كلمة الاستاذ الخليفة مصطفى كامل

كلمة الاستاذ الخليفة مصطفى كامل

 

 

كلمة الاستاذ الخليفة مصطفى كامل

 

الأمين بن سعد كوماسي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الملك القدوس السلام المؤمن الذي ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

أحمده سبحانه وتعالى على ما أسبغ علينا من النعم والفضل والكرم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأميّ، نبي الرحمة والسلام، الذي بعثه اللّه فينا بالحنيفية الغراء (أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فهدى به الناس بعد الضلالة، وأرشد الأمة بعد الجهالة، وألّف بين المسلمين بعد التفرقة والعداوة، فصاروا به كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص، فشعوب المسلمين كلها أمة واحدة، هي خير أمة أخرجت للناس. وعلى آله الأخيار، وأصحابه الأطهار، وتابعيهم بـإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا سعادة رئيس الجلسة.

سعادة المفدى رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية، مولانا محمد الخاتمي نصره اللّه.

أصحاب المعالي: أعضاء السلك الدبلوماسي، والوزراء، والبرلمانيون، مشايخ الإسلام وأئمتها، الوافدين من كل ناحية في أقطار العالم الإسلامي، شرقاً وغرباً - شمالاً وجنوباً.

 السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

إنه فبمناسبة هذا المؤتمر الدولي الثاني عشر للوحدة الاسلامية، مصادفة وموافقة بذكرى ميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد بن عبد اللّه(صلى الله عليه وآله) يملأ قلبي فرحاً وسروراً، أن أقدم إليكم حول موضوع المؤتمر، في واجبات الأمة الاسلامية، في رحاب القرن الحادي والعشرين، تحت نقاط (5) السعي المشترك لعلماء المذاهب الخ هذا البحث تحت عنوان: الإسلام دين الشورى والديمقراطية.

راجياً من اللّه سبحانه وتعالى، أن يجعل فيه القبول والتوفيق، فأقول: «الإسلام دين الشورى والديمقراطية».

 مفهوم الشورى ومشروعيتها:

الشورى والمشاورة والمشورة في اللغة: أخذ الرأي وعرضه أو استخراج الرأي، بمراجعة بعض ذوي الفكر والعلم، وتداول الأمر أو استخراج الرأي، بمراجعة بعض ذوي الفكر والعلم، وتداول الأمر فيما بينهم. وهي في الإصطلاح الفني: إستطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه، للتوصل إلى أقرب الأمور للحق.

وأمّا مفهومها في نظام الحكم: فهو إستطلاع رأي الأمة، أو نوابها في الأمور العامة المتعلقة بها، وبعبارة موجزة: الشورى: هي المشاركة في إتخاذ القرار.

وهي من أهم قواعد الحكم الإسلاميّ، فهو نظام شورى يعتمد على تبادل الرأي والإستعانة بأهل الخبرة، وتبيّن وجه الحق والصواب في معالجة الأمور. والدليل على ذلك آيتان:

(وشاورهم في الأمر) ([1])، (وأمرهم شورى بينهم) ([2]).

الأولى: خطاب للنبي(صلى الله عليه وآله) وأمرٌ له بمشاورة أصحابه.

والثانية: بيان صفات المؤمنين في معالجة مختلف الأمور العامة والخاصة.

وورد في السنّة النبوية القولية والعملية أحاديث كثيرة متظافرة توجب المشاورة أو ترغب فيها وتبيّن فضيلتها منها: (واستعينوا على أموركم بالمشاورة). ذكره الماوردي في أدب الدنيا والدين. وجاء في معناه حديث أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) «استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا».

ومنها: «المستشار مؤتمن» رواه أبو داود والترمذيّ والنسائي.

وحسنه وابن ماجه عن أبي هريرة. ويقول أبو هريرة(رضي الله عنه). لم يكن أحد أكثر مشاورة من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) رواه الترمذي.

أيها الرئيس: إنه قد استشار النبي(صلى الله عليه وآله) أصحابه في وقائع كثيرة تطيباً لنفوسهم، ورفعاً لاقدارهم قائلاً «أشيروا عليّ أيّها الناس» للقتال، ونزوله على رأي الحباب بن المنذر في اختيار المكان الملائم لنزول الجيش، وهو أدنى مقام من ماء بدر، وكذلك بعد المعركة استشار أصحابه في شأن قبول فداء من أسرى بدر المشركين.

وهكذا قبيل معركة أُحد، إستشار النبي أصحابه في شأن الخروج من المدينة، وقبل رأي الكثرة من الشباب، التي أشارت بالخروج، وكان عاقبة ذلك الهزيمة المعروفة  بسبب مخالفة أوامر القائد النبي في تنظيم المعركة. واستشار أيضاً أصحابه في ردّ سبي هوازن، واستطابة أنفسهم بذلك دون تعويض من حقهم.

وفي يوم الأحزاب تمَّت المشاورة عملا برأي سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج على عدم مصالحة رؤساء غطفان لأخذ شطر ثمار المدينة، ونحو ذلك كثير في بقية الغزوات.

رئيس الجلسة:

كان مجال الشورى أوسع فيما بعد عهد النبي(صلى الله عليه وآله) حيث لا عصمة ولا نبوة ولا وحي للخلفاء، فكانت هناك تطبيقات عديدة في شؤون الحكم أولاً وأهمّها إختيار الخليفة أو الوالي مما يعرف بالبيعة أو المبايعة: وهي صورة خاصة لإختيار رئيس الدولة، تقابل في العصر الحديث، إنتخاب رئيس الجمهورية، فتمت مبايعة أبي بكر بعد مشاورات مكثفة بين فئات الصحابة من مهاجرين وأنصار، ثم بويع عمر بعد ترشيح أبي بكرله، وجعل عمر من بعده أمر النظر في ترشيح الخليفة لستة من كبار الصحابة وهم: عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، ثم أضاف إليهم إبنه عبد الله لتبادل الرأي، دون أن يكون له الحق في الخلافة، وترك للمسلمين في النهاية البتَّ في الأمر.

وكان لعمر بن عبد العزيز رحمه الله موقف مشرّف في تحقيق البيعة عندما آل إليه ملك بني أمية بالوراثة، حيث دعا الناس إلى المسجد، وقال قوله المشهور: «أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر - أي وراثة الحكم - من غير رأي منّى فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعتُ مافي أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم».

فتصايح الناس في المسجد هاتفين به أميراً للمؤمنين عن رضا، واختيار ورفض عمر أن، يعهد بالخلافة من بعده لمن يرى، خلافاً لما كان سائداً من طريقة التوارث في الحكم، وولاية العهد التي إستنها معاوية.

سعادة الرئيس: وقد سبق سيدنا علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه وصلوات اللّه وسلامه عليه إلى هذا الإتجاه، حينما ذهب بعض الصحابة إلى بيته، ليبايعوه خليفة بعد مقتل عثمان،(رضي الله عنه) وألحوا عليه في قبول البيعة، فقال: «ففي المسجد - أي تكون البيعة في المسجد علانية - فإن بيعتي لا تكون خفيا، ولا تكون إلاّ عن رضى المسلمين» وحينما طعنه عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج في المسجد، قال له بعض المسلمين: «إن فقدناك ولا نفقدك، أفنبايع الحسن؟» فقال لهم (رضي الله عنه): «ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر».

أيها الرئيس: وفي المجال الداخلي سار الخلفاء الراشدون على سنّة النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله)فكانوا يجمعون رؤساء الناس، فيستشيرونهم فيما لم يجدوا فيه نصاً في القرآن والسنّة، وهذا دليل على أن الشورى نوع من الإجتهاد.

ومن وقائع الشورى: مشاورة أبي بكر في حروب الردة، وفي جمع القرآن، ومشاورة عمر في قسمة سواد العراق بين الغانمين، أو تركه بيد أهله وفرض الخراج عليه، وكان القرّاء أصحاب مشورة عمر.

ومن أمثلة هذه المشاورات قضية مانعي الزكاة، فإن أبا بكر رأى قتال من منع الزكاة، فقال عمر: كيف تقاتل؟ وقد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقّها» فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين ماجمع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)  ثم تابعه بعد عمر وكان هذا الردّ حجة قوية رجحت رأي أبي بكر، وقنعت كل المعارضين له.

فضيلة الرئيس: فالشورى: نوع من الإجتهاد الذي يتطلب بذل أقصى الجهد للتعرف على الحقائق وأصوب الآراء، بعد تقليب وجهات النظر، وتبادل الآراء بحثا عن الحل الأفضل والحكم الأصوب في مسألة من المسائل الطارئة.

ومجال الشورى في الغالب هو في الأمور الدنيوية  والتدابير الحربية والقضايا المعاشية مما لا نص فيه أو يوجد فيه نص ظنّي الدلالة على الحكم، أما النص القطعي في دلالته، فليس مجالاً للإجتهاد أو الشورى إلاّ في ظرف زمني أو مكاني أو شخصي معيّن، مثل ترك العمل بتطبيق حكم قطع يد السارق في عام المجاعة وعدم إعطاء المؤلفة قلوبهم سهمهم من الزكاة حال قوة المسلمين واستغناء الأمة عنهم، قال ابن عطية في تفسيره: «مشاورته عليه السلام إنما هي في أمور الحروب والبعوث ونحوه من الأشخاص والنوازل، وأما في حلال أو حرام أو حدّ، فتلك قوانين شرع».

وخلاصة هذا القول: قد تكون الشورى في الأمور العامة، كقضايا السلم والحرب وجمع الناس على الصلاة، أو في الأمور الخاصة كالزواج والطلاق والميراث والمصالح الشخصية، وقد استشار النبي (صلى الله عليه وآله) بعض الصحابة في شأن السيدة عائشة قبل نزول براءتها من السماء في قصة الإفك، جاء في الحديث الثابت ان النبي(صلى الله عليه وآله) قام خطيبا، فتشهّد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:

«أما بعد، فأشيروا علي في أناس أُبنوا أهلى» أي ذكروهم بقبيح. ودعا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) علي ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما، وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأمّا أسامة فأشار بالذي يعلم من براءة أهله، وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثيرة، ثم سأل الجارية بريرة، فقال: «هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت: ما رأيت أمراً أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتى الداجن فتأكله.

أيها الرئيس: بهذا يتبين أن نطاق الشورى يشمل مختلف القضايا الدنيوية السياسية، والإجتماعية والإقتصادية والتربوية، كما يشمل بعض الأمور الاجتهادية الدينية، التي لم يرد فيها نص تشريعي واضح الدلالة.

والشورى ذات أهمية كبيرة، لاسيما في القضايا العامة، ولا يستغني عنها أحد مهما عظم رأيه أو مكانته، ففيها فائدة ملموسة للقائد الحاكم، حيث يختار مايراه أصوب الآراء وأكثرها جدوى ونفعاً، وفيها فائدة محسوسة للرعية، لأنها أداة فعّالة لإشراكهم في الحكم، وإدارة البلاد وتسيير القضايا العامة. وهي بالتالي تطفئ الأحقاد، وتذيب مسار الإعتراضات، وتطوّق جانب الإنتقادات واللوم الذي يكثر عادة للدولة ورئيسها.

وبغض النظر عن ذلك فالشورى أسلوب ناجح لتوجيه إهتمام الإنسان بالقضايا العامة، وتنمية المدارك والمعارف، ممّا يجعله حريصاً على إنضاج رأيه، والإستزادة من حقل العلم والمعرفة، ليكون رأيه مسموعاً، وفكره مقبولاً، وهي تعبير علمي عن الحرية، وتجسيد لروح المساواة الفعلية، ورمز للكرامة الإنسانية.

سعادة الرئيس: بهذا كله أختار أن يكون هذا البحث محاضرتي تحت عنوان:

(الإسلام دين الشورى والديمقراطية).

وفقنا الله - سبحانه وتعالى - لما فيه مصلحة الأمة والملّة ويوحد كلمتنا وصفوفنا في الدعوة إليه، وختاماً أقدم تهنئتي وشكري وامتناني. لرئيس هذه الجلسة ولجميع أعضاء اللجنة الذين أحسنوا الظن فيَّ وقدّموني في هذا الموقف لأشارك مع كبار رجال المفكرين والمحققين، الحاملين راية هذا الدين الحنيف، وأشكر الذين بذلوا أقصى جهدهم في إنجاز هذا الخير الكبير.

وأخيراً لا آخراً أنوب عن أعضاء مجلس العلماء والأئمة الغاني الوطني في تقديم أبهى التهاني القلبية والتحايا الاسلامية، الأخوية للجمهورية الاسلامية الايرانية حكومةً وشعباً، وإنّ مجلس العلماء في غانا تفرّع في جميع أقاليم غانا العشرة وقد أسست مدرسة إسلامية تربي أبناء المسلمين تربية إسلامية بالعربية والانجليزية، من الإبتدائية الى الثانوية الأدنى واسمها المدرسة الوطنية الإسلامية في كوماسى أشانتي وهذه المدرسة أنجبت علماء وأئمة كباراً وأمراء القبائل في أنحاء غانا غير أنها في أشد الحاجة الى ارتفاع مستواها العلمي إلى الثانوية العليا بمعنى حيث يتخرج الطالب فيها مؤهلاً بالشهادة الثانوية الكاملة وان تفضل هذا المؤتمر إلى سدّ هذه الثغرة بدعم هذه المدرسة فهنيئاً بها عاشت غانا وعاشت الجمهورية الاسلامية الايرانية وعاشت الامة الاسلامية العالمية.

والسلام.

الهوامش:

([1]).آل عمران / 156.

([2]).الشورى / 38 .