وحدة الأمّة الإسلامية في مواجهات التحديات

وحدة الأمّة الإسلامية في مواجهات التحديات

وحدة الأمّة الإسلامية
في مواجهات التحديات

  

الشيخ علي عزيز إبراهيم

  

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على خير خلقه سيدنا محمد وآله الطاهرين وعلى أصحابه المنتجبين إلى قيام الساعة والدين، وبعد: فقد قال الله تبارك وتعالى في الترغيب، والاجتماع والألفة: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" (آل عمران)، الآية: 103. وقال: "إن الذين فرَّقوا دينُهم وكانوا شِيَعاً لست منهم في شيء إنما أمرُهُم إلى الله ثم ينبئُهم بما كانوا يفعلون" (الأنعام)، الآية: 159، وقال: "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات)، الآية: 13. ومن السنّة المطهرة قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وسلم: " ذِمّةُ المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبل منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدل" وفي البخاري قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): "من شهد أن لا إله إلاّ الله واستقبل قبلتنا، وصلَّى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم" وفي البخاري يسنده إلى أبي هريرة قال: كان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بارزاً يوماً للناس فأتاه رجل: فقال: ما الإيمان؟ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلم): "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وتؤمن بالبعث قال: ما الإسلام؟ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلم): الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتؤدي الخُمسَ، وآخره ثم أدبر السائلُ فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلم): رُدّوه فلم يروا شيئاً فقال: هذا جبرائيل، جاء يعلّمُ الناس دينهم".
وإن من أعظم المشكلات التي تركت آثارها المشؤومة على المجتمع الإسلامي، وعلى مناعة الأمة المسلمة تجاه أعدائها، وعلى قدرتها وكفائتها في تحقيق التقدم هي مشكلة الاختلاف المذهبي الذي لم يقتصر على حدود الطبيعة بل تعداها ليعود تعصباً ثم ليتحول إلى عداء وقطيعة ثم إلى تكفير. ونبذ وإخراج عن دائرة الإسلام، واستحلال لما حرَّمه الله على المسلم من أخيه المسلم بل لمّا حرّمه على المسلم بالنسبة إلى المسالمين من غير المسلمين. بيد أن عقلاء المسلمين من الفريقين يعلمون بإنَّ الاختلاف في فهم النصوص، والاختلاف في الاجتهاد أمر طبيعي تقتضيه طبيعة تفاوت العلماء في الأفهام، والأذواق، واختلاف الوسائل، وأدوات البحث، واختلاف أوضاع الناس، وما إلى ذلك من أسباب الخلاف والاختلاف. إنَّ هجمة تحالف الشرّ التفريقية على أمة الإسلام تتطور مع تطور المجتمعات وإن هنالك مموّلاً ينفق على مثل هذه الفضائيات، ويُغدق على زنادقتها الأموال. إنه من أوجب الواجبات على مشائخ هذه الفضائيات المحسوبة على فريق من المسلمين أن يتقوا الله في البلاد والعباد، ولا سيما أن العدو الصهيوني الكافر يتربص بالإسلام والمسلمين الشرّ المطلق، وأن يعالجوا الانشقاقات والتشرذم، وشيوع أمواج الأفكار والعقائد، والزندقة، والإلحاد التي تغزو إسلامنا الأصيل وأبناءنا ونساءنا، ومجتمعاتنا، والأنكى من ذلك كله، وما لا يعرفه الكثير من المسلمين أنّ هذه الفضائيات العنصرية التكفيرية البغيضة لم ينفق عليها المال غيرةً على أهل السنّة والجماعة، وإنما هو في سبيل بث الكراهية، وتسعير البغضاء بين السنّة والشيعة، وإشغالهم عمّا يحضّر ضدهم من قبل القوى العالمية المستكبرة، والعدو الصهيوني المجرم الذي يفتك بالمسلمين وأطفالهم ويعبث فساداً في جسم الأمة وينهب اقتصادها ومقدَّراتها في فلسطين الجوعة، ويُهلِكُ الحرثَ والنسلَ وأخشى الله أن أقول بأنَّ معظم حكام العربَ والمسلمين متواطئون مع العدو الهمجي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية حفاظاً على مصالحهم، وعروشهم، وإن كانت رياح التغيير والثورة والغضب بدأت تهب في تونس، والجزائر ومصر، والأردن. وإننا لنهيب بالجميع أن يتعففوا عن الشتائم، والتنابذ بالألقاب، فالسباب لا يصل إلى الميت، ولكنه يؤذي الكائن الحيّ، ولا يتم ذلك إلاّ بتجميل الخطاب العقدي، وتهذيبه وتعديله من كراهية إلى مودَّة، ومن غلظة إلى تسامح، ومن ازدراء إلى تقدير واحترام ومن تفرقة إلى اجتماع في الصلوات، والصوم، والزكاة، وليختلط بعضهم ببعض في الحج والعمرة، وهلال العيدين، وهذا بعينه ما أفتى الإمام الراحل السيّد الخميني قدسره به المسلمين الحجيج الإيراني. وما من سبيل لنهضة، وعلو منزلتهم، وعودة مجدهم الأثيل إلا في وحدتهم وتمسكهم بكتاب الله العظيم نصاً وروحاً، وبالهدي النبوي الشريف، والتقريب بين المسلمين شيعة وسنّة، واتحاد المسلمين جميعاً عرباً وعجماً، بيضاً وسوداً، ونبذ الفرقة والاختلاف، والسباب، والقذف، والتنابذ بالألقاب، واستعلاء البعض بحجة وأخرى.
وإن سياسة التمييز العنصري البغيض، والطائفي تؤجج الصراع بين أتباع المذاهب، وإن الشعور بالفوقية، والتعالي هو أمر من الخطورة بمكان، وهو يدفع بالبعض إلى الاستئثار والتخمة، وهذا يخلق فئاتٍ مميزة مترفةً، وأخرى فقيرة ومهمّشة، وهذا كله مدعاة إلى الحقد، والحرمان، والغبن والكيد؛ والانتقام، ومن هنا يجب على العقلاء في الفريقين الشيعي والسني الجهادُ والكفاحُ، والرفضُ لسياسة التمييز الطائفي والمذهبي ضد الفريق الآخر الذي يشغل على الأقل خمس مساحة المسلمين على البسيطة. وسوف نحاول وبإيجاز بمشيئة الله الحديث عن هذه المواضيع الشائكة والقلقة.

عدالة الصحابة جميعاً مشكلة تقلق المسلمين
إن مسألة عدالة الصحابة جميعاً هي من أكثر المشاكل تعقيداً عند المسلمين مثلها مثل جميع مشكلات التنوع المذهبي، وأحقية الخلافة، وحقيقة التوحيد، وفي صفات الله سبحانه، وفي عصمة الأنبياء، والأئمة من أهل البيت، صلوات الله عليهم أجمعين، وفي فكرة المعاد الجسماني والروحاني وفي مسائل القضاء والقدر، والجبر والتفويض، ولكن الأعظم والأخطر في هذا الاتجاه هو التعصبُ والتكفير البغيض الذي لا يطيق ولا يريد سماع الرأي الآخر، مما يؤدي إلى المشاحنة والبغضاء، والعنف. إن لم نقل، إلى التقاتل لا سمح الله، وهو يحصل في العراق من أسف. إن من أعظم أمراض أمتنا ومصائبها هو التفرقة، وتشتت شملها، وقد أدى ذلك، وكان من أهم عوامل وأسباب النكسات، والهزائم المتتالية من نكبة فلسطين إلى حروب الأفغان، ومجازر البلقان، وغزو العراق، ويجب على المسلمين أن يتنبهوا لخطط الأعداء وأهدافهم، وأن نفوّت على الأعداء مخطّطاتهم الدنيئة لهدم وحدة المسلمين.
يقول ابن حجر الهيثمي في كتابه: "الصواعق المحرقة" في بيان اعتقاد أهل السنّة والجماعة في الصحابة: "إعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنَّه يجب على كل مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم، والثناء عليهم" انتهى
وذهبت الإمامية الاثنا عشرية إلى أن الصحابة قوم من الناس، لهم ما لغيرهم من البشر، وعليهم ما عليهم، من أساء منهم أدنّاه، وذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه، والمهاجرون الأولون الذين لم يحثوا بعد وفاته لهم مقام عظيم وجليل، وليس للصحابة على غيرهم كبير فضل إلاَّ بمشاهدة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وبلائهم العظيم في سبيل الدين، ولكن ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم، لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات، وجاء في هذا الشأن كلمة الفصل عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال في نهج البلاغة "ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يرى أن الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غداً عند الله" ويرى بعض العلماء أن مسألة عدالة الصحابة جميعاً أمر من الخطورة بمكان، وفي ذلك تعطيل لإعمال العقل الذي أمرنا الله سبحانه بإتباعه، بل القول بذلك يهدم نظرية الثواب والعقاب الذي وعدنا الله به في محكم كتابه الكريم حيث يقول: فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره" الزلزلة، الآية: 7. وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قوله: "إنكم تحشرون حفاةً عراةً وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي؛ أصحابي! فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح: "وكنت عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم" (المائدة)، الآية: 117.
وجاء في صحيح مسلم: "ليردنّ عليّ ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا من دوني، فأقول أصحابي! فيقول: لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك" ويقول العلاَّمة المرحوم الشيخ محمود أبو ريّة في كتابه: "أضواء على السنّة المحمدية" ص339، طبعة بيروت، "لقد غلا فيها قوم حتى قضوا بعد التهم جميعاً حتى من انغمس في الفتنة أو نزل الكتاب بنفاقة، بحيث لا يجوز أن يوجه إلى واحد منهم نقد أو نقابل روايته بشك، ومن فعل ذلك فقد فسق، وهذا لعمرك إسراف في الفقه، وإفراط في التقدير، ثم هو غير ذلك يتعارض مع ما جاء في الكتاب والسنّة في الأدلة القويّة، ولا يتفق والطبائع البشرية. إن القول بعدالة الصحابة جميعاً، وتقديس كتب الحديث يرجع إليهما كل ما أصاب الإسلام من طعنات أعدائه، وضيق صدور ذوي الفكر من أوليائه، وأول الضرر من هذا القول: ذلك الخلاف الشديد الذي ضرب في مفاصل الأمّة وأعرق بين المسلمين من لدن عهد عثمان إلى اليوم فمزَّق صفوف المسلمين، وجعلهم فرقاً متباينة، ونحلاً متشاكسة، ومذاهب مختلفة إنْ في العقائد، أو في العبادات، أو في المعاملات، وعلى كثرة الأساة الذين عملوا على جمع شمل المسلمين في مئات السنين – لكي يعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا يتفرقوا، فإنَّ سوس الخلاف لا ولن يزال ينخر في عظم هذه الأمة. وثانيهما: الثقة العمياء بكتب الحديث التي تجمع بين الغث والسمين مما يسبب كل يوم في طعنات دامية توجه إلى الإسلام بسبب ما يوجد في كتب الحديث من روايات تحمل الخرافات، والجهالات، وغير ذلك مما لا يقبله عقل صريح، ولا يؤيده علم صحيح حتى أطلقوا عليه اسم – دين الخرافات والأوهام – وأنه لا يصلح لعصور العلم والعمران ولا خلاف بأن الذين رووا هذه الأحاديث المشكلة إنما هم من الصحابة، ثم تلقاها الرُواة ودوَّنها رجال الحديث في كتبهم. واستطرد قائلاً: ونحن نعلم أن بعض الصحابة نقد بعضهم بعضاً، بل لعن بعضهم بعضاً، وهذا طلحة والزبير وعائشة، ومن كان معهم لم يروا أن يمسكوا عن قتال سيدنا أمير المؤمنين علي"عليه السلام"، وهذا معاوية وعمرو بن العاص بغاة أهل الشام لم يقصروا دون ضربة وأصحابه بالسيف، وقد روي عن الخليفة الثاني عمر (رضي الله عنه) أنه طعن في رواية أبي هريرة، وشتم خالد بن الوليد وحكم بفسقة بعد أن قتل الصحابي مالك بن نويرة (رحمه الله) ودخل بزوجته ليلة مقتله، وخوَّن عمرو بن العاص، ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفيء، واقتطاعه، وكان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك، ويقولون في العصاة منهم هذا القول، وإنما اتخذهم العامة أرباباً بعد ذلك" إنتهى. وقد أخرج العلاَّمة المرحوم الشريف محمد بن عقيل (رحمه الله) في كتابه القيم "النصائح الكافية لمن يتولى معاوية": "أن الإمام الشافعي – رحمه الله – أسرّ إلى الربيع أنه لا يحتج في دين الله بواحد من هؤلاء الأربعة، معاوية وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، وأنه لا يفضل على عليّ – عليه السلام – أحداً". إنتهى. وهنا مسألة أخرى متفرعة وهي أنَّ الخلاف وقع في التفضيل بين الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي هذه الأمة، وقالت الإمامية الجعفرية، والمعتزلة، والزيدية أنّ أفضل الخلق من الصحابة هو علي بن أبي طالب – عليه السلام – وقالت أهل السنّة والجماعة أنّ الخلفاء الراشدين يتفاضلون بأسبقيتهم للخلافة، وأن جميع الصحابة عدول. وذهب أبو عمرو بن عبد البرّ أنَّه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة واحتج بقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): "طوبى لمن رآني وآمن بي مرَّة وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات".
وروى الخليفة عمر – رضي الله عنه – خبراً عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلم) جاء فيه: "أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيماناً" وقوله: "مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى آخرُهُ خيرٌ أم أوله" وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): "ليدركنَّ المسيحُ أقواماً إنهم لمثلُكم وخيرٌ ثلاثاً ولن يخزى الله أمة إنا أوَّلها والمسيح آخرها" واحتج بما روى أن عمر بن عبد العزيز لمَّا ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله ابن عمر أن أكتب لي سيرة عمر بن الخطار لأعمل بها فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر لأنّ زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر، وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم. قال أبو عمرو: فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة، وآخرها في فضل العمل إلاّ أهل بدر الحديبة قال: وخبر "خير الناس قرني ليس على عمومه، لأنه جمع المنافقين، وأهل الكبائر الذين قام عليهم وعلى بعضهم الحدود" إنتهى من الصواعق المحرقة، ص212، طبعة مصر مكتبة القاهرة. ونقل ابن حجر في ص211، في الكتاب عينه أنّ جماعة من الأصوليين منهم، المازري، وإليه يميل السعد التفتازاتي، اختصاص الحكم بالعدالة بمن لازمه (صلَّى الله عليه وآله وسلم) ونصره دون من اجتمع به يوماً أو لغرض غير موافق عليه.

الإلغاء شرط التقريب والوحدة بدعة وافتراء
يعمل فريق من المسلمين المتعصبين على طرح الإلغاء كشرط لجمع الكلمة، وتوحيد الصفوف وهذا هو التعجيز بعينه ولعمري فهي كلمة حق يراد بها باطل، ولا يمكن أن يكون المسلمون جميعاً من السنّة، ويستحيل بالمقابل أن يكون المسلمون جميعاً شيعة، وذلك آفة الآفات، فالطريق مسدود، واللبّ مفقود، ولا يتحقق ذلك سوى بحروب الإبادة الجماعية، وهذا جرى حينما أفتى حامد بن نوح الدمشقي بتكفير الشيعي وأحلّ دمه وماله، ونحن نعلم أن صاحب الحق اليقين ورسول ربّ العالمين محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) لم يأمر قط بإبادة أهل الكتاب من يهود ونصارى، فقد استجاب عدد منهم لدعوة الإسلام، والبعض الآخر بقي متمسكاً بدينه حتى يومنا هذا، علماً بأنَّ الديناتين متباينتان في إخلاص كلمة التوحيد، والشرع، والفرائض، بيد أن المسلمين شيعة وسنة متفقون على إله واحد، ونبيّ واحد، وقرآن واحد، وكعبة واحدة والجميع يقول بأركان الإسلام، من الشهادتين، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة والجهاد.
ولم تكن الدعوة إلى الوسطية والتقريب والتوحيد يوماً تعني أن يتحوّل أتباع مذهب إلى مذهب آخر، وليس المطلوب من أحد الفريقين أن يتنازل عن معتقداته، وتشريعاته ومبادئه فإنه "لا إكراه في الدين" (البقرة)، الآية: 256. وإنما المطلوب شرعاً وديناً أن يتمسك كل فريق بدينه ومذهبه ومنهجه، بصدق جنان وسعة صدر، ومحبة وتسامح، وصدق في الأقوال والأفعال، فلسنا في هذا الكون وجدنا للتبشير والدعاية، والإعلام لمذهب معين. بل الدعوة عند الجميع يجب أن تكون للدين الواحد، ولكلمة الإخلاص، وكلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، وما لم نؤمن جميعاً بحسن النوايا في مفهوم المساواة في المواطنة التي تعني أن يتساوى الناس جميعاً في الحقوق والواجبات في ظلال النظام السياسي الواحد دون تمييز عرقي أو مذهبي وهذا معاش اليوم في بعض بلاد المسلمين بسبب فرضية الأقلية والأكثرية – وما لم نؤمن جميعاً بشرعة حقوق الإنسان، من خلال رؤية دينية إسلامية، ويجب على فقهاء المسلمين، من مرجعيات دينية عليا، ودور فتوى، ومجالس القضاء الشرعي، أن يبذلوا جهوداً ونضالاً في سبيل ذلك، وبحسب احتياجات البلاد، والعباد، والمناطق، فيرضى  الله عنهم ورسوله، وما لم نؤمن بالتعددية الفكرية والدينية والمذهبية، ونعترف أو دوحة الإسلام تتسع لمزيد من المشارب، والمناهل، والرأي الآخر، وأنّ الحقيقة كل الحقيقة قد تكون مع الكل، وليست حكراً على فريق واحد. أقول ما لم نؤمن بهذه الثوابت فلن تقوم للمسلمين قائمة، وهم سيكونون عرضة وفريسةَ سهلة للعدو المتربص شرّاً، للإسلام والمسلمين، ولا فرق عنده بين جماعة وأخرى، ونحلة وأخرى، ومذهب ومذهب ولنقلها بصراحة يجب تجريم كل الطغاة والعتاة من علماء السوء، ومشائخ الفضائيات الذين يحرضون على الكراهية، والشحناء، والبغضاء، ويدسون السم في العسل، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، باعتبار أن هذه العصبيات تثير في نفوس المسلمين الأحقاد وربما تزرع في قلوب بعض المرضى حبّ الاعتداء، والتكفير، والتصفية، حتى تخلو الساحة للفريق الواحد، وللرأي الواحد، فليتق الله الجميع في هذا الدين وأتباعه فإن الآخرة حق ويوم الدينونة قادم وما توفيقي إلاّ بالله.

تحريف القرآن هو الحالقة
والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس بالأمس واليوم لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواتراً قطيعاً إلى عهد الوحي، والنبوّة، وكان مجموعاً في ذلك العهد الأقدس مؤلفاً على ما هو عليه الآن، وكان جبرائيل عليه السلام يعارض رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن في كل عام مرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين: "والمنصفون من علماء السنّة يعلمون أن شأن القرآن العزيز عند الإمامية ليس إلاّ ما ذكرناه وهم يصرحون بذلك، قال الإمام الهمام البحاث المتتبع رحمة الله الهندي رضي الله عنه في ص890، من النصف الثاني من كتابه النفيس، "إظهار الحق" ما هذا لفظه: "القرآن الكريم عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه فقوله مردود غير مقبول عندهم. قال: قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن باويه الذي هو من أعظم علماء الإمامية الاثني عشرية في رسالته الاعتقادية: "اعتقادنا في القرآن أنّ القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيّه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الله مائةٌ وأربع عشر سورة، ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب" ابن بابويه القمي، الاعتقادات في: إحسان إلهي ظهير، الشيعة والقرآن، ص62.
قال الإمام الهندي: وفي تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ذكر السيد الأجل المرتضى علم الدين ذو المجد أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي: "أنَّ القرآن كان على عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) مجموعاً مؤلفاً على ما هو الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عني جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، ويتلى عليه، وأن جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) عدة ختمات، وكل ذلك يدل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث" إنتهى، الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، 1/29، دار مكتبة الحياة، بيروت.
قال الإمام الهندي: وقال القاضي نور الله التستري الذي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمّى "مصائب النواصب": "ما نسب إلى الشيعة الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم" إنتهى. وقال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي: "أمّا الكلام في زيادة القرآن، ونقصانه فممّا لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانه، وأمّا النقصان فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الظاهر في الرواية" إنتهى.
"محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 1 – 2 – 3 تحقيق أحمد القصير، دار إحياء التراث العربي" وقال الإمام الهندي: "فظهر أن المذهب المحق عند علماء الفرقة الإمامية الاثني عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، وأنه كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة، وجماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات، ويظهر القرآن ويُشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر رضي الله عنه. قال: "والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد به فيما بينهم" قال وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته، وهو حق لأن خبر الواحد إذا اقتضى علماً، ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب ردّه على ما صرّح به ابن المطهر الحلي في كتابه المسمّى: "مبادئ الوصول إلى علم الأصول.. وقد قال الله تعالى: "إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون، ففي تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة "أي إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة، والنقصان" إنتهى، عبد الحسين شرف الدين، الفصول المهمة في تأليف الأمّة، دار الإمام زين العابدين، بيروت، لبنان، ص176، 177.
وقد وقفت على كلام نفيس وثمين ونادر لزعيم الحوزة العلمية الإمام الراحل الأستاذ أبو القاسم الخوئي حول تحريف القرآن واستحالة الزيادة والنقصان عقلاً ونقلاً وشرعاً فيه أنقله بتمامه لأهميته وهو رأي الشيعة الإمامية دون لبس ولا وجل، ولا غموض قال طيب الله ثراه: "إن القائل بالتحريف إما أن يدعي وقوعه من الشيخين بعد وفاة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وإما من عثمان بعد إنتهاء الأمر إليه، وإمّا من شخص آخر بعد انتهاء الدور الأول من الخلافة، وجميع هذه الدعاوى باطلة، أما دعوى وقوع التحريف من أبي بكر وعمر فيبطلهما أنَّهما في هذا التحريف إما أن يكونا غير عامدين، وإنما صدر عنهما من جهة عدم وصول القرآن إليهما بتمامه لأنه لم يكن مجموعاً قبل ذلك، وإما أن يكونا متعمدين في هذا التحريف الذي وقع منهما في آيات تمسّ بزعامتهما، وإمّا أن يكونا في آيات ليس لها تعلق بذلك، فالاحتمالات ثلاثة: أمّا احتمال عدم وصول القرآن إليهما بتمامه، وهو ساقط قطعاً، وقد اهتموا بحفظ أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف لا يهتمون بأمر الكتاب العزيز الذي عرّضوا أنفسهم للقتل في دعوته. وأما احتمال تحريف القرآن من الشيخين عمداً في الآيات التي لا تمسُّ زعامتها، وزعامة أصحابهما فهو بعيد في نفسه، إذ لا غرض لهما في ذلك على أن ذلك مقطوع بعدمه.
وأما احتمال وقوع التحريف من عثمان فهو أبعد من الدعوى الأولى: دعوى وقوع التحريف بعد الخلاف، فلم يدَّعِها أحد فيما نعلم، ثمّ يستطرد الإمام الخوئي قائلاً ونعمّاً ما قال: إن التمسك بالعترة إنما يكون بموالاتهم واتباع أوامرهم ونواهيهم والسير على هداهم، وهذا شيء لا يتوقف على الاتصال بالإمام والمخاطبة معه شفاها، فإن الوصول إلى الإمام والمخاطبة معه لا يتيسر لجميع المكلفين في زمان الحضور فضلاً عن أزمنة الغيبة، واشتراط إمكان الوصول إلى الإمام لبعض الناس دعوى بلا برهان، ولا سبب يوجب ذلك، فالشيعة في أيام الغيبة متمسكون بإمامهم يوالونه ويتبعون أوامره... أما التمسك بالقرآن فهو أمر لا يمكن إلاّ بالوصول إليه "القرآن" فلا بدّ من كونه موجوداً بين الأمة ليمكنها أن تتمسك به لئلا تقع في الضلال، وهذا البيان يرشدنا إلى فساد المناقشة بأن القرآن محفوظ وموجود عند الإمام الغائب" إنتهى، أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن، صيانة القرآن من التحريف، مؤسسة الأعلمي، بيروت – لبنان 134هـ - 1994م، ص200.
وبالمقابل فهناك إشاعات تقول بنقيصة سور من القرآن عند فريق من أهل السنة، وهي مبثوثة في صحاح أهل السنّة، وهي تذهب إلى وجود نقص في القرآن الكريم أو زيادة فيه ونضرب لك مثلاً بما قاله الخليفة الثاني عمر – رضي الله عنه على المنبر: "إن الله بعث محمداً (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن" إنتهى؛ صحيح البخاري، كتاب الحدود، 4/120، وبما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: "إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب" إنتهى، انظر: " مرتضى العسكري، معالم المدرستين، 2/32 – 33 – وقد أجاب الدكتور أحمد زقاقي عن هذه الاشكالية قائلاً: "وغير خاف على من له أدنى اطلاع على أقوال أهل السنة في الموضوع يدرك أن الأمثلة المذكورة في إيرادات الشيعة تدخل في باب النسخ، فقد قسم علماء أهل النسخ الوارد في القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام: انظر الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 2/35.
1 – ما نسخ تلاوته وحكمه.
2 – ما نسخ حكمه دون تلاوته.
3 – ما نسخ تلاوته دون حكمه.
فيدخلون في القسم الأول السورة التي ذكر أبو موسى الأشعري أنها أنزلت مثل براءة في الطول، وفي القسم الثاني مثل قوله تعالى: "واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم" النساء، الآية: 15، وفي القسم الثالث مثل آية الرجم التي ذكرها عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ، ولم يقل أحد من أهل السنة أن هذا تحريف لا بالزيادة، ولا بالنقصان، وكانت خصوصية جمع عثمان – رضي الله عنه – للقرآن هي البناء على العلم بناسخ القرآن ومنسوخة" إنتهى، أحمد زقاقي، الأساس التشريعي للوحدة بين الشيعة وأهل السنّة، القرآن جدل السلامة من التحريف، جداراً للكتاب العالمي، عمَّان – الأردن، ص118.
واضرب بطرفك الأرض شرقاً وغرباً فلن تجد بين أيدي المسلمين – شيعة وسنّة – إلاّ مصحفاً واحداً يشهد بحفظ الله تعالى له من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين وأختم في هذا المجال متبركاً بكلام عظيم، لعظيم هذه الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مبيّناً عظمة منزلة القرآن قال: "واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان، الزيادة في هدى أو نقصان عمى، واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقه، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والعيّ والضلال، فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، واعلموا أنه شافع مشفع وقائل مصدّق" نهج البلاغة 21/91 – 92.

هل من خارطة للتقريب
ندعو كل المخلصين من علماء المسلمين ومفكريهم، ومن هم في موقع القرار إلى العمل الجدي والصادق للبحث في المقترحات التالية:
1 – الالتفاف حول أصول الإسلام، وتفعيل الأمور المتفق عليها وهي بحمد الله تعدّ مئات المفردات أمثال: الوحدة، الشهادتان – وسائل وتحديد معالم فريضة الحج، الاختلاط في صلوات الجمعة والجماعة – توحيد هلال شهر رضمان إن أمكن تحفيظ القرآن الكريم، وقواعد التجويد، وتعليم ما هو متفق عليه من تفاسيره، وهو كثير بحمد الله، إصدار مجامع للحديث النبوي الشريف ممّا أجمع عليه الفريقان في صحيح واحد، إنشاء مصرف إسلامي بتمويل ومساهمة من الفريقين، تأسيس جمعيات ثقافية ورياضية وكشفية مشتركة، إقامة موائد إفطار مشتركة، توحيد الأعياد الدينية، إنشاء معاهد مهنية مشتركة تكون إقامة العبادات فيها إلزامية على منهاج التقريب المنشود.
2 – العمل الجدي على فتح أبواب الحوار بين المجامع الدينية الكبرى في العالم الإسلامي لا سيما بين مشيخة الأزهر الشريف في مصر، والحوزة العلمية في النجف الأشرف، والحوزة العلمية في قم المقدَّسة، والجامعات الإسلامية من دعاة الاعتدال في بلاد الجزيرة ومكّة المكرَّمة، والمدينة المنوّرة، والمعاهد الشرعية في سوريا ولبنان، وغيرها من البلدان.
3 – إنَّ على المخلصين من علماء المسلمين العمل على خلق، وبناء مؤسسات يكون همّها إحياء الدور التاريخي لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي كان من أبرز قادتها إمام الأزهر الأسبق الراحل الشيخ محمود شلتوت طيب الله ثراه والإمام الراحل الشيخ محمد تقي القمي قدسره، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتفعيل دور تجمع علماء المسلمين في لبنان.
4 – إيجاد، وإنشاء محطة فضائية مشتركة تعمل على الصحوة، والنصح والإرشاد، ومواجهة مهاترات الفضائيات التي تؤجج التعصب المذهبي، وتبعث على الشحناء، والبغضاء، والأحقاد، مما أدى حتماً إلى مجازر دموية هائلة في العراق الجريح يندى لها جبين الإنسانية، من قبل المارقين والتكفيرين الجدد، ثم الدعوة إلى الوحدة، والاعتدال والوسطية، والتسامح، والمحبّة، ونبذ الغلوّ في المعاندة، والمكابرة، والمناكفات التي تفضي إلى التطاحن المذهبي البغيض.
وإننا لنحذّر، فالعدو حولنا يتربص بنا ويكيد لنا، والأمم بلغت الذُرى – من التحامل والتنديد. والله سبحانه أوعد المشنّعين بأشدّ العذاب "إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب آليم" النور، الآية: 19.
وإلى دعاة الحق نقول إنه ما من خطة للإصلاح أجدى من الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة: "أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عنه سبيله، وهو أعلم المهتدين" النور، الآية: 125. وإلى السادرين في الاختلاق والتشهير نتوجه بقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً، الأحزاب، الآية: 69 – وما من سبيل إلى اللقاء أجدى من النشر، والاطلاع، والتمحيص، فتزول افتراءات المغترين وذرائع المغرضين. وأخيراً فإننا نرفض أن يتحكم هذا القطب أو ذاك بمصير العالم لأننا لا نريد أن تتجزأ كلمة الله سبحانه أو تنقسم إلى ناطقات متصارعة بسبب استقطاب الفئات الدينية العديدة لها، ولكي يستفيد المجتمع من طاقات أبنائه جميعاً في شتى الحقول، والاختصاصات يتوجب ألا يكون هناك هيمنة وطغيان وفوقية واستعلاء من فئة مذهبية أو دينية على أخرى – كما يجري الآن في بعض قصبات لبنان – إلاّ بمقدار ما يقدمه أتباعها المخلصون من عطاء وإبداع وفداء لهذا الوطن والحمد لله رب العالمين.

 

المصادر
-  القرآن الكريم
-  نهج البلاغة
-  صحيح البخاري محمد بن إسماعيل – المكتبة الثقافية، بيروت – لبنان لات
-  صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت – لبنان 1407هـ - 1987م
-  الصواعق المحرقة، شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي (ت973)، دار الطباعة المحمدية، مصر 1375هـ
-  أضواء على السنّة المحمدية، ص339، طبعة بيروت، دار التأليف، مصر، ط1، 1377هـ
-  النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، محمد بن عقيل، مؤسسة الفجر، بيروت – لبنان 1412هـ - 1992م
-  المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري (ت405)، حيدر آباد، مطبعة دائرة المعارف النظامية، 1343هـ
-  الاعتقادات، ابن بابوية القمي، الشيعة والقرآن، إحسان إلهي ظهير، ص62
-  مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي، 1/29، دار مكتبة الحياة – بيروت
-  التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي، 1 – 2 – 3 تحقيق أحمد القصير، دار إحياء التراث العربي
-  الفصول المهمة في تأليف الأمة عبد الحسين شرف الدين-، دار الإمام زين العابدين، لا: ت، ص:176، 177، بيروت – لبنان
-  البيان في تفسير القرآن، أبو القاسم الخوئي، صيانة القرآن من التحريف، ص200، مؤسسة الأعلمي، بيروت – لبنان 1374هـ - 1994م
الأساس التشريعي للوحدة بين الشيعة وأهل السنّة، ص118، جدل السلامة من تحريف القرآن، جدارا للكتاب العالمي، عمّان – الأردن، 2008م