا التوحيد (محمد آسكاي الكبير) ثم تمزقت الوحدة بعد ذلك ثم اتحدت دولة (بورنا وكيبي) وتم تجديد النهضة الاسلامية على يد الامام (عثمان بن فودو) في القرن الثامن عشر هذا الرجل الزاهد العابد الأديب الذي زار الأقطار الاسلامية واستطاع ان يقيم دولة واسعة تمتد من (كاندوا) الى (آداما) وتشمل لفترة معينة دولة (برونا) ثم جاء بعده ابنه بلو (سلطان سكوتو) وفي عام 1893 قاد (رباح زبير) المقاومة ضد الاوروبيين ولكنه قتل على يد الفرنسيين([2]) . وفي عام 1850 زحفت الهيئات التبشيرية الى نيجيريا وأنشأ الاستعمار الانكليزي مستعمرة له في لاغوس (1861) وانشأ بعدها الشركة الملكية للنيجر ثم دخلت نيجيريا الجنوبية تحت الحماية ثم تبعتها نيجيريا الشمالية وهكذا رأينا استقلال نيجيريا 1953 ومجيء أول رئيس هو (ابو بكر تفاوابيلوا). وفي انقلاب عسكري عام 1961 قتل هو واحد القادة الآخرين المعروفين وهو المرحوم (أحمد بلو).

 وهناك حركة تاريخية اسلامية نشطة في شرق افريقيا وفي جنوبيها فضلاً عن السيطرة الاسلامية الكاملة على شمال افريقيا هذه امور يجب ان تدرس بدقة وعناية. ومن المؤسف له أن المصادر التي توضح الموقف في هذا المجال قليلة جداً وغير معروفة. ومما له الأثر الكبير في توضيح الصورة الدور الكبير الذي لعبته الحركات الصوفية ذات التأثير الواسع في المجتمع الاسلامي في افريقيا ومنها التيجانية ـ القادرية ـ السمانية ـ الختمية ـ الشاذلية. وهي طرق قامت من جهة لتعميق دور الايمان في النفس الانسانية ومن جهة اخرى ضمنت عدم تسلل الاعداء الى واقع المجتمع وتمزيقه وابعاده عن اسلامه. هذه الدراسة نراها ضرورية جداً لتكوين الصورة الحقيقية ومن خلال ذلك ندلف الى واقعنا الاسلامي في القارة الافريقية. وعلينا أن نلاحظ المؤسسات المدنية الاسلامية الكثيرة ومدى تأثيرها على الساحة كما إن علينا أن نلاحظ المراكز الاسلامية المنتشرة هنا وهناك ولهذه المراكز الاسلامية دورها الكبير خصوصاً في الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي حيث تقوم بشؤون الدعوة كما تقوم بالشؤون الاجتماعية، ولنضرب على ذلك مثالاً حركة الشباب المسلم في جنوب افريقيا التي تأسست عام 1970 في دوربان وقد التحقت بها الشخصيات الاسلامية المعروفة هناك كما تركت آثارها الكبرى في المجال الاجتماعي وقد عقدت لقاءات كثيرة حضرتها شخصيات متنوعة وأسست فروعاً وفتحت صفوفاً لتعليم الشريعة الاسلامية والقرآن الكريم بين الشباب والنساء واتصلت بالاقليات الاسلامية في دول أخرى واصدرت نشرات مفيدة وجمعت الزكاة وانشأت لجاناً للمحامين والاطباء والمحاسبين وشعاراتها تدعو للوحدة وتشجيع التعليم وجعل المسجد المحور الحاكم ومطالعة السيرة واشراك المرأة في النشاط.

وهناك جمعيات مشابهة كثيرة هنا وهناك وهي تمثل في الواقع نقطة قوة في المجتمع الاسلامي الافريقي كما إن هناك نشاطاً واسعاً لكثير من المنظمات الدعوية الاسلامية ومنظمات الاغاثة الاسلامية في انحاء افريقيا اليوم كنشاطات رابطة العالم الاسلامي ونشاطات المؤسسات التي تهتم بأفريقيا في الكويت والخليج الفارسي بالاضافة الى المنظمات القائمة في الدول الاسلامية على الساحة الافريقية الاخرى كمنظمة الدعوة الاسلامية والجامعة الافريقية في السودان ورابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية وما الى ذلك من منظمات على الرغم من البدايات المتأخرة لها في السبعينات.

ومما ساعد في نجاح عمل هذه المؤسسات طبيعة الإسلام المنسجمة مع الفطرة الإنسانية وتاريخه البعيد عن القهر والإجبار والظلم ومرونته في السماح للتقاليد التي لا تتنافى مع العقيدة والشريعة، وقد حوربت أخيراً واتهمت بالتهم الكثيرة كالإرهاب، ورغم ذلك فقد قامت بكثير من المشروعات من قبيل:

1ـ الخدمات الاجتماعية كإيجاد المؤسسات الاقتصادية والزراعية وبعث القوافل الطبية وانشاء المعامل المفيدة والخدمات التأهيلية للمرأة والشباب وغير ذلك.

2ـ المشاريع الثقافية كإنشاء الجامعات، ونشر التعليم في مختلف المراحل، وتربية الدعاة، وتقديم المنح الدراسية ونشر كتب تعليم اللغة العربية والكتب التثقيفية ونشر نسخ القرآن الكريم، ودعم بعض الإذاعات بل وعقدت اتفاقيات مع بعض الجامعات لتطوير دراساتها.

ومع ذلك فإن هذه الجهود تبقى قاصرة وقليلة إذا ما قورنت بالجهود الأخرى.

وأما ثانياً فإن علينا ان نعرف تاريخ التحديات التي واجهت المسلمين ومن أهم هذه التحديات حركة التبشير ونحن نعلم ان المسيحية دخلت افريقيا في القرن 4 م بواسطة المذهب القبطي اليعقوبي في الاسكندرية وانتقلت الى الحبشة ثم الى غيرها([3]) ولكن الدخول القوي كان في اواخر القرن 15م الذي أجج من جهة كما قلنا روح المقاومة ولكنه فسح المجال لنشر المسيحية والتعامل مع الاسلام بشدة. وكان الاستعمار قد طال حضوره هناك حوالي قرن من الزمان او أكثر مما وفر مجال عمل للتبشير وشجع على تجهيل المسلمين وفصلهم عن تراثهم العربي. وكان مما عمله ايجاد طبقة مسيحية مثقفة في كل بلد كان لها الدور الكبير في تحقيق اهدافه. وحتى بعد الاستقلال قامت هذه الطبقة بتمرير مخططاته وربما بأكثر مما كانت عليه قبل الاستقلال. وقد عملت على حذف السنن والعادات المحلية واستبدالها بأخرى غربية وهذا (جومو كينياتا) في كتابه (نحو جبل كينيا) وجنوا آجب في كتابه (لن يبقى اي شيء ثابتاً) يدينان الاساليب التي استخدمت لمحو هذه العادات بقوة، ففي انغولا نجد ان عدد الكاثوليك لا يتجاوز 30% لكنها تسيطر على البلاد (رغم الدستور العلماني) وتمنع المسلمين من ممارسة نشاطهم الديني مطلقاً فلا يوجد لحد الآن مسجد واحد وعدد خريجي الجامعات ثلاثة رغم ان عددهم يصل الى 25000 نسمة([4]).

وهكذا انتشر النفوذ المسيحي بشكل قوي جداً وقد ذكرت الجمعية العالمية للتحقيقات الاعلامية المسيحية([5]) ان عدد المؤسسات التبشرية والمؤسسات التابعة لها بلغ 120.880 مؤسسة وبلغ تمويل التبشير 320 مليار دولار.

وذكرت هذه الجمعية انها قدمت لحد الآن 163 مليار دولار وان وسائل الاعلام المسيحية كسبت حوالي 8.9 مليار دولار وان هناك 82 مليون جهاز حاسوب لنشر المعلومات كما تم نشر حوالي 88.610 كتاباً وان هناك 24900 نشرة اسبوعية وانه تم توزيع 53 مليون نسخة من الانجيل وان محطات الاذاعة والتلفزة التي تبلّغ للمسيحية تصل الى 2340 محطة وتصل كلفتها الى 181 مليار دولار كل ذلك في عام 1991م.

وقد نشرت مجلة تايم تقريراً عام 1980 ذكرت فيه إنه يوجد من بين 640 مليون افريقي 53 مليون مسيحي كاثوليكي يضاف اليه في كل سنة 6 ملايين ويتوقع ان يصل عددهم الى 800 مليون حتى نهاية القرن وهنا نشير الى أن التقويم العالمي لعام 2002 يشير الى تناقص عدد المسلمين في افريقيا الى مستوى 353.556.000 مليون نسمة في حين يبلغ عدد المسيحيين 000،368.244 فهم أكثر.

وهنا يقول (البابا جان بول الثاني): ان افريقيا ارض خصبة يجب ان يتم استغلالها. وتقول المجلة ان نمو المسيحية كان بصورة درامية بعد استقلال هذه الدول ففي حين كانت النسبة اقل من 30% قبل سنة 1960 عادت في 1980 تصل الى 50% وهكذا اعلن أن انتهاء القرن العشرين يعني انتهاء الاسلام جنوب خط الاستواء في افريقيا وتم التأكيد على ايجاد دولة مسيحية جنوب السودان لايقاف حركة التبليغ الاسلامية جنوباً. ولا ريب ان للحكام الدور الكبير لتشجيع هذا التحرك وكمثال على ذلك نجد أن رئيس الجمهورية التنزانية يعلن بشكل واضح مدحه للاسقف جان رمضان المشرف على الكنيسة الانجلواميركانية في زنجبار وهو مسلم متنصر ودعا الى الاقتداء بهذا الرجل. والغريب ان يطرح هذا المعنى في زنجبار ذات نسبة 90% من المسلمين وتبدو اهمية هذه التصريحات إذا علمنا ان أول كنيسة انشئت في دار السلام كانت قبل 150 سنة وفي زنجبار قبل 120 سنة إلى أن بدأ المسيحيون ينتشرون بكثرة في هذه الدول. وهنا نشير الى دور الجامعات المسيحية في افريقيا في دعم هذا الانتشار ومن هذه الجامعات الجامعة المسيحية في اوغندا وقد انشأت عام 1992 تحت اشراف الاسقفية ونحن نعلم ان المسيحية دخلت اوغندا عام 1877م وانشأت أول جامعة لها سنة 1905، ولا ننسى دور المعسكرات في هذا المجال فهذا معسكر للسلام يشكله المتعلمون الاميركيون للتربية والتعليم في انحاء اوروبا وهذا مجلس افريقيا الذي يعمل على ايجاد العلاقة بين السود في اميركا وافريقيا وقد بدأ في السنغال وراح ينظم استراتيجيات حضوره في كل افريقيا وهكذا حضور المنظمات الاميركية والسويدية والالمانية المتنوعة من قبيل الـ (أس أو أس) للاطفال والـ (أس آي أس) المسيحية للاغاثة.

والأمر الثالث: هو دراسة التحديات الاخرى التي تواجه المسلمين بل ربما الافريقيين عموماً وخصوصاً المناطق جنوب خط الاستواء من قبيل الأمية والفقر ومسائل المجاعة([6]) والامراض كمرض (الايدز) والابولا وإن كان هذا المرض يقل في المجتمعات الاسلامية وكذلك التحديات والتأثيرات الاجتماعية ومسألة عدم الاستقرار السياسي وهناك ايضاً مسألة الهجوم التي تتعرض له القارة من قبل بعض الفرق الضالة كالبهائية والقاديانية ونحن نعرف ان البهائية دخلت عام 1951 في اوغندا وشكلت مركزها الافريقي عام 1958 وربما كان لفرار البهائيين من ايران بعد الثورة الاسلامية المباركة الدور الكبير في انتشارهم في افريقيا لكننا مطمئنون إلى انها لا تستطيع ان تشكل ظاهرة عامة نظراً لضعف منطقها وارتباطها العضوي بالنظام الصهيوني وفي هذه المناسبة نقول إننا نعتقد ان الصهيونية ساهمت في تضعيف الحركة الاسلامية وترجيح الاتجاهات الاخرى عليها، بل والقضاء على الارادة الشعبية وتسليط فئات عميلة على البلاد.

ومن الأمور التي يواجهها المسلمون الهجوم الاعلامي الضخم ضدهم وضد عقائدهم ومقدساتهم ونستطيع ان نضرب لذلك مثلاً ما حدث اخيراً في نيجيريا وكيف حاولت احدى الصحف المساس بشخصية الرسول الأكرم (ص) مما ادى الى اعتراض كبير ورفض اقامة مسابقات ما سمي بـ (انتخاب ملكة جمال العالم) في المنطقة لأن هذا العري الغربي يشكل نوعاً من التحدي للمشاعر الاسلامية ونضيف هنا ان الاعلام المعادي في افريقيا يحاول ان يشوه الصورة الاسلامية بين المسلمين والآخرين فقد تنسب بعض الظواهر التي تنشا من تعصب قومي او قبلي الى العقيدة الاسلامية ويظهر الاسلام وكأنه دين عنف، فمثلاً رأينا بعض الصحف في تنزانيا تنقل حادث قطع رجل امرأة بواسطة زوجها وحكم محكمة في كانو بالنسبة لحمل امرأة قبل زواجها معتبرة ذلك من نتائج العقيدة الاسلامية. والحقيقة ان هذه الأمور لا تختص بالمسلمين وقد نقلت اذاعة بي بي سي عن باول سونيكا الحائز على جائزة نوبل من نيجيريا نقده الشديد للاحكام الاسلامية. كما تجري الصحف بعض المقابلات مع شخصيات تسيء الظن بالاسلام كما حدث في مؤتمر الايدز في افريقيا الجنوبية. وراح الكل ينتقدون المسلمين لأنهم لا يهتمون بالنظافة والتعلم حتى ادى هذا الاعلام المعادي الى شك بعض المسلمين في قدرتهم على التحدي. ويستفيد الغرب في ذلك من قدرته الاعلامية الخارقة في مجال وسائل الإعلام الحديثة والكتب والمجلات ومراكز المراسلة وعمليات السياحة الواسعة. ولا ننسى سياسات التصفية التي نشهدها هنا وهناك وكمثال على ذلك ما تعرض له المسلمون في الحبشة من تصفية وما تعرضوا له في كينيا. وكذلك وصلتنا انباء قيام القوات الاثيوبية باحراق اكثر من 1500 قرية وقتل اكثر من 80000 مسلم في اريتريا اثناء النزاع الاثيوبي الاريتيري كما ان من التحديات التي يواجهها المسلمون مسألة هجرة المتخصصين الى الغرب فقد نقلت الانباء انه يوجد في اوروبا حوالي 300000 متخصص افريقي وان اكثر من 60% من اطباء كينيا وتنزانيا هاجروا منها.([7])

ومن التحديات التي نستطيع ان نذكرها هنا مسألة ضعف التخطيط الاعلامي والتبليغ للدعاة المسلمين فإن الدعاة غالباً ما لا يكونون بالمستوى المطلوب في مجال الدعوة كما اننا نشهد نوعاً من التنافس الغريب بين هؤلاء الدعاة مما يؤدي الى اساءة الظن بهم. وكذلك نشهد الضعف الكبير في مجال المفكرين والمؤلفين المسلمين. وهذا يبدو واضحاً حينما نقارن الوضع الحالي بعدد المؤلفين والمفكرين سابقاً وكانوا قد انتجوا اكثر المؤلفات في مجالات الدعوة الاسلامية إلا أن تلك الحركة الواسعة خمدت في العصر الحاضر.

ومن المشاكل والتحديات اختلاف المسلمين انفسهم نتيجة نزاعات لا ربط لها بعقيدتهم ومنها النزاع المذهبي بين هذا الاتجاه التبليغي وذلك الاتجاه، وكذلك ضعف الاتصالات بين المراكز الدعوية والاجتماعية في افريقيا وبين نظيراتها في العالمين الاسلامي والعربي. وهذه مشكلة خطيرة ينبغي تجاوزها ومن هنا نجد انه من اللازم علينا التوفر على كل هذه المقدمات، كما يجب ملاحظة كل نقاط الضعف والتحديات لنستطيع التحرك لتلافيها والحفاظ على هوية المسلمين في افريقيا.

 ونجد هنا من الضروري الاشارة الى المحاور التالية والتي أكدت على بعضها الندوات المشابهة  السابقة وهي:

1ـ لزوم المحافظة على وجود الاقليات الاسلامية في كل مكان وخصوصاً في افريقيا وحمايتها من الاستئصال والطرد الجماعي.

2ـ المحافظة على هوية الاقليات الاسلامية ومعالم شخصيتها الثقافية حتى لا تتعرض للذوبان والتصفية الفكرية والثقافية.

3ـ لزوم التأكيد على احترام حقوق هذه الاقليات باعتبار افرادها مواطنين لهم كامل الحقوق في الدول التي يعيشون فيها.

4ـ تفعيل دور الشعوب والدول الاسلامية والمنظمات والهيئات التابعة لها في دعم ومساعدة هذه الأقليات على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.

5 ـ الطلب الى الاقليات المسلمة في افريقيا لكي تنظم نفسها من داخلها وتوحد صفوفها وتعمل على ايجاد المؤسسات المدنية والدعوية الخاصة بها وبالتالي تتفق هذه المؤسسات فيما بينها لتمثل الاقلية المسلمة في البلدان التي تعيش فيها وتخطط لنموها الثقافي والتعليمي والاقتصادي وتسهم في عمليات البناء الاجتماعي العام نابذة الخلافات المذهبية والقبلية والحزبية وكل ما من شأنه اضعاف الصف الاسلامي.

6 ـ نقترح تشجيع الاقليات المسلمة على اقامة مؤسسات تعليمية بكل المراحل الدراسية ونطلب من حكومات الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي والمنظمات الاسلامية الدولية أن تقوم بدعم المشروعات التعليمية للاقليات الاسلامية وفتح المجال للمنظمات الغير حكومية للقيام بواجبها في هذا المجال.

7 ـ نطالب الحكومات والمؤسسات الاسلامية بتسهيل تبادل ابناء الجماعات المسلمة في الدول الغير اعضاء الى الاقطار الاسلامية لتعميق انتمائها للامة ورسالتها الحضارية.

8 ـ علينا أن نزيد ونفعل البرامج التي تقدمها الدول الاسلامية لزيادة الاعمار في شتى المجالات العلمية والشرعية وزيارة الشخصيات الاجتماعية لمناطق هذه الاقليات والتعرف على اوضاعها في اماكن وجودها ومتابعة احوالها والاسهام في النهوض في هذا المجال.

9 ـ علينا ان نضم الى لجنة العمل الاسلامي المشترك في مجال الدعوة الكثير من المؤسسات الدعوية الافريقية لنستمع الى صوتها في هذا المجال.

10 ـ العمل على اعطاء قضايا المرأة والاسرة المسلمة في الاقليات الاهتمام الذي تستحقه ودعم مؤسساتها العلمية والاجتماعية حتى نساهم في تربية الجيل واقامة البيت والمجتمع المسلم الفاضل.

11 ـ علينا ان نفعل ادارة الاقليات في منظمة المؤتمر الاسلامي ونمدها بالامكانيات التي توفر لها القدرة على تأديتها اعمالها على الوجه المطلوب.

12 ـ العمل على اصدار نشرة فصلية تهتم بشؤون الاقليات وتغطي انشطتها وتشكل حلقة وصل بينها وبين الدول والمجتمعات الاسلامية.

13 ـ العمل على تأسيس مركز معلومات شامل عن اوضاع الاقليات المسلمة في الدول الغير اسلامية يغطي تركيبتها الديمغرافية وتاريخها ومكانتها في دولها.

ان تاريخ الحركة الاسلامية ومسيرة الاسلام في افريقيا تاريخ عامر بالاحداث وان هناك مجموعة قليلة من المصادر ولذلك علينا التحقيق والتنقيب لكتابة تاريخ جامع لمسيرة الاسلام في افريقيا لما له من أثر كبير في هذا المجال([8]).

14ـ دعوة وزراء الاعلام والمؤسسات العلمية لمتابعة الدعاية المغرضة او الطرح المشوه للاسلام في وسائل الاعلام مثل السينما والتلفزيون والانترنيت والاهتمام بملاحقتها والرد عليها ومحاولة دبلجة الافلام الاسلامية الصحيحة وارسالها الى مناطق الاقليات الافريقية لتصحيح الصورة في اذهان المتلقين وتوسيع مجال بث القنوات الاسلامية والتنسيق فيما بينها لخدمة المسلمين في كل مكان.

15ـ العمل بالخصوص على تشجيع دراسة اللغة العربية بين الجماهير الاسلامية وتوسعتها في افريقيا لربطهم بالثقافة الاسلامية ونشر الكتب المناسبة بينهم لتعريفهم بالفهم الاسلامي الصحيح.

16ـ لزوم الاهتمام وتقديم الخدمات الاجتماعية للاقليات المتضررة في افريقيا للنهوض بها اقتصادياً.

17ـ لزوم الاهتمام بالاتجاه الصوفي العرفاني وتقوية ركائزه ونزع الانحرافات عنه ليقوم بدوره كمرب كبير في تعميق العقيدة وصيانة الهوية الثقافية للمسلمين في افريقيا.

18ـ لزوم تنظيم حملة خاصة لتنظيم الحج من افريقيا بالتثقيف والتوجيه الصحيح ولتكون هذه البعثات واسطة حية لايجاد العلاقة الثقافية بين افريقيا والعالم الاسلامي.

19ـ الاقتراح الأخير هو لزوم الطلب من الدول الاسلامية لتستفيد من علاقتها السياسية والاقتصادية لدعم هذه الأقليات والحصول على حقوقها.

وفي الختام نود ان ننبه الى الأمر التالي وهو ان دوائر المعارف الغربية تحاول ان تقلل من عدد المسلمين مهما استطاعت فيجب ان تقدم الصورة الحقيقية لعددهم في كل مكان وخصوصاً في افريقيا ومن باب المثال نجد ان موسوعة (بريتانيكا) في الاعوام 68 ـ 72 تذكر ان المسلمين في تناقص وان نسبة المسيحيين في ارتفاع مع ان ذلك يخالف ما نعرفه في الواقع القائم. وقدرت موسوعة (نيويورك تايمز) ان عدد المسلمين عام 1970 هو 493 مليون فرداً وهذا العدد تكذبه كل الظواهر وقد ذكرت رابطة العالم الاسلامي ان عددهم عام 73 حوالي 740 مليون ونحن نتصور ان العدد اكبر من ذلك كما يبدو فيجب ان نحصل على الاحصاءات في المناطق لأن الاحصاء يساعدنا على تقييم الحالة في افضل وجه.

وفي الختام يجب أن لا ننسى أن مؤتمر (كولارادو) الذي عقد عام 1987 لدراسة تبليغ المسيحية وضع خطة واسعة للهجوم على العالم الإسلامي وهي خطة يتم تنفيذها بإحكام.

وقد تنبأت مجلة التايمز اللندنية عام 1980 إن نهاية القرن العشرين سوف تشهد كون شخصين مسيحيين من كل 3 أنفار بعد أن كانت شخصين مسلمين من كل 3 أنفار في أفريقيا.

ومن البديهي ان مشكلات المسلمين في العالم في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية متنوعة ومن هذه المشكلات التأثير الواسع للعولمة وكذلك ما يسمى بحملة مكافحة الارهاب اليوم والتي تتناول الجوانب الثقافية والتعليمية والتمويلية الاسلامية. كل هذه الامور تدعونا الى اعادة النظر في حساباتنا وأساليب عملنا.

إن حل مشكلات المسلمين لا يتم إلا بالعمل المشترك والجامع وهذا الأمر يتطلب تناسق الجهود وانسجام الخطى واستراتيجية واسعة وتأسيس المؤسسات النشطة والمتعاونة فيما بينها لمقابلة هذا الهجوم الثقافي على عالمنا الاسلامي. والحقيقة اننا نستطيع ان نستفيد من اساليب الآخرين وحتى من تجارب المبلغين المسيحيين لتطوير اساليبنا في خدمة قضيتنا الاسلامية.

([1]) دراسات افريقية رقم 10 كانون الثاني 1999، البروفيسور عون الشريف قاسم.

([2]) الأقليات الاسلامية في العالم اليوم للمرحوم د. علي الكتاني ـ الترجمة الفارسية ص203.

([3]) دراسات افريقية، مصدر سابق.

([4]) يراجع ما قاله د. خالد وكيل في مؤتمر أكرا للاقليات بتاريخ 20/1/2003.

([5]) دراسات افريقية، مصدر سابق.

([6]) ووفقاً لبعض الدراسات: فإن الدخل الافريقي كله لا يعادل دخل هولندا التي تقل عن عشر نفوس القارة.

([7]) www. undp. Org

([8]) تؤكد معلمة العالم الاسلامي الصادرة بطهران على إننا لا نملك عن التاريخ في افريقيا جنوب الصحراء مصادر كثيرة ويمكن الرجوع للكتابات التاريخية المتعارفة للمؤلفين المشهورين وان اقدم كتب المؤرخين في المنطقة يعود الى أواخر القرن العاشر في (برونا) حيث قام الامام الكبير احمد بن فورطوا بشرح السنين الاولى من حكومة السلطان (ادريس آلوما) طبع وترجمة (د. لانكه) في سنة 1987م ويقول المؤلف ان كتابه مأخوذ من كتاب اقدم يتعلق بالسنة العاشرة وكذلك قدم تقريراً عن حملة هذا السلطان ضد امبراطورية (كانم) وهذه التقارير رغم انها تميل الى جوانب معينة تمتلك قيمة خاصة لأن المؤلف قد شاهد الحوادث في تلك الدورة وفي منتصف القرن 13 يوجد هناك اثران تاريخيان مهمان في منطقة النيجر المركزية احدهما تاريخ السودان لمؤلفه عبدالرحمن السعدي وتاريخ الغتاش في اخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس لمؤلفه (محمود الكعتي ابن المختار) هذان المؤلفان حول تاريخ امبراطورية (سنكاي) من اواسط القرن 9 الى انتصار السعديين في سنة 1000 ويوجد ايضاً تاريخ (باشالق تنبكتو) لمسألة انتصار السعديين الى حدود 1150م ومؤلفه مجهول واسمه (تذكرة النسيان في اخبار ملوك السودان) وهناك مؤلف لمولاي قاسم بن مولاي سليمان يشتمل على حوادث سنة 1160 ـ 1215 ومن المؤلفات ما جاء حول جهاد ناصر الدين البدادي في القرن 11 وآخر مؤلف حول الانساب وهو من الموضوعات الرائجة في موريتانيا وهناك مؤلف اسمه الشيخ موسى كمره المتوفى سنة 1945 الف كتاب المعلمة المفضلة عن الشعوب في الوادي في غير السنغال بعنوان زهور البساتين في تاريخ السوادين وترجم قسم منه الى الفرنسية وطبع.

وفي القرن 19 و20 نشطت حركة التأليف حول جهاد الشيخ (عثمان بن محمد فوديو) وحكومته الاسلامية ومنها كتاب انفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور وقام عبدالله اخو الشيخ عثمان بانشاد مرثيات واشعار كثيرة في تكريم هذه الانتصارات الجهادية وبعد ذلك ضمنها كتاباً يشبه سيرة ابن هشام في عام 1228 هـ باسم (تزيين الورقات) ومن الكتابات القديمة (روضة الافكار) لمؤلفه عبدالقادر مصطفى الذي هو تاريخ (لكوبير) في ق 12م  وهناك مؤلف للجنيد بن محمد النجاري يعد من اجمع المؤلفات اسماه ضبط الملتقطات من الاخبار المتفرقة في المؤلفات، وهناك كتب حديثة مفيدة ككتاب (انتشار الاسلام في غرب افريقيا) لمروين هيسكت.

والنوع الثاني من المؤلفات هي الكتب الرجالية وهي قليلة ككتاب نيل الابتهاج بتطريز الديباج تأليف أحمد بابا تنبكتي عن رجال الفقه المالكي وكتاب كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج وكذلك كتاب فتح الشكور لمعرفة اعيان علماء التكرور وكذلك عنوان منح الرب الغفور في ما أهمله صاحب الفتح الشكور.

والمجموعة الثالثة كتابات متفرقة تاريخية ربما يجهل مؤلفوها جاءت تشرح بعض الوقائع وسير الحوادث..

راجع الجزء السادس من هذه المعلمة ص 165 ـ 170.

هذا بالنسبة الى شرق أفريقيا أما عن غرب افريقيا فإن الجاحظ أقدم مؤلف عربي تحدث عن أهل بمبا وزنجبار وكذلك تحدث الادريسي والمسعودي وابن بطوطة، وهناك كتب اخرى من قبيل (السلوة في أخبار كلوة) وكتاب (الزنوج) و(تاريخ المزروعي) و(تاريخ زنجبار)، وتوجد مجموعة جيدة في مكتبة جامعة دار السلام ومؤسسة الدراسات الشرقية في لندن.