حقوق الإنسان ودور الدولة في إنفاذها

حقوق الإنسان ودور الدولة في إنفاذها

 

 

حقوق الإنسان ودور الدولة في إنفاذها

 

المحامي الشيخ مصطفى ملص

المسؤول الثقافي لتجمع العلماء المسلمين في لبنان

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

المقدمة

تثار مسألة حقوق الإنسان منذ زمن بعيد، وإبان فترة الحرب الباردة لجأت دول المعسكر الغربي الرأسمالي إلى إثارة هذه المسألة لأهداف سياسية في وجه دول المعسكر الشيوعي، والدول الدائرة في فلكه.

في ذلك الوقت حاولت دول المعسكر الرأسمالي أن تقدم نموذجاً لأنظمة الحكم التي توفر للمواطن أقصى ما يمكن من الحقوق والحريات. أو ماسمي بدولة الرفاه.

وعندما انتهت الحرب الباردة بالهزيمة المنكرة للنظرية الشيوعية، وتفككت دول المعسكر الشيوعي، وكانت شعوب ذلك المعسكر كما بقية شعوب العالم تعيش تحت سيطرة الإعلام الغربي، الذي كان يصور الحياة في الغرب على أنها حياة الفردوس. فهي تطمح للوصول إلى تلك الحياة، الحلم. إذ أن الحياة في العالم الشرقي كانت أشبه بالسجن، أو هكذا صوّرت، وكان الناس يعتقدون أنهم بمجرد رفع الشعارات البرّاقة للديمقراطية والحرية سيصلون إلى ما يطمحون إليه.

وكم كانت الكارثة كبيرة!  حين تبين للجميع أن ما يطمحون إليه مستحيل وأنهم خدعوا، وأنه لا مجال حتى للعودة إلى ماكانوا عليه رغم بؤسه، لأن الحروب والانشقاقات عمّت، وبرزت في الأوساط المحلية مليشيات وضعت يدها على المقدرات، وبدأ الوجه البشع للرأسمالية المتوحشة. وبدا أن الليبرالية والحرية والديمقراطية كلها عملات مزيفة، لاقيمة لها إلا إذا كانت مدعومة بالثروة والقوة.

وبدأت أمريكا تفرض على العالم مصالحها ورغباتها تحت طائلة تدمير كل من يتمرد على إرادتها، بأي نوع من أنواع الحرب; العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو الفكرية.

وطرح شعار العولمة، وهو الشعار الذي فسّره الأوروبيون بأنه يعني «أمركة» العالم، حيث ستستطيع أمريكا بما تملك من إمكانيات على كل الصعد أن تفرض على العالم إرادتها، وان تحول العالم إلى تابع لها، بكل ما للكلمة من معنى، على الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.

ومع تسليم معظم الدول بالدور الأمريكي الجديد، وبالنظر إلى الولايات المتحدة على أنها سيدة العالم، قامت أمريكا بأعمال انتهكت بها سيادة الدول، وحقوق الإنسان في العديد من بقاع الأرض، وشنّت حروباً تحت شتى الذرائع. وقدّمت الدعم لقوى دائرة في فلكها، فقامت هذه القوى بانتهاك حقوق الإنسان إلى أقصى الحدود.

لقد شنت أمريكا حروباً ومولّت حروباً أخرى، في العراق وإيران وتركيا وأفغانستان وأرمينيا وآذربيجان والعديد من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وكذلك فعلت في أفريقيا في السودان والجزائر وليبيا والحبشة وأرتيريا ومصر وروندا وبورندي وأوغندا وأنغولا وغيرها من الأقطار الإفريقية، وفي البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفا والجبل الأسود وفلسطين ولبنان... والحبل على الجرار.

كل تلك العناوين، وقع فيها عدوان على حقوق الإنسان وحرياته من قبل أمريكا أو عملائها وأتباعها بدعم وتأييد منها.

لقد صار السؤال على كل شفة ولسان، هل إنسان هذا العالم المسمى العالم الثالث هو إنسان؟ أم أن هناك اختلافاً في المراتب بين الإنسان الأمريكي واليهودي، وبين الإنسان العربي أو الإفريقي أو المسلم؟ فالإنسان الأمريكي واليهودي يفعل مايشاء، ولا يحق لأحد أن  يعترض عليه، حتى حق الدفاع عن النفس في مواجهته يسقط.

على كل حال، نحن عندما نطرح موضوع حقوق الإنسان، ودور الدولة في إنفاذ هذه الحقوق، إنما نفعل ذلك من أجل مواجهة هذه الحرب الأمريكية على الإنسانية.

ومن أجل أن نؤكد أن شعار العولمة، هذا الشعار الذي يحمل السم للإنسانية، وللعلاقات بين الإنسان والإنسان ويهدف أولا وأخيراً إلى تعبيد البشرية جمعاء لإله مزيف اسمه «الدولار». إنما هو فخ كما وصفه كل من «هانس بيتر مارتين وهار الدشومان»([1]).

إنه مما لاشك فيه أن أمريكا بواسطة أدواتها القوية، ومنها البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، تدفع الحكومات في مختلف دول العالم الثالث إلى التخلص من الأعباء المترتبة عليها بسبب تأمين بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطبقات الشعبية الفقيرة، وتشيع أنه لا حل لمشاكل هذه الدول إلا بالإبتعاد عن تحمل تبعات المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للشعب.

إن الهدف من وراء ذلك هو العمل على أن تصل الأمور بين الشعوب والحكومات في العالم الثالث إلى حالة الكفر المتبادل كلُّ بالآخر.

إن العولمة هي الانقلاب الأمريكي على حقوق الإنسان وحرياته في العالم. وهذا الإنقلاب ينفذ لمصلحة الشركات العالمية الكبرى التي تتحكم باقتصاد العالم، وبالسياسات الاقتصادية للحكومات، عبر إرغامها على اتباع ارشادات ونصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هذه الإرشادات والنصائح التي تتضمن غالباً، تخفيض قيمة العملة، تخفيض مريع في النفقات العامة وبصورة خاصة على المستوى الاجتماعي، وتقليص اعتمادات التعليم والصحة والسكن وإلغاء المعونات المتعلقة بالمواد الاستهلاكية بما فيها المواد الغذائية، خصخصة المؤسسات العامة، وزيادة تعريفات الكهرباء والمياه والنقل ووضع حد أعلى للأجور والرواتب وهذه السياسات تؤدي حتماً إلى فتن داخلية حيث يصطدم الجائعون بالسلطة كما حصل في مراكش عامي 1981 و1984 وفي كاركاس عامي 1985 و1989 وفي الجزائر عام 1988 وفي الأردن عام 1996([2]).

وهذه السياسة هي سياسة ضرب حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد أتينا بهذا البحث لنثبت أن الإنسان هو الهم الأول لكل حركة سياسية، وأن حقوق التي يتم الانقلاب عليها تحت عناوين براقة هي بالنسبة لنا نحن المسلمين ثابت ديني ملازم للعقيدة، ورديف للعبادة ولنبيين أن دور الدولة في الإسلام هو خدمة الإنسان وليس خدمة المال والشركات والثروة، من أجل أن يكون الإنسان لائقا بمنصبه وهو خليفة الله في أرضه.

إن الإنسان في العالم الإسلامي قد عانى كثيراً خلال القرن الماضي جّراء التسلط والاستعمار الأجنبي، وأنه آن الأوان ليستعيد هذا الإنسان كرامته وحقوقه وحرياته ويستعيد عزّته التي جعلها الله له ليتبوأ على مشارف القرن الميلادي القادم، القرن الحادي والعشرين المكانة التي تليق بخير أمة أخرجت للناس.

          

 

الفصل الأول

 

المبحث الأول: التعريف اللغوي

الحقوق، جمع حق. وهو في اللغة يأتي بمعاني متعددة، فهو أولاً اسم من أسماء الله تبارك وتعالى: قال عزّ وجلّ في القرآن الكريم: (فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) ([3]). وقال أيضا: (هنالك الولاية للّه الحق هو خير ثواباً وخير عقبا) ([4])، وقال أيضاً (فتعالى الله الملك الحق...) ([5])، وقوله أيضاً: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) ([6]).

ومن معاني الحق، الثبات والوجوب; يقال: حق الله الامر حقاً أي أثبته وأوجبه. ويقال: حقَّ الشيء، أي، ثبت ووجب.

والحق ضد الباطل، والحق ما يقابل الواجب، يقال: الحقوق والواجبات بمعنى ما يترتب للمرء وما يترتب عليه.

وتطلق أيضاً على النصيب فيقال: حقه أي نصيبه.

وتستعمل مجازاً في معان كثيرة كالعدل.

 

المبحث الثاني: التعريف الإصطلاحي للحق:

رغم مالكلمة الحق من وضوح في أذهان عامة الناس، فإن علماء القانون قد اختلفوا في تعريف الحق اختلافاً واسعاً، ويقال بأن تعريف الحق من أكثر المسائل التي ثار الاختلاف بشأنه.

ويمكن تحديد الاتجاهات العامة لتعريف الحق عند رجال القانون في الغرب بثلاثة مذاهب لكل منهم نظريته التي تستند إلى القيمة التي وجد أنها أجدر بالأخذ بعين الاعتبار. وهذه النظريات هي:

1- نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية.

2- نظرية المصلحة، أو النظرية الموضوعية.

3- النظرية المختلطة، وهي التي حاولت الجمع بين النظريتين السابقتين([7]).

التعريف الأول: الحق قدرة إرادية يخولها القانون لشخص معين:

وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية، وقد سمّيت بالنظرية الشخصية لأن أصحابها يعرّفون الحق بالنظر إلى صاحبه، لأن القدرة الإرادية صفة تلحق بالشخص صاحب الحق.

التعريف الثاني: الحق مصلحة يحميها القانون:

وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب النظرية الموضوعية، أو نظرية المصلحة، وسمّيت بذلك الاسم لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى موضوعه، وموضوع الحق هو المصلحة.

التعريف الثالث: الحق مصلحة يحميها القانون، عن طريق قدرة ارادية لشخص:

وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الذين غلّبوا عنصر المصلحة على عنصر الإرادة.

التعريف الرابع: الحق قدرة في خدمة مصلحة ذات صفة اجتماعية، وتباشر بواسطة ارادة مستقلة.

وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الذين غلّبوا عنصر الإرادة على عنصر المصلحة.

وكل نظرية من هذه النظريات لا تخلو من النقد.

التعريف الخامس: الحق ميزة يمنحها القانون لشخص ويضمنها بوسائله، وبمقتضاها يتصرف في قيمة منسوبة إليه باعتبارها له، أو مستحقة له:

وهذا التعريف الأخير منسوب للفقيه القانوني البلجيكي «جان دابان». وهو تعريف جديد، حاول أن يتجنب فيه النظريات السابقة، وما وجه إليها من نقد، ونال هذا التعريف استحساناً من قبل الفقهاء لاسيما فقهاء القانون في مصر.

 

المبحث الثالث: تعريف الحق لدى فقهاء الشريعة المسلمين:

من الملاحظ بالرجوع إلى كتب الفقه والأصول أن العلماء المسلمين لم يعطوا تعريفاً كاملاً شاملاً للحق، وإذا وردت بعض التعاريف له، فإنما ترد قاصرة عن تحديده تحديداً كاملاً، شاملاً، ولعلهم رأوا أن فكرة الحق معروفة، فلا تحتاج إلى تعريف([8]).

وقد حاول بعض الفقهاء والباحثين المسلمين المعاصرين إعطاء تعريف إسلامي للحق، يأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الاسلامية، ذات العلاقة بمسألة الحق، وهي تختلف إلى حدّما عن المفاهيم الغربية، كمفهوم نشأة الحق مثلاً. ومن التعريفات التي وضعها هؤلاء نورد التعريفات التالية:

التعريف الأول: الحق هو الحكم الثابت شرعاً:

نقل هذا التعريف الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الاسلامي وأدلته. واعتبر انه تعريف غير جامع ولا شامل لكل ما يطلق عليه لفظ الحق عند الفقهاء.

التعريف الثاني: الحق مصلحة مستحقة شرعاً:

وهذا التعريف منسوب للأستاذ الشيخ علي الخفيف، ويقول عنه د. الزحيلي في كتابه المذكور آنفاً: أنه تعريف بالغاية المقصودة من الحق، لا بذاته وحقيقته، لأن الحق هو علاقة اختصاصية بين صاحب الحق والمصلحة التي يستفيد منها([9]).

التعريف الثالث: الحق مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معا يقررها الشارع الحكيم:

وهذا التعريف للدكتور محمد يوسف موسى ذكره في كتابه الفقه الاسلامي ص 211، وهو يشبه إلى حد بعيد التعريف السابق للشيخ علي الخفيف وقد رد عليه د. فتحي الدريني بأنه أيضا عرف الحق بغايته، لأن الحق ليس مصلحة، بل وسيلة إلى مصلحة([10]).

التعريف الرابع: الحق هو اختصاص يقر به الشرع سلطة شيء، أو اقتضاء أداء من آخر، تحقيقا لمصلحة معيّنة([11]).

التعريف الخامس: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا:

وهذا التعريف قريب من التعريف السابق. وقد اعتبر الدكتور وهبه الزحيلي ان هذا التعريف الذي جاء به د. مصطفى الزرقا جيّد، لأنه يشتمل أنواع الحقوق الدينية، كحق الله على عباده، والحقوق المدنية كحق التملك، والحقوق الأدبية، والحقوق العامة([12]).

ملاحظة حول هذه التعريفات:

الملاحظ من قراءة هذه التعريفات آنها دارت على اعتبار أن الحق أما حكم أو مصلحة أو اختصاص ولكنها أجمعت على أمر واحد، وهو علاقة كل ذلك بالشرع. وهو أمر يراد به الاشارة إلى منشأ الحق، لأن الفقهاء المسلمين يعتبرون وكما سيرد معنا أن الحق هو أمر مقرر من قبل الله تعالى.

ونحن نرى أن التعريف الخامس الذي ذكرناه، وهو للدكتور مصطفى الزرقا، هو التعريف الذي يمكن أن ينضوي تحت مفهوم الحق، حينما يتعلق بالحريات العامة، وحقوق الانسان.

          

المبحث الرابع - مقارنة بين تعريف فقهاء القانون الغربيين

وتعريف فقهاء الشريعة الإسلامية:

من خلال التعريفات التي أوردنا لفقهاء القانون الغربيين، نجد أنها جميعا تعتبر أن الحق سواء من اعتبره مصلحة، أو ميزة، أو قدرة إرادية، إنما هو أمر يمنحه القانون، أو يحميه، وهذا يعني أن مرجع الحق هو القانون، فالذي قال أن القانون يمنحه رمى إلى بيان أن الجماعة البشرية هي التي تنشئه وتقره، والذي قال إن القانون يحميه، رمى إلى بيان أن  الطبيعة هي مصدر الحق وان على الجماعة البشرية أن تسن القانون لتحمي هذا الحق فقط، لأنه موجود أصلا قبل وجود الجماعة.

ومن خلال مقارنة التعريفات التي أعطاها الفقهاء المسلمون للحق، بالتعريفات التي أعطاها فقهاء القانون الغربيون، ندرك تأثر الفقهاء الاسلاميين الحديثين إلى حد كبير بالفهم الغربي للحق باعتباره مصلحة، أو وسيلة لحماية مصلحة، غير أنه اختلفوا معهم في إيراد الإشارة إلى مصدر الحق، حيث يرى علماء الشريعة الإسلامية أن مصدر الحق هو الله عزوجل، فيما ركز الطرف الآخر على اعتبار أن القانون، هو، إما مصدر الحق، أو أنه حامي الحق، مع بيان أن  الذين اعتبروا أن القانون هو حامي الحق، إنما أرادوا الإشارة إلى أن مصدر الحق هو الطبيعة، وهذا يعني أنهم يرون مصدر الحق خارج دائرة الانسان، وعقله البشري، وسلطته على هذا الكون. والمسلمون الذين يعتبرون أن الله هو مصدر الحق قد جعلوا ايضاً هذا المصدر خارج نطاق الإنسان وعقله البشري وسلطته على هذا الكون. والأثر المترتب على ذلك عند هذين الفريقين هو كف يد الإنسان عن التعرض لهذا الحق أو الانتقاص منه. ولهذا أعظم الأثر على حقوق الانسان، هذه الحقوق التي تكون عرضة للتدخل والانتهاك من قبل الحاكم أو من قبل الجماعة أو باسم الجماعة ممن يمسكون بالقرار فيها.

وإذا كنا نميل كثيراً إلى إخراج الحقوق، وخاصة حقوق الإنسان من نطاق السيطرة البشرية، من أجل الحفاظ على قدسيتها وعدم الانتقاص منها، أو الإخلال بها، إلا اننا نرى أن تطور الزمن بعد عهد الرسالة قد ينشئ حقوقاً لم تكن معروفة فيما مضى، ولم يُتطرق إليها، وأن الواجب يقتضي أن تعطي هذه الحقوق الحماية للحاجة إليها. وللخروج من الخلاف نستطيع استبدال كلمة ينشئ حقوقاً، بعبارة نكتشف حقوقاً، لأن المهم هو استعمال الانسان لهذا الحق من أجل إنجاز المهمة، والوظيفة المكلف بها على هذه الأرض كما سيأتي بيانه.

 

المبحث الخامس - منشأ الحق:

أ - الرأي الغربي:

لا يحتاج المرء للحديث عن  الحق إلا إذا كان يعيش في جماعة، لأن الحق من مقتضيات الاختلاف عند البشر، فإذا تضاربت المصالح، وتشابكت الأهواء، وبرزت الحاجات صار التطلع إلى بيان الحق ضرورة، من أجل الحفاظ على أمن الجماعة، وديمومتها، واستقرار أوضاعها.

وقد ثار الخلاف حول فكرة الحق بين فقهاء القانون، فانقسموا إلى مذهبين، عرف أحدهما بالمذهب الفردي، وعرف الآخر بالمذهب الجماعي. أما أصحاب المذهب الفردي فيرون أن الفرد هو الغاية والهدف من وراء كل تنظيم قانوني، وان الفرد يولد متمتعاً بحقوق طبيعية بصفته إنساناً، وأن تمتعه بهذه الحقوق يعود إلى ما قبل وجود القانون، وتقتصر  وظيفة القانون على حماية هذه الحقوق والمحافظة عليها وتمكين الأفراد من التمتع بها.

أما أصحاب المذهب الجماعي فيرون أن الجماعة هي الهدف من كل تنظيم قانوني، ولا يجوز للفرد أن  يتمسك بحقوق طبيعية مزعومة في مواجهة الجماعة، ولا يملك الفرد من الحقوق إلاّ ما تمنحه إيّاه الجماعة باسم القانون، وهكذا يعتبرون أن القانون هو أساس الحق، أي أن الحق هو ما تمنحه الجماعة، بما تضعه من تنظيم([13]).

ونحن نرى أن ماذهب إليه الطرفان قد يجاري الحقيقة في جانب، ويجافيها في جانب آخر، فكل فريق يضع فرضية، يهدف من خلالها الوصول إلى مايريد اثباته  في الواقع الحاضر، ويقيم حواراً من جانب واحد، يخرج بنتيجته بالجواب الذي ما وضعت عبارات الحوار إلا لتأتي به.

وخلاصة الخلاف بين الفريقين تتلخص في السؤال التالي: أيهما مقدم على الآخر في المصلحة؟ مصلحة الفرد، أم مصلحة الجماعة؟

ب - الرأي الإسلامي:

يرى فقهاء الإسلام أن الله تبارك وتعالى هو المتصرف بما في هذا الكون بإرادته، وأنه إذا قضى أمراً فلا مرد لقضائه، وأن الحكم هو للّه، إنطلاقاً من قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) ([14]). ومن قوله تعالى: (... إن الحكم إلا للّه أمر ألا تعبدوا إلا إياه) ([15]).

ولأن الله هو الخالق، وهو المالك لهذا الكون ومافيه، وهو الذي جعل الانسان خليفة على هذه الأرض، (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) ([16]).

فقد حبا هذا الإنسان بالنعم الكثيرة، وجعله محور الحياة، وسخّر له كل شيء ليعيش، وليقوم بالمهمة الموكلة إليه وهي عمارة الأرض. قال تعالى: (ألم تروا أن الله سخّر لكم مافي السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) ([17]). وقال تعالى: (والى ثمود أخاهم صالحاً، قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، هو الذي انشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب) ([18]).

فكل ما يتمتع به الانسان من حقوق، وما اسبغ عليه من نعم، إنما كانت لتمكينه مكرماً من عمارة الأرض، بالمعنى الواسع للعمارة، ولعبادة الله، بالمعنى الواسع للعبادة ايضاً.

من هنا يرى الفقهاء المسلمون أن  مصدر الحق هو الله تبارك وتعالى، وأنه ليس لأحد أن  يقر حقاً لم تقره الشريعة، لهذا نجدهم يعتبرون المحرم من الأموال غير متقوم بحق المسلم، فالخمر أو الخنزير غير متقومان بحق المسلم، فإن المسلم لا يستطيع أن يطالب بالتعويض عنهما. بخلاف ما إذا كان المالك للمال المحرم غير مسلم، فإنه يستطيع أن يطالب بالتعويض عن ماله إذا أتلفه له شخص آخر، سواء أكان مسلماً أم غير مسلم([19]).

وقد تكّلم كثير من الفقهاء عن الحق باعتباره مصلحة ثابتة مادية أو معنوية، فقسموا الحقوق إلى ثلاثة اقسام هي حقوق عامة، وحقوق خاصة، وحقوق مشتركة:

1- الحقوق العامة: أو حق الله وهي كل حق تعلق به النفع العام، وسمي بحق الله لا لأن نفعه يعود على الله، تعالى الله عن ذلك ولكن لأن ماكان نفعه راجعاً إلى جميع الخلق فلا ينسب إلاّ إلى الخالق لإخراج التحكم به من يد المخلوق، ولو كان حاكماً فرداً أو حكومة، وهذا الحق العام لا يملك أحد أن  يتنازل عنه.

2- الحقوق الخاصة: أو حق العبد: وهو ما تعلقت به مصلحة الفرد الخاصة، كحق الدية، وحق الضمان.

وتقسم الحقوق الخاصة إلى قسمين: حقوق تقبل الإسقاط، كحق الشفعة وحق القصاص وحق التعويض.

وحقوق لا تقبل الإسقاط، أما لتعلق حق الغير بها، كحق الحضانة للأم، وحق المطلِّق في عدة مطلقته.

وإما لأنها لم تثبت بعد، كإسقاط الزوجة حقها في النفقة المستقبلية، وإما لأنها تعتبر شرعاً من الأوصاف الذاتية الملازمة للشخص، كحق الولاية على الصغير، واما لكونها من الحقوق التي يترتب على اسقاطها تغيير للأحكام الشرعية، كإسقاط المطلِّق حقه في إرجاع زوجته.

الحقوق المشتركة: وهي التي يجتمع فيها حق العبد وحق الله، فإذا كان حق الله هو الغالب لايجوز التنازل عنها، كحد القذف، لاعتبار أن حماية الأعراض مصلحة عامة.

أما إذا كان حق العبد هو الغالب، كحق القصاص، فإن بـإمكان ولي الدم أن يتنازل عن حقه ويعفو عن القاتل. وإذا كان الحق منحة إلهية تستند الى المصادر التي تستنبط منها الأحكام الشرعية، وهو بالتالي ليس طبيعياً، مصدره الطبيعة، وليس بشرياً، بمعنى أن الجماعة هي التي تقدر حقوق الأفراد بما تضعه من قوانين. فإن الحق ليس مطلقاً، لأن الفرد مقيد عند استعمال حقه بمراعاة حقوق الآخرين، وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة أو الأفراد. والحق في الشريعة يستلزم واجبين:

1- واجب عام على الناس باحترام حق الشخص وعدم التعرض له.

2- واجب خاص على صاحب الحق بأن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين([20]).      

 موقع حقوق الإنسان:

كما لاحظنا من خلال كتابات المسلمين من سلفنا الصالح نجد انهم لم يتطرقوا لحقوق الإنسان بالمعنى الاصطلاحي الحديث، ولكن بالرجوع إلى مصادرهم الفقهية نجد أن الفقه الاسلامي عُني جداً بالأحكام التي تطال حقوق الانسان، وكذلك نجد غنى لا حد له في النصوص الاسلامية، من كتاب الله وسنّة نبيه محمد(صلى الله عليه وآله)، وآثار الخلفاء لاسيما أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وهذا ما سنتطّرق لبيانه أو الإشارة إليه في مواضعه المناسبة.

الفصل الثاني: حقوق الإنسان

تمهيد

وجد الإنسان، ووجد الظلم، والإنسان لايكون في هذا الكون وحيداً، فالخالق عزّ وجل خلق آدم وخلق له زوجه، وظلم آدم وزوجه نفسيهما عندما عصيا خالقهما. ثم كان الهبوط إلى هذه الأرض وكان التكليف وكان البيان، هذا حلال وهذا حرام، ومع ذلك طوعت نفس ابن آدم لصاحبها قتل أخيه ظلماً فقتله ثم ندم على قتله، وسبب الجريمة الأولى كما يقال أن أحد ابني آدم لم يرض بنصيبه وأراد أن يسلب أخاه حقه، فقتله، ويروى أن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) قد قال إن على ابن آدم الأول كفل من كل جريمة قتل تحصل إلى يوم الدين.

الله سبحانه وتعالى أعطى الحق، وقسّم الأنصبة، وأمر بالرضى بها، وحذر من المخالفة والمعصية، ولكن الإنسان تمرد على الشريعة، وأحب الاستئثار والتسلط والطغيان، فاعتدى على حقوق أخيه الإنسان، تلك هي الحقيقة. ذلك هو الواقع، ومن أجل رفع الظلم أيضاً تمرّد الإنسان على الطغيان، فثار الصراع، وكثيراً ما جرى تبادل الأدوار.

وحدهم الرسل، رسل الله، حملوا الشرائع، وطلبوا العدل، وإقامة الحق، فمنهم من استطاع، ومنهم من لم يستطع، ومنهم من أطاح الظلم به، ولكن الدعوى لرفع الظلم وللإصلاح استمرت، وما ينبغي لها أن تقف، وبالمقابل استمر الظلم، فالصراع إذن دائم ومستمر، في كل زمان يأخذ إطاراً مختلفاً، ويخاض بسلاح مختلف، فالتجدد صفته الدائمة.

حقوق الانسان، وحرياته، معركة في مواجهة الطغيان، وربما تراد أحياناً معركة من أجل الطغيان، لاتهم العناوين، فالعنوان سيف ذو حدين، وقديماً قالت العرب: كلمة حق أريد بها باطل.

 

المبحث الأول - لمحة تاريخية عن حقوق الإنسان:

خاضت الشعوب على مرّ العصور الصراع ضد جلاديها، ووقعت الثورات والقلاقل وأريقت الدماء، ولم تتوقف محاولات الشعوب من أجل الفوز بحقوقها وحرياتها، ومن أجل العيش بكرامة.

ويذكر التاريخ أن الشعوب الأوروبية قد خاضت صراعاً مريراً، استمر زمناً طويلاً في مواجهة ملوك ادّعوا لأنفسهم سلطاناً الهياً، وحقاً مقدّساً، فرضوا بموجبه على الناس قهراً وإذلالاً، وحمّلوهم ما لا يطاق.

ومامن وثيقة جاءت تحمل إقرارا بحق من حقوق الإنسان، إلا وجاءت عقب ثورة أو تمرّد، بدأ من الوثيقة الكبرى (Magna carta) الصادرة في العام 1215 عقب ثورة للشعب والإكليروس في انجلترا ضد استبداد الملك جان بلا أرض (jean sans terre) بل وقبلها شرّعة الحريات  (chartger ofliberties) التي أعلنها الملك هنري الأول في العام 1101 نزولاً عند إلحاح النبلاء والبورجوازيين. ثم عريضة الحقوق (petition of rights) التي صدرت في العام 1628 بعد صراع مباشر بين الملك شارل الأول والبرلمان اثر محاولة الملك فرض ضرائب جديدة على الشعب دون الحصول على موافقة البرلمان([21]).

أما الإعلان الفرنسي المسمى إعلان حقوق الإنسان والمواطن.

 (Declaration des droits de l'homme et du citoyen) فقد صدر عقب انتصار الثورة الفرنسية ضد الملك في 26 آب 1789، هذه الثورة التي استمدت أفكارها من المفاهيم المتجددة التي كان فلاسفة عصر الأنوار وعلى رأسهم «روسو» و«فولتير» و«مونتسكيو» قد طروحوها، والتي ركزت على السلطة وطريقة ممارستها، والحريات العامة والفردية التي تساهم بتطور المجتمع([22]).

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاء بيان إعلان الاستقلال الصادر سنة 1776 متضمناً مبادئ مثل المساواة بين الناس، وتمتعهم بحق الحياة، والحرية، وطلب السعادة، فكان من أهم الإعلانات لحقوق الإنسان في الغرب، وقد صاغها الرئيس «جيفرسون» متأثراً بآراء الفلاسفة الأوروبيين أمثال جون لوك وروسو وفولتير.

وعلاوة على هذه الإعلانات الغربية، فقد نصت معظم الدساتير الغربية الحديثة على تثبيت حقوق الإنسان بعبارات وصيغ متشابهة، فأقرت المساواة، وحق التعليم المجاني، وحريات الفكر والتعبير والاجتماع والتظاهر والنقابات، والحرية الشخصية وحرية المنزل، والمراسلات، وحق اللجوء السياسي للأجانب المضطهدين([23]).

ثم كان التطور الكبير، وكانت الخطوة الكبرى على طريق تقنين وتدوين حقوق الإنسان، وهي إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرّته الأمم المتحدة في جمعيتها العامة، في العاشر من شهر كانون الأول سنة 1948.

وقد كانت هذه الخطوة تعبيراً عن عصر التنظيم الدولي الذي وإن كان قد ظهر عام 1919 بقيادة عصبة الأمم. إلا أنه لم يتبلور كفكرة ويتجسد كنشاط الا بعد نشأة الامم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، والمنظمات الدولية والاقليمية في الحياة الدولية([24]).

ثم جاء العهدان الدوليان المتضمنان للحقوق المدنية والسياسية، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذين صدرا في العام 1976، أي بعد ثلاثين سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبذلك أصبح القانون الدولي لحقوق الإنسان حقيقة واقعة، بعد أن كان العهدان قد وضعا في 16 كانون الأول 1966، ولكنهما لم يدخلا حيز التنفيذ إلا في العام 1976، عندما بلغ عدد الدول المصدقة عليهما النصاب المطلوب([25]).

ثم صدرت الاعلانات الإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 19 أيلول 1981، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صادق عليه مؤتمر الرؤساء بمنظمة الوحدة الإفريقية في العام 1981 ودخل حيز التنفيذ في العام 1991([26])، وكذلك إعلان طهران.          

المبحث الثاني - مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم إعلان دولي لحقوق الإنسان في العصر الحديث، فقد جاء هذا الإعلان منسجماً مع ماورد في ميثاق الأمم المتحدة لاسيما المادة 55 الفقرة ج والتي تنص على: «أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق فعلا، فتم التصديق على هذا الإعلان بأكثرية ثمانية وأربعين صوتاً مقابل ستة، امتنع أصحابها عن التصويت، وهي الاتحاد السوفياتي، وأوكرانيا، وروسيا البيضاء، وبولونيا، وأفريقيا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية.

ودلّ عدم الاجماع هذا، على عمق التباينات الإيديولوجية التي كانت قائمة في حينه بين الأنظمة السياسية المختلفة([27]).

وقد جاءت الحقوق التي تضمنها الإعلان مندرجة في إطار أربعة عناوين كبرى هي:

أ - الحقوق المرتبطة بشخصية الإنسان (المواد 3 - 14) وهي تتضمن: الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السلامة، وفي الكيان القانوني الذاتي، وفي تحريم العبودية  (l'esclavage)، والرق (la servitude)، والتعذيب (la torture)، وفي المساواة أمام القانون، وفي الحصول على الحماية والضمانات القانونية من خلال احترام المبادئ الأساسية للقانون الجزائي، وعدم رجعية العقوبات، واعتبار المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، وفي عدم انتهاك حرمة المنزل، والمراسلات الشخصية، وفي حرية التنقل ذهاباً وإياباً، وفي تأمين المسكن.

ب - الحقوق المرتبطة بالأحوال الشخصية (المواد 15 - 17) وهي تتضمن: الحق في الجنسية، وفي حرية الزواج، وفي احترام حقوق العائلة، وفي احترام وصيانة حق الملكية الفردية، والجماعية.

ج - الحقوق العامة والسياسية (المواد 18 - 27) وهي تتضمن:

الحق في العمل لقاء أجر عادل، وفي العيش بكرامة، وفي مستوى حياتي لائق وكاف، وفي النشاط النقابي، وفي الراحة وممارسة الهوايات، والصحة، وفي التربية، وفي التعليم والثقافة([28]).

ومع التسليم بالأولوية في الأهمية المعنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولما تركته من آثار في دساتير الدول المعاصرة، فإن هذا الإعلان ليس الشرعية الوحيدة في القانون الدولي، فهناك الهيئة الأمريكية لحقوق الإنسان (lacommission interamericaine de drotis de l'homme) المنبثة عن منظمة الدول الأمريكية. وهناك الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان (laconvention europeenne de drotis de l'homme). التي انبثقت عن اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وهناك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (le cour europeenne dedroite de l'homme) وهناك الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الصادر عن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.. الخ، والجدير بالذكر أن كل هذه الإعلانات والهيئات الإقليمية إنما كانت بوحي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتقوية له على الصعد الإقليمية.          

المبحث الثالث -  القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واحداً من أبرز القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهو من الناحية الشكلية ليس معاهدة دولية، وإذا كانت الموافقة على الإعلان قد تمت بالإجماع بحيث لم تصوت ضده أية دولة، فإن ذلك لا يعني تمتع الإعلان بأية صفة إلزامية، لذا لا يمكن اعتباره جزءاً من قواعد القانون الدولي الوضعي، والقيمة القانونية لهذا الإعلان لا تعدو كونه تصريحاً عاماً جاء بحكم المبادئ العامة التي تهتدي بها الدول في أنظمتها الدستورية والتشريعية، وقد اعتبر مجلس شورى الدولة الفرنسي، انه ليس لهذا الإعلان أي طابع إلزامي في المجال القانوني الداخلي الفرنسي، كما رفضت الحكومة الفرنسية في حينه إخضاعه لموجب التصديق عليه من قبل الجمعية الوطنية، أو مجلس النواب، لكونه ليس معاهدة أو اتفاقاً بين الدول([29]).

كما برزت مثل هذه التحفظات من قبل دول أوروبية وأمريكية أخرى، فقد قرر المجلس الدستوري النمساوي بتاريخ 5 تشرين الأول سنة 1950 أن تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الأراضي النمساوية ليس واجباً، ولا يرتدي طابع الإلزام بالمطلق.

وأيضاً، إعتبر اجتهاد المحاكم العليا في بعض ولايات المتحدة الأمريكية، إن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان لا تشكل معاهدة دولية نافذة بحد ذاتها (selfexecuting)، وبالتالي فإنه لايجوز للأفراد أن  يدلوا بأحكامها في وجه الدولة، أو الولاية التي ينتمون إليها([30]).

ولا يختلف الفقه عن الاجتهاد في نظرته الى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهناك شبه إجماع على أن أهمية هذا الإعلان تكمن في كونه يعلن مبادئ عامة أساسية، ذات طابع شمولي عام، قد تكون صالحة لإرشاد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة نحو آفاق جديدة من العدالة والإنصاف، ولكنها لا يمكن لها إطلاقاً أن تشكل أساساً لأي رقابة قضائية، وذلك لأنها مجردة من أي قيمة قانونية وضعية إلزامية.

وهناك قلة من الفقهاء يرون رأياً معاكساً للرأي الأول، إلا أن هذا الرأي لا يستند إلى منطق سليم، فهم يعتبرون أن الاعلان قد جاء تطبيقاً للمادتين 55 و56 من ميثاق الأمم المتحدة، مما يمكن معه أن نعترف للإعلان بنفس القيمة القانونية الملزمة لهاتين المادتين.

ولكن ليس من المسلم به أن لميثاق الأمم المتحدة، ولهاتين المادتين 55 و 56 منه هذه القيمة الملزمة، فقد اختلف الفقه حول القيمة القانونية لهذه النصوص، وحول مدى الإلتزام الذي تفرضه على الدول، وعلى المنظمات الدولية، بصدد حقوق الإنسان.

فهناك اتجاه يرى أن هذه النصوص ليست لها قيمة قانونية، فالميثاق لم يفرض على الأعضاء التزاماً محدداً بأن يمنحوا لرعاياهم الحقوق والحريات المذكورة فيه. كما أن اللغة التي استخدمها الميثاق بهذا الصدد، لا تسمح بالقول بأن الأعضاء واقعون تحت التزام قانوني بشأن حقوق وحريات رعاياهم.

كما أن المنظمة ليس لها السلطة - بمقتضى الميثاق - لكي تفرض على حكومات الدول الأعضاء التزامات بأن  تضمن لرعاياها الحقوق المشار إليها.

ويتجه رأي آخر الى القول بأن احترام حقوق الإنسان يأخذ قوته الملزمة باعتباره أحد المبادئ العامة التي تشكل سياسة المنظمة الدولية، فرغم آنهاغير ملزمة قانوناً، إلا أنه لا يمكن تجريدها من كل فائدة([31]).

ويدل واقع الالتزام بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم على أن القيمة القانونية الإلزامية سواء للميثاق، أو للإعلان شبه معدومة، على أن إنكار الصفة القانونية على الإعلان، لا يقلل من قيمته الفعلية، ومن الصفة الأدبية الكبيرة التي يتمتع بها، باعتباره صادراً عن أكبر السلطات الدولية، وأكثرها تعبيراً عن المجتمع الدولي كما أنه لا يمكن تجاهل ما أحدثه صدور هذا الإعلان من تأثيرات ضخمة في التشريعات، والقرارات الدولية، التي صدرت تطبيقاً له، أو الدساتير والأنظمة المحلية التي أكدت مبادئه([32]).

 نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948

 الديباجة:

لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.

ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية أذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يصبو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.

ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.

ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.

ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها.

ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد. فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توظيف احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ اجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.

المادة الأولى: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

المادة الثانية: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفريق بين الرجال والنساء.

وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.

المادة الثالثة: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

المادة الرابعة: لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها.

المادة الخامسة: لا يُعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة للكرامة.

المادة السادسة: لكل إنسان أينما وجد الحق بأن يُعترف بشخصيته القانونية.

المادة السابعة: كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.

المادة الثامنة: لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون.

المادة التاسعة: لايجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.

المادة العاشرة: لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.

المادة الحادية عشرة:

1- كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن  تثبت إدانته قانونياً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.

2- لا يُدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب. كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة.

المادة الثانية عشرة: لا يُعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.

المادة الثالثة عشرة:

1-  لكل   فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة.

2- يحق لكل فرد أن يغادر أي بلد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة.

المادة الرابعة عشرة:

1- لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الإلتجاء اليها هرباً من الإضطهاد.

2- لا ينتفع بهذا الحق من قدّم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

المادة الخامسة عشرة:

1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

2- لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها.

المادة السادسة عشرة: 1- للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله.

2- لايبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه.

3- الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

المادة السابعة عشرة:

1- لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.

2- لايجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.

المادة الثامنة عشرة: لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة، وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.

المادة التاسعة عشرة: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

المادة العشرون:

1- لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.

2- لا يجوز إرغام أحد على الإنضمام إلى جمعية ما.

المادة الحادية والعشرون:

1- لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً.

2- لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

3- إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

المادة الثانية والعشرون: لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية، وفي أن تحقق بواسطة المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته.

المادة الثالثة والعشرون:

1- لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له الحق في الحماية من البطالة.

2- لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو للعمل.

3- لكل فرد، يقوم بعمل، الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية.

4- لكل شخص الحق في أن ينشئ وأن ينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.

المادة الرابعة والعشرون: لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولا سيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر.

المادة الخامسة والعشرون:

1- لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته.

2- للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية.

المادة السادسة والعشرون:

1- لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن  يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا، وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن يسير القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.

2- يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملاً، والى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، والى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

3- للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم.

المادة السابعة والعشرون:

1- لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون، والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.

2- لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على انتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني.

المادة الثامنة والعشرون: لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاماً.

المادة التاسعة والعشرون:

1- على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراً كاملاً.

2- يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.

3-  لا يصح بحال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

المادة الثلاثون: ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.

الفصل الثالث: حقوق الإنسان في الإسلام

 تمهيد:

يعتبر الإنسان في الإسلام محور هذا الكون، فكل شيء مخلوق ليكون مسخراً لهذا الإنسان، يستعين به لإنفاذ تكليفه الذي كلفه الله تبارك وتعالى به، وهو عبادة الله، والعبادة في الإسلام لا تعني فقط الطقوس والشعائر، وإنما تشمل كل نواحي حياة الإنسان، الفردية، والجماعية، فالإنسان في كل تصرف يتصرفه في واحد من حالين، أما هو في حال طاعة للّه، واما هو في حال معصية، فإن كان ينطلق في تصرفه من منطلق مراعاة أحكام الشرع، وعدم الرغبة في مخالفته، فهو في طاعة، سواء أصاب في تصرفه، أم أخطأ. وأن كان ينطلق في تصرفه من منطلق عدم مراعاة الشرع، وعدم إقامة الاعتبار لرأيه، فهو في معصية سواء أصاب أم أخطأ.

ولعل التكليف الشرعي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يختصر مهمة الإنسان ودوره في هذه الحياة، لأن هذا العنوان تنضوي تحته كل عناوين الخير والصلاح والإصلاح.

فإذا كان هذا هو الدور، وهذه هي المهمة، فهل يستطيع الإنسان أن يؤدي دوره، ومهمته، إذا كان لا يتمتع بأكبر قدر مستطاع من الإمكانية والحرية.

إن الله تبارك وتعالى يبين لنا من خلال آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن تسخير مافي السماوات والأرض للجماعة الإنسانية، ليكون لها عوناً على العبادة، بالمفهوم الشامل، وبالأخص منه مفهوم العمارة، التي لا يمكن أن تقوم إلا على مفاهيم العدالة والحرية; يبين لنا، أنه كما أعطى الجماعة الإنسانية الحد الأقصى من الإمكانيات، فإن هذا الحد الأقصى يجب أن يراعى في حق الفرد، فيكون له نصيبه الكامل، وبحده الأقصى أيضاً.

ولعل سورة من أقصر السور في القرآن الكريم، تضعنا في الأجواء الرحبة التي تحيط بتكليف الإنسان، والتي تشير إلى أن تمتع الإنسان بالكفاية والأمن، يجب أن يحفز على العبادة: (لإيــلاف قــريش. إيــلافهم رحلــة الشتاء والصيــف. فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) صدق الله العظيم.

ولقد فهم فقهاء الإسلام  حق الإنسان في التمتع بالأمن والكفاية من أجل قيامه بما هو مكلف به، فهذا الإمام الغزالي يقول في أحد كتبه([33]):

«إن نظام الدين لا يحصل الا بنظام الدنيا، فالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة الأبدان، وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات، من الكسوة والمسكن، والأوقات والأمن،.. فلا ينتظم الدين الا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقاً بحراسة نفسه من سيوف الظلمة، وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرغ للعلم والعمل؟ وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة؟ فإذن: إن نظام الدنيا، أعنى، مقادير الحاجة شرط لنظام الدين»([34]).

وفي حديث عن الإمام جعفر بن محمد (رضي الله عنه)  قال: «أيّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه، وهو يقدر عليه من عنده، أو من عند غيره، أقامه الله يوم القيامة، مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن، الذي خان الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار»([35]).

 المبحث الأول - أصل حقوق الإنسان في الاسلام

جاء الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام في أصل التشريع، حيث ثبّت هذه الحقوق في القرآن الكريم، والحديث النبوي، فكان الكتاب والسنّة هما أصل هذا الحقوق وأصل  إثباتها، وإذا ما رجعنا الى القرآن الكريم نراه يؤصل  لهذه الحقوق عبر تثبيت مبدئين عظيمين أساسيين هما مبدأ الكرامة ومبدأ العزّة.

أما مبدأ الكرامة فمن قوله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) ([36]).

وهذا التكريم ليس خاصاً بالمسلمين وإنما هو شامل لكل من تناسل من ذرية آدم(عليه السلام) وهو أول البشر وأبوهم، فالمسلم وغير المسلم في التكريم الإلهي سواء. وينقل الدكتور صبحي الصالح عن تفسير الآلوسي لقوله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم...) الآية «أي جعلناهم قاطبة، بارّهم وفاجرهم، ذوي كرم أي شرف ومحاسن»([37]).

وأما مبدأ العزة فمن قوله تعالى: (وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين) ([38]).

والعزة التي هي صفة للّه تبارك وتعالى جعلها للناس، ليدرك الإنسان أنه ليس مخلوقاً ليكون ذليلاً ولا مخزياً، وأن سعيه يجب أن يكون لتوفر هذه العزة، فإذا ما حرم هذه العزة، فذلك بتهاونه بحق نفسه فرداً أو مجتمعاً.

وهذين المبدئين هما أصل حقوق الإنسان وحرياته، وهذه الحقوق والحريات هي مظهر شخصية الإنسان المعنوية، وهي التعبير عن فاعليته في المجتمع السياسي والقرآن  الكريم حينما يؤصل هذين المبدئين «الكرامة» و«العزة» فإنه لا يكتفي بوضع المفهوم الكلي النظري وإنما يثير في الإنسان شعوره بكرامته وعزته ويسن له من الأحكام العملية التفصيلية التي تتعلق بكافة شؤون الحياة ما يجعل تحقيق هذه المبادئ أمراً واقعاً  ([39]).

أما في السنّة النبوية الشريفة فقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تثبت حقوق الإنسان، وحرياته، ولعل أهم نص من نصوص السنة التي تحدثت عن حقوق الإنسان نص خطبة الوداع التي خطبها رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع في أكبر جمع من المسلمين، في السنة العاشرة من الهجرة التي صادفت العام 632 ميلادية. حيث تضمنت هذه الخطبة اعلان مبدأ المساواة بين الناس في أصل العنصر، والمساواة بين الراعي والرعية أي بين الحاكم والمحكوم، والمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات،  ووحدة القانون الذي يخضع الناس وهو كتاب الله وسنّة نبيه وهذا هو نص خطبته نثبتها لأهميتها ولتكون في متناول كل دارس لحقوق الإنسان.        

خطبة الوداع:

الحمد للّه نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.

أما بعد أيها الناس: اسمعوا مني أبيّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا.

أيها الناس! إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم; كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهمّ فاشهد.

فمن كانت عنده أمانة فيؤدها إلى من ائتمنه عليها.

وإنّ ربا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به، ربا عمّي العباس بن عبد المطلب.

وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به، دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ([40]).

وإن مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة ([41])، والسقاية ([42]).

والعمد قود. وشبه العمد ما قُتل بالعصا والحجر. وفيه مائة بعير. فمن زاد فهو من أهل الجاهلية. ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

أما بعد أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه. ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك، مما تحقرون من أعمالكم. فاحذروه على دينكم.

أيها الناس! «إنما النسىء ([43]). زيادة في الكفر، يضلّ به الذين كفروا يحلّونه عاماً ويحرمونه عاماً، ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلّوا ما حرم الله» ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض  وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مُضر، الذي بين جمادي وشعبان. ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

أما بعد أيها الناس! إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق: لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بـإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن، فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنّ وتهجروهنّ في المضاجع، وتضربوهنّ ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم، فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله. فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهنّ خيراً. ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

أيها الناس!  إن ربّكم واحد وإن أباكم واحد. كلكم لآدم; وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد. قالوا: نعم. قال: فليبلّغ  الشاهد الغائب.

أيها الناس! إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث. ولا يجوز لوارث وصية. ولا يجوز وصية في أكثر من الثلث. والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادّعى إلى غير أبيه أو تولّى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدم. والسلام عليكم.          

المبحث الثاني - الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان:

بدأ الاهتمام بإصدار شرعة حقوق الإنسان في الإسلام من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1979 حيث قرر المؤتمر العاشر لوزراء الخارجية تشكيل لجنة مشاورة من المتخصصين الإسلاميين لإعلان لائحة بحقوق الإنسان.

واستمر العمل والبحث وأحيل عمل اللجنة لدراسته في لجان أخرى إلى حين أنعقد اجتماع طهران في كانون الأول سنة 1989 حيث تمت مناقشة المشروع بـإسهاب بحضور عدد من علماء الشريعة والدين من مختلف البلد ان وأعدت الصيغة النهائية التي تمت الموافقة عليها نهائياً في المؤتمر التاسع عشر لوزراء الخارجية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي([44]).

 نص الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان

 بسم الله الرحمن الرحيم: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) ([45]).

إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إيماناً منها بالله رب العالمين خالق كل شيء، وواهب كل النعم، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه، وجعله في الأرض خليفة، ووكل إليه عمارتها، وإصلاحها، وحمّله أمانة التكاليف الإلهية، وسخّر له مافي السموات وما في الأرض جميعاً.

وتصديقا برسالة محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أرسله الله بالهدى، ودين الحق، رحمة للعالمين، ومحرراً للمستعبدين، ومحطما للطواغيت والمستكبرين، والذي أعلنت المساواة بين البشر كافة، فلا فضلا لأحد على أحد إلا بالتقوى، وألغى الفوارق والكراهية بين الناس; الذين خلقهم الله من نفس واحدة.

وانطلاقاً من عقيدة التوحيد الخالص; التي قام عليها بناء الإسلام، والتي دعت البشر كافة ألا يعبدوا إلا الله، ولا يشركوا به شيئاً. ولا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، والتي وضعت الأساس الحقيقي لحرية البشر المسؤولية، وكرامتهم، وأعلنت تحرير الإنسان من العبودية للإنسان.

وتحقيقاً لما جاءت به الشريعة الإسلامية الخالدة، من المحافظة على الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، والنسل، وما امتازت به من الشمول والوسطية في كل مواقفها وأحكامها، فمزجت بين الروح والمادة وأخذت بين العقل والقلب.

وتأكيداً للدور الحضاري والتاريخي للأمة الإسلامية; التي جعلها الله خير أمة أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة، ربطت الدنيا بالآخرة، وجمعت بين العلم والإيمان، وما يُرجى أن تقوم به هذه الأمة لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتنافسة، وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.

ومساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان; التي تهدف إلى حمايته من الاستغلال، والاضطهاد، وتهدف إلى تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة، التي تتّفق مع الشريعة الإسلامية.

وثقة منها بأن البشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأنا بعيداً، لاتزال، وستبقى في حاجة ماسة إلى سند إيماني لحضارتها، وإلى وازع ذاتي يحرس حقوقها.

وإيماناً بأنّ الحقوق الأساسية، والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين، لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كلياً أو جزئياً، أو خرقها، أو تجاهلها في أحكام إلهية تكليفية، أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله وتمم بها ما جاءت به الرسالات السماوية، وأصبحت رعايتها عبادة، وإهمالها، أو العدوان عليها منكراً في الدين، وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن، إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تأسيساً على ذلك تعلن مايلي:

المادة الأولى:

أ - البشر جميعاً أسرة واحدة، جمعت بينهم العبودية للّه، والنبوة لآدم، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف والمسؤولية، دون تمييز بينهم بسبب العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو المعتقد الديني، أو الإنتماء السياسي، أو الوضع الاجتماعي، أو غير ذلك من الاعتبارات. وإن العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان.

ب - إن الخلق كلهم عيال الله، وإن أحبهم إليه أنفعهم لعياله، وإنه لا فضل لأحد منهم على الآخر إلاّ بالتقوى، والعمل الصالح.

المادة الثانية:

أ - الحياة هبة الله، وهي مكفولة لكل إنسان، وعلى الأفراد، والمجتمعات، والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولايجوز إزهاق روح دون مقتضى شرعي.

ب - يحرم اللجوء إلى وسائل تفضي إلى إفناء النوع البشري.

ج - المحافظة على استمرار الحياة البشرية إلى ما شاء الله واجب شرعي.

د - يجب أن تصان حرمة جنازة الإنسان، وألا تنتهك، كما يحرم تشريحه إلا بمجوز شرعي، وعلى الدول ضمان ذلك.

المادة الثالثة:

أ - في حالة استعمال القوة، أو المنازعات المسلّحة لايجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال كالشيخ، والمرأة، والطفل. وللجريح والمريض الحق في أن يداوى، وللأسير أن يطعم، ويروى، ويكسى. ويحرم التمثيل  بالقتلى، ويجوز تبادل الأسرى، وتلاقي اجتماع الأسر التي فرّقتها ظروف القتال.

ب - لا يجوز قطع الشجر، أو إتلاف الزرع والضرّع، أو تخريب المباني والمنشآت المدنية للعدو بقصف، أو نسف، أو غير ذلك.

المادة الرابعة:

ولكل إنسان حرمته، والحفاظ على سمعته في حياته، وبعد موته، وعلى الدولة والمجتمع حماية جثمانه، ومدفنه.

المادة الخامسة:

أ - الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها، وللرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق، أو اللون، أو الجنسية.

ب - على المجتمع والدولة إزالة العوائق أمام الزواج، وتيسير سبله، وحماية الأسرة، ورعايتها.

المادة السادسة:

أ - المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدنية، وذمتها المالية المستقلة، وحق الاحتفاظ باسمها، ونسبها.

ب - على الرجل عبء الإنفاق على الأسرة، ومسؤولية رعايتها.

المادة السابعة:

أ- لكل طفل منذ ولادته حق على الأبوين والمجتمع، والدولة في الحضانة، والتربية، والرعاية المادية، والعلمية، والأدبية، كما تجب حماية الجنين والأم، وإعطاؤهما عناية خاصة.

ب - للآباء ومن بحكمهم الحق في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم، مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية، والأحكام الشرعية.

ج - للأبوين على الأبناء حقوقهما، وللأقارب حق على ذويهم; وفقاً لأحكام الشريعة.

المادة الثامنة:

لكل إنسان التمتع بأهليته الشرعية من حيث الإلزام والالتزام، وإذا فقدت أهليته، وانتقصت، قام وليه مقامه.

المادة التاسعة:

أ- طلب العلم فريضة، والتعليم واجب على المجتمع والدولة، وعليها تأمين سبله، ووسائله، وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع، ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام، وحقائق الكون، وتسخيرها لخير البشرية.

ب - من حق كل إنسان على مؤسسات التربية، والتوجيه المختلفة من الأسرة، والمدرسة، والجامعة، وأجهزة الإعلام، وغيرها أن  تعمل على تربية الإنسان دينياً ودنيوياً، تربية متكاملة ومتوازنة، تنمي شخصيته، وتعزز إيمانه بالله، واحترامه للحقوق والواجبات، وحمايتها.

المادة العاشرة:

لما كان على الإنسان أن يتبع الإسلام دين الفطرة، فإنه لا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه عليه، كما لا يجوز استغلال فقره، أو ضعفه، أو جهله لتغيير دينه إلى دين آخر، أو إلى الإلحاد.

المادة الحادية عشرة:

أ - يولد الإنسان حراً، وليس لأحد أن يستعبده، أو يذله، أو يقهره، أو يستغله، ولا عبودية لغير الله تعالى.

ب - الاستعمار بشتى أنواعه، وباعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد محرم تحريماً مؤكداً، وللشعوب التي تعانيه الحق الكامل للتحرر منه، وفي تقرير المصير.

وعلى جميع الدول والشعوب واجب النصرة لها في كفاحها لتصفية كل أشكال الاستعمار، أو الاحتلال، ولجميع الشعوب الحق في الاحتفاظ بشخصيتها المستقلة، والسيطرة على ثرواتها، ومواردها الطبيعية.

المادة الثانية عشرة:

لكل إنسان الحق في إطار الشريعة بحرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده، أو خارجها، وله إذا اضطهد حق اللجو إلى بلد آخر، وعلى البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغه مأمنه، مالم يكن سبب اللجوء اقتراف جريمة في نظر الشرع.

المادة الثالثة عشرة:

العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به; مما تحقق به مصلحته، ومصلحة المجتمع. وللعامل حقه في الأمن والسلامة، وفي كافة الضمانات الاجتماعية الأخرى. ولا يجوز تكليفة بما لا يطيقه، أو إكراهه، أو استغلاله. أو الإضرار به، وله - دون تمييز بين الذكر والأنثى - أن يتقاضى أجراً عادلاً مقابل عمله دون تأخير، وله الإجازات، والعلاوات، والترقيات التي يستحقها. وهو مطالب بالإخلاص والإتقان، وإذا اختلف العمال وأصحاب العمل فعلى الدولة أن تتدخل لفض النزاع، ورفع الظلم، وإقرار الحق، والإلزام بالعدل دون تحيّز.

المادة الرابعة عشرة:

للإنسان الحق في الكسب المشروع، دون احتكار، أوغش أو إضرار بالنفس، أو بالغير، والربا ممنوع مؤكداً.

المادة الخامسة عشرة:

أ- لكل إنسان الحق في التملك بالطرق الشرعية، والتمتع بحقوق الملكية، بما لا يضرّ به، أو بغيره من الأفراد أو المجتمع، ولا يجوز نزع الملكية إلا لضرورات المنفعة العامة، ومقابل تعويض فوري، وعادل.

ب - تحرم مصادرة الأموال، وحجزها إلا بمقتضى شرعي.

المادة السادسة عشرة:

لكل إنسان الحق في الانتفاع بثمرات إنتاجه العملي، أو الأدبي، أو الفني، أو التقني، وله الحق في حماية مصالحه الأدبية والمالية الناشئة عنه، على أن يكون هذا الانتاج غير مناف لأحكام الشريعة.

المادة السابعة عشرة:

أ - لكل إنسان الحق في أن يعيش بيئة نظيفة من المفاسد، والأوبئة الأخلاقية، وتمكنه من بناء ذاته معنوياً، وعلى المجتمع والدولة أن يوفّرا له هذا الحق.

لكل إنسان على مجتمعه ودولته حق الرعاية الصحية، والاجتماعية، بتهيئة جميع المرافق العامة التي يحتاج إليها، في حدود الإمكانات المتاحة.

ج - تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم، يحقق له تمام كفايته، وكفاية من يعوله، ويشمل ذلك المأكل، والملبس، والمسكن، والتعليم، والعلاج، وسائر الحاجات الأساسية.

المادة الثامنة عشرة:

أ - لكل إنسان الحق في أن يعيش آمناً على نفسه، ودينه، وأهله، وعرضه، وماله.

ب - للإنسان الحق في الاستقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه، وأسرته، وماله، واتصالاته، ولا يجوز التجسس، أو الرقابة عليه، أو الإساءة إلى سمعته، وتجب حمايته من كل تدخل تعسفي.

ج - للمسكن حرمته في كل حال، ولا يجوز دخوله بغير إذن أهله، أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه، أو مصادرته، أو تشريد أهله منه.

المادة التاسعة عشرة:

أ - الناس سواسية امام الشرع يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.

ب - حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع.

ج - المسؤولية في أساسها شخصية.

د - لا جريمة، ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة.

هـ - المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة، تؤمن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه.

المادة العشرون:

لايجوز القبض على إنسان، أو تقييد حريته، أو نفيه، أو عقابه بغير موجب شرعي، ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني، أو النفسي، أو لأي نوع من المعاملات المذلة، أو القاسية، أو المنافية للكرامة الإنسانية، كما لا يجوز إخضاع أي فرد للتجارب الطبية، أو العملية إلاّ برضاه، وبشرط عدم تعرّض صحته وحياته للخطر، كما لايجوز سنّ القوانين الاستثنائية التي تخول ذلك للسلطات التنفيذية.

المادة الثانية والعشرون:

أ - لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.

ب - لكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير، والنهي عن المنكر، وفقاً لضوابط الشريعة الإسلامية.

ج - الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات، وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم، أو إصابة المجتمع بالتفكك، أو الانحلال، أو الضرر، أو زعزعة الاعتقاد.

د - لاتجوز إثارة الكراهية القومية، والمذهبية، وكل ما يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بكافة أشكاله.

المادة الثالثة والعشرون:

أ - الولاية أمانة، يحرم الاستبداد فيها، وسوء استغلالها تحريماً مؤكداً، ضماناً للحقوق الأساسية للإنسان.

ب - لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلّد الوظائف العامة وفقاً لأحكام الشريعة.

المادة الرابعة والعشرون:

كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيّدة بأحكام الشريعة الإسلامية.

المادة الخامسة والعشرون:

الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير، أو توضيح أي مادة من مواد الإعلان.

 المبحث الثالث - ملاحظات حول الإعلان الإسلامي:

توّج الإعلان الإسلامي بمقدمة تتضمن الأسس والمنطلقات التي بني عليها الإعلان، وهي: الإيمان بالله تعالى، والتصديق بالإسلام دين الحق، دين تحرير المستعبدين وتحطيم الطواغيت، دين التوحيد الخالص.

كما تضمن الاعتماد على التشريع الإسلامي الذي قصد المحافظة على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، واعتبار الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة، وساهمت في حماية حقوق الإنسان، والحاجة للسند الإيماني للحضارة، واعتبار أن الحقوق والحريات الأساسية جزء من الدين، ولا يملك أحد تعطيلها.

وسكت الإعلان عن ضرورة تطبيق أحكام الشريعة الغراء، وبيان الصلة الوثيقة بين هذه الحقوق خاصة، والأحكام الشرعية عامة، بالنظام الاخلاقي في الإسلام، كما غفلت المقدمة عن التذكير بفكرة عالمية الإسلام، لأنه دين الفطرة، وأن هذه الحقوق لا تنحصر بالمسلمين، فالفطرة لا تختلف من إنسان لآخر ([46]).

وقد جاء هذا الإعلان أكثر تفصيلاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتضمن مسائل لم يشر إليها ذلك الإعلان ومنها:

1- الإشارة إلى أحكام الحروب في المادة الثالثة منه حيث ضمنت أحكام الإسلام فيما يتعلق بالشيخ والمرأة والطفل في الحرب، والجريح والمريض والأسير، وحرمة التمثيل، وحرمة قطع الشجر أو إتلاف الزرع والضرع. (المادة الثالثة).

2- الحفاظ على سمعة الإنسان في حياته وبعد موته وحماية جثمانه ومدفنه (المادة الرابعة).

3- على الدولة والمجتمع إزالة العوائق أمام الزواج وتيسير سبله (المادة الخامسة).

4- جعل عبء الانفاق على الأسرة على عاتق الرجل وفقاً لأحكام الشريعة (المادة السادسة).

5- ذكر حقوق الأبوين على الأبناء، وحق الأقارب على ذويهم وفقاً لأحكام الشرع (المادة السابعة).

6- الإشارة إلى أن الاستعمار بشتى أنواعه باعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد محرم تحريماً مؤكداً. وللشعوب الحق الكامل للتحرر منه، والإشارة إلى أن واجب النصرة لهذه الشعوب واجب على جميع الدول والشعوب (المادة الحادية عشرة).

7- كفالة الدولة والمجتمع لحق العمل لكل قادر عليه. (المادة الثالثة عشرة).

8- الإشارة إلى الحق في الكسب المشروع دون احتكار أو غش أو إضرار بالنفس أو الغير، ومنع الربا.

9- الإشارة إلى دور الدولة وكفالتها لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعول.. (المادة السابعة عشرة).

10- الإشارة إلى أن الإعلام ضرورة للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات، وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الاخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك والانحلال، والضرر أو زعزعة الاعتقاد. (المادة الثانية والعشرين).

وقد كانت كل هذه المسائل ميّزات للإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان على الإعلان العالمي، ومما لاشك فيه أن واضعي الاعلان الإسلامي قد استفادوا في ذلك من جملة أمور، منها:

أولاً - ما تميزت به الشريعة الإسلامية من أحكام جرى اثباتها في الإعلان الإسلامي.

ثانياً - مرور فترة زمنية تغيرت خلالها العبارات، وبرزت فيها مصطلحات جديدة، وتشكلت حقوق حديثة، نتيجة التطور والتقدم الاجتماعي، والعلمي، فقد صدر الإعلان العالمي سنة 1948، بينما صدر الإعلان الإسلامي سنة 1989، أي بفارق واحد وأربعين سنة تقريبا.

ولابد من الإشارة إلى تأثر الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان بالإعلان العالمي، لاسيما في الصياغة والترتيب، واقتباس المبادئ التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهي كثيرة جداً، كما لابد من الإشارة الى الاختلاف حول مسألة أثر الدين في الزواج، حيث يمنع الإعلان العالمي من أن يكون الدين عائقا أمام الزواج، فيما أسقط الإعلان الإسلامي مسألة عدم كون الدين عائقا حيث جاء النص:

«..وللرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون، أو الجنسية»  (المادة الرابعة).

وبهذا جاء النص متوافقا مع الشريعة الإسلامية التي تعتبر اختلاف الدين مانعا من موانع الزواج، وخصوصا عندما تكون المرأة مسلمة.

وأخيراً الإشارة إلى الاختلاف حول مسألة تغيير الدين، حيث أباح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للإنسان حرية تغيير دينه ومعتقداته. وهذا مخالف لأحكام الشرع، الذي يمنع خروج الإنسان من الإسلام بعد دخوله، ويسمي ذلك ردة، لذلك، جاء الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان خالياً من الإشارة إلى الحق في تغيير الدين.

 المبحث الرابع - المكانة القانونية لحقوق الإنسان في الإسلام:

لن نتعرض للمكانة أو القيمة القانونية للإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان بشكل خاص، ولكننا سنتعرض للمكانة القانونية لحقوق الإنسان في الإسلام، وما هو موقف الشريعة من هذه الحقوق، إذ أن القيمة القانونية للإعلان رهن بمدى احترام واضعيه لمبادئه وهو في الحقيقة ليس أكثر إلزاما لموقعيه من إلزام الإعلان العالمي لموقعيه.

إن الإنسان في المفهوم الإسلامي كما قلنا سابقا، هو محور هذا الكون، وكل شيء مسخّر له في السماوات والأرض، وهو محل التكريم الإلهي.

وكل ماجاء به الإسلام من تشريعات وأحكام، إنما كان الهدف منها تحقيق مصلحة الإنسان، سواء أكانت الأحكام أمرا أم نهيا، تحليلا أو تحريما، ندبا أو كراهة أو إباحة والإنسان هو المحور الذي تدور الشريعة حوله، فهو المخاطب بها، وبها تتعلق مصالحه. لهذا ليس في الشريعة شيء من الأحكام إلاّ وهو موضوع لمصلحة الإنسان، في الدنيا والآخرة.

وحقوق الإنسان كما اصطلح حديثا على تسميتها، هي المصالح المقررة لهذا الإنسان من قبل الشارع الحكيم. وإذا قرر الشارع مصلحة للإنسان، فهي إما أن تكون لازمة، ليس له حق التخلي عنها، وإما أن تكون غير لازمة، بمعنى أن له أن يتخلى عنها. وقد ورد معنا عند الحديث عن تقسيم الحقوق أنها قسمان: قسم يقبل الإسقاط، وقسم لا يقبل الإسقاط .

وهذا التقسيم ينطبق على مايسمى اصطلاحا بحقوق الإنسان. فإذا ذكرنا بعض هذه الحقوق، نجد أن الإسلام يمنع المسلم من التنازل عن حقه في الحياة، وعن حقه في الحرية، وعن حقه في الكفاية،... الخ.

ومما لاشك فيه، فأن بـإمكان الإنسان أن يتنازل عن بعض الحقوق، كحق الملكية، وحقه في الزواج، وحقه في الانتقال... الخ، وهذا ليس على سبيل الإطلاق.

والإسلام يعتبر أن من حق كل فرد أن يتمتع بهذه الحقوق، وأن  على المجتمع أن يضمن لكل فرد أن يتمتع بهذه الحقوق.

بل وأشد من ذلك، ان الإسلام اعتبر هذه الحقوق ضرورات، وأدخلها في إطار الواجبات، فالمأكل والملبس والمسكن والأمن والحرية في الفكر والاعتقاد والتعبير والعلم والتعليم... والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع، والمراقبة والمحاسبة لأولياء الأمور.. والثورة لتغيير نظم الضعف أو الجور والفسق والفساد، كل هذه الأمور في نظر الإسلام ليست فقط حقوقا للإنسان من حقه أن يطلبها ويسعى في سبيلها ويتمسك بالحصول عليها، ويحرم صده عن طلبها، وإنما هي ضرورات واجبة لهذا الإنسان، بل أنها واجبات عليه أيضاً ([47]).

بل ان الإنسان يأثم إذا فرّط في أي حق من هذه الحقوق، فالاعتداء على الحياة هو جريمة كبرى، سواء اعتدى الآخرون على هذه الحياة، أم اعتدى عليها صاحبها، وكذلك لا يحق للإنسان أن يجعل نفسه رقيقا مستعبدا.

من أجل ذلك أوجب الإسلام على الإنسان فردا وجماعة الجهاد من أجل حفظ حقوقه، لحفظ حقه في الحياة، ولحفظ حقه في الحرية، ولحفظ حقه في الثروة، وهكذا بقية الحقوق،. وقد جاء في الحديث الشريف: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد».

وكذلك نجد في الإسلام الحث على الجهاد من أجل الحفاظ على العزة، والعزة هي منتهى التمتع بجميع الحقوق، فالعزيز هو الذي إذا قرر أمرا فلا يملك أحد رد قراره، وقد جاء في الحديث الشريف: «ماترك قوم الجهاد إلا ذلوا». والحقيقة ان مبدأ الجهاد في الإسلام يهدف إلى تمكين الأمة من سلوك كل السبل من أجل إثبات حقوق الإنسان وحرياته وكرامته وعزته، وقد فهم ذلك، وعبّر عنه أفضل تعبير رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى كسرى، عندما بين له فهم المسلمين لرسالتهم ودينهم بقوله: «لقد أرسلنا الله تعالى بهذا الدين، لنخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد» فأي مفهوم هو أرقى من هذا المفهوم لهذا الدين، وهو تحرير الإنسانية من خضوع الفرد للفرد، وربطه بالقوة المطلقة، التي لا تخضع لأهواء ونزوات الأفراد أو الجماعات، ولا تمارس الإكراه، وإنما تترك للإنسان الحرية الكاملة لاختيار عقيدته، ولممارسة قناعاته، بما لا يؤدي إلى الإضرار بالآخر، أو الانتقاص من حقوقه الثابتة له بحكم الشريعة الإلهية.

من هنا نرى أن حقوق الإنسان في الإسلام مقررة من قبل الشارع الحكيم; الله تبارك. وان الحفاظ عليها من الدين، ومخالفتها هي مخالفة للدين، تعود على صاحبها بالإثم والعقوبة.

ولما كانت الحياة في ظل إنعدام تمتع الإنسان بحقوقه، حياة ضيق وحرج ومعاناة نجد أن فقهاء الإسلام قد أدركوا هذه الحقيقة، وفهموا أن الشريعة قد جاءت لرفع الحرج، والحفاظ على الحياة في أرقى مستوى ممكن، واعتبروا أن مقاصد الشريعة هي حفظ كليات خمسة تندرج تحتها كافة الحقوق التي لا غنى للإنسان عنها وهي:

1- حفظ الدين.

2- حفظ النفس.

3- حفظ النسل.

4- حفظ العقل.

5- حفظ المال.

وهذه الكليات متعلقة جميعها بالإنسان ([48]).

ونورد هنا ما ذكره الشاطبي في موافقاته بعنوان: في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة. قال:

«تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق. وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: «أحدها» أن تكون ضرورية. والثاني، أن تكون حاجية. والثالث أن تكون تحسينية.

(فأما الضرورية) فمعناها أنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج، وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين.

والحفظ لها يكون بأمرين: «أحدهما» مايقيم أركانها ويثبت قواعدها. وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. «والثاني» مايدرأ عنها الإختلاف الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم ([49]).

فإذا كان الإنسان هو الأساس. فإن حفظ مصالحه وحقوقه في اهتمام الشريعة هو أساس أيضاً. وليس هناك قيمة قانونية أعلى من هذه القيمة. أن لا يعطي أحد الحق في انتزاع حقوق جعلها الله للإنسان، فالحاكم لا يستطيع ذلك، والشرع من عند الله، وليس لأحد الحق في تعديله أو تبديله، إذ أن حق التشريع للّه وحده، وأما البشر فيجتهدون فيما لا نص فيه، ولا اجتهاد في مورد النص.

 الفصل الرابع: تصنيف حقوق الإنسان

 تطرق ميثاق الأمم المتحدة لما تركته الحروب العالمية من آثار وأحزان على البشرية، وعبّرت المادة الثالثة عشر من هذا الميثاق عن الرغبة في العمل من أجل: «الاعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء».

وبعد ثلاث سنوات من قيام الأمم المتحدة عمدت هذه المنظمة إلى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد تضمن ديباجة وثلاثون مادة كما مر معنا، وتعدد الديباجة الأسباب التي دفعت الدول الأعضاء لإصدار هذا الإعلان، فقالت: بأن الاعتراف بحقوق الأفراد المتساوية والثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ثم عددت مواد الميثاق هذه الحقوق بصفة عامة، بما يجعله مجرد وثيقة ذات صفة اعلانية يمكن أن تضاف الى الوثائق الدستورية والإعلانات الأخرى التي سبقته.

وبسبب هذه الصفة الإعلانية، والعامة، وغير الملزمة، سعت المنظمة الدولية من أجل التوصل إلى صيغ أخرى تكون نابعة من روح الإعلان وترتدي طابعاً إلزامياً من خلال إنشاء نوع من الرقابة الدولية لمعرفة مدى إحترام الدول للمواثيق الجديدة.

وبعد عدة سنوات، تم التوصل من قبل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى وضع صيغة هامة لميثاق دولي، يتناول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة، والحقوق المدنية والسياسية من جهة أخرى، وذلك في عام 1954. إلا أنه وبسبب معارضة بعض الدول لفكرة إصدار وثيقة واحدة تشمل كل هذه الحقوق، فقد تم الاتفاق على اصدار وثيقتين منفصلتين تعالج كل منهما قسما من الحقوق المشار إليها الا أن الأمم المتحدة لم تستطع اعتماد هذه الوثائق إلا في عام 1966 ولم تضعها موضع التطبيق إلا في عام 1976 ([50]).

 المبحث الأول - الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية

والاجتماعية والثقافية:

يتألف هذا الميثاق من مقدمة وإحدى وثلاثون مادة موزعة على خمسة أجزاء.

1- الجزء الأول: (المادة الأولى) ويتضمن حق الشعوب بتقرير مصيرها، والمساواة، وعدم التمييز بينها وحق الشعوب بالتصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية. (مع الإجازة للدول النامية بتقرير المدة التي تضمن عنده الحقوق الاقتصادية وفقاً لإمكانياتها).

2- الجزء الثاني: (المواد 2 - 5): ويتناول مدى التزام الدول بأحكام الميثاق.

3- الجزء الثالث: (المواد 6 - 15): ويتناول:

أ - الحق بالعمل والتدريب والتوجيه.

ب - الحق بالتمتع بشروط عمل عادلة ومرضية والحق في تشكيل النقابات والإنضمام إليها، والحق في الإضراب.

ج - الحق بالضمان الاجتماعي والأمن الغذائي والصحي.

د - حق الأسرة والأمهات والأطفال والمراهقين في أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة، والحق في مستوى معيشي كاف، والحق في الصحة البدنية والعقلية.

هـ - حق كل فرد في الثقافة والحياة الثقافية، وحق التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي للجميع، وتيسير التعليم الثانوي والمهني والفني والتعليم العالي.

4- الجزء الرابع: (المواد 16 - 25) ويتضمن تنظيم الإشراف الدولي على تطبيق هذا الميثاق.

5- الجزء الخامس: (المواد 26 - 31) ويتضمن اجراءات التصديق والتنفيذ.

وتتعهد الدول الأطراف في الميثاق على أن تقوم منفردة، ومن خلال المساعدة والتعاون الدوليين، باتخاذ الخطوات، خاصة الاقتصادية والفنية، ولأقصى ما تسمح به مواردها المتوافرة من أجل التوصل تدريجياً للتحقيق الكامل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، بكافة الطرق المناسبة، بما في ذلك وعلى وجه الخصوص سن القوانين ([51]).

 المبحث الثاني - الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

ويتألف هذا الميثاق من مقدمة وثلاث وخمسون مادة موزعة على ستة أجزاء، ويتضمن:

1- الجزء الأول - (المادة الأولى) ويتناول:

أ - حق الشعوب في تقرير مصيرها والمساواة وعدم التمييز بينها.

ب - حق الشعوب بالتصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية.

2- الجزء الثاني - (المواد 2 - 5) ويتناول مدى التزام الدول بأحكام الميثاق.

3- الجزء الثالث - (المواد 6 - 27) ويتناول بصورة مباشرة حقوق الإنسان المدنية والسياسية ويفصلها على الشكل التالي:

لكل إنسان حق أصيل في الحياة، وعدم الخضوع للتعذيب، وعدم توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً وحرية التنقل واختيار مكان الإقامة، والحق في عدم إبعاد الأجنبي بشكل تعسفي، والحق في المساواة أمام القانون ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون، وحق كل إنسان في أن يعترف به كشخص أمام القانون، وحرمة الحياة الخاصة، وحرية الفكر والضمير والدين، وحرية التعبير، والحق في التجمع السلمي، وفي إنشاء الجمعيات والنقابات والانضمام إليها كما يؤكد الميثاق على حظر الرق، وعدم جواز حبس الإنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي وعدم رجعية القوانين الجزائية.

ومن الملاحظ أن الميثاق خلا من الإشارة إلى الحق في الملكية، والحق في اللجوء، ولكنه في المقابل أعطى الأقليات الاثنية والدينية واللغوية حقوقاً واضحة، إذ حرّم على الدول التي توجد فيها مثل هذه الأقليات أن ينكر على أي شخص من أبناء هذه الأقليات حق التمتع بثقافتها، والمجاهرة بدينها وإقامة الشعائر واستعمال لغتها مع أبناء جماعتها الآخرين([52]).

4- الجزء الرابع - (المواد 28 - 45) ويتناول إنشاء لجنة تسمى لجنة حقوق الإنسان وتكوينها وطريقة عملها. والأهداف التي تقوم من أجلها.

5- الجزء الخامس - (المواد 46 - 47) وتحظر تفسير أي حكم من الميثاق بما يتعارض والأحكام الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.

6- الجزء السادس - (المواد 48 - 53) وتتعلق بتنفيذ الميثاق وسريانه.

ومع أن الميثاق أداة قانونية ملزمة للدول الأطراف، إلا أن مايحد من فعاليته هو عدم وجود آلية لتنفيذ أحكامه، وعدم وجود جزاءات باستثناء الرأي العام العالمي، والطبيعة غير التنفيذية لهذه الأحكام، وقابلية معظمها للتعليق أثناء حالة الطوارئ ([53]).

المبحث الثالث - سبب وجود ميثاقين:

يرجع السبب إلى تقسيم حقوق الإنسان وحرياته على هذين الميثاقين; الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلى معارضة بعض الدول لجمع كل هذه الحقوق في ميثاق واحد. ذلك أن القسم المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية تجب المبادرة إلى الإلتزام به فوراً ودونما تأخير وهو لا يرتب على الدول أعباء مادية غير عادية.

أما القسم المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن الأخذ به يرتب على الدول مسؤوليات مادية ضخمة نظراً للتكاليف الباهضة للإلتزامات المترتبة عليه. من هنا جاء النص بالإجازة للدول النامية بتقرير المدى الذي تضمن عنده الحقوق الاقتصادية لغير المواطنين وفقاً لإمكانياتها.

الفصل الخامس: الدولة وحقوق الإنسان

 المبحث الأول - وظائف الدولة في المفهوم الفقهي الغربي:

انقسم الفقه السياسي الغربي بين مفهومين لوظفية الدولة; دولة الحماية، ودولة الرعاية.

فذهب الليبراليون إلى أن واجب الدولة هو تأمين الحماية للمواطنين وترك الحياة الاقتصادية والاجتماعية تسير دون تدخل من قبل الدولة، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما افترضوا أنه ليس من واجب الدولة، وليس من حقها أن تقف عائقاً في وجه الأفراد، وهم يمارسون أعمالهم بحرية مطلقة، كاملة، وذلك باعتمادهم مبدأ «دعه يمر دعه يعمل» (laissez passer, laissez faire) فمن خلال فهمهم لهذه القاعدة يتبين أن هؤلاء لا يرون للدولة اية وظيفة سوى تأمين الحماية البوليسية للأفراد ولنشاطهم وأعمالهم وتجارتهم.

أما أصحاب المذاهب الاشتراكية فيرون أن للدولة وظائف أخرى سوى الحماية، تتمثل في رعاية كافة النشاطات الانسانية، السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفكرية، والثقافية، وعرف هؤلاء بأنصار دولة الرعاية التي يحق لها أن تتدخل في كل نشاط يتم ضمن دائرة سيادتها، بما يحفظ للمجتمع الذي تمثل الدولة وجهه السياسي، مصالحه السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، والفكرية، والثقافية، بحسب مفهوم السلطة السياسية في الدولة لهذه المصلحة.

ولايخفى على الباحث أنه إذا كان هناك من تشدد في التمسك بنظريته من الطرفين، فقد برز من بين رجال  الفقه والسياسية من يدعو إلى المزاوجة بين النظريتين، والأخذ بمحاسن كل منهما لإيجاد دولة تتدخل في تنظيم الشؤون إلى حد معين، غير مطلق، ضمن ضوابط لا تلغي حرية الآخرين، ولا تعيق حركتهم إلا بالقدر الذي يمنع الضرر عن المجتمع جراء نشاطهم وتصرفاتهم، فكانت الأنظمة الاشتراكية الغربية، وكانت هناك الدول التي مكّنت الفرد من تحقيق حريته إلى أبعد الحدود على الصعيد الشخصي، وفي الوقت عينه حدّت من تلك الحرية على الصعيد الاقتصادي، ضمن أنظمة وضوابط تحقق المساواة بين كافة أفراد المجتمع([54]).

المبحث الثاني - الدولة ودورها في مسألة حقوق الإنسان في المفهوم الغربي:

الدولة سلطة، وحقوق الإنسان وحرياته السياسية والأساسية تتعارض مع سلطان الدولة. وهذه الحريات  والحقوق تقوى كلما ضعف سلطان الدولة على الأفراد، وتضعف كلما قوى هذا السلطان، وسنقسم هذا المبحث إلى جزئين: الأول يتعلق بالحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني: يتعلق بالحقوق والحريات المدنية والسياسية.

أولاً - الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

أما الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية فإنها لا توجد ولا تقوى إلا إذا قامت الدولة بدور إيجابي لإيجادها وتقويتها، وهي تستوجب بالتالي توسيع سلطان الدولة.

وبالفعل فإنه في ظل النظام الاقتصادي الحر وقعت الكثير من المخالفات، وساد الاستغلال والطغيان إلى حد انه كان لابد للدولة من أن تتدخل، وتضع حداً للإستغلال والتفاوت والطغيان. وكان السبيل الوحيد أمامها هو إخضاع الاقتصاد لسلطانها، بحيث صار موجهاً بإرادتها نحو أهداف معينة ترسمها للتنمية الشاملة. ومن أجل ذلك عمدت إلى العديد من الإجراءات، من مراقبة وتخطيط وإدارة مشاريع عامة وإعادة توزيع للثروة عبر فرض الضرائب، وإعادة توزيعها على المواطنين، أما عن طريق تأمين خدمات عامة، أو عن طريق مؤسسات الضمان الاجتماعي والصحي ومكاتب العمل الوطني التي تؤمن دخلاً مناسباً للعاطلين عن العمل.

وحتى في الدولة التي يبدو فيها النظام مؤسسات على أساس المبادرة الفردية والنظام الاقتصادي الحر، نرى أن أنظار الناس تتجه نحو الدولة كلما لاحت في الأفق بوادر أزمة اقتصادية، كمثل الولايات المتحدة الأميركية التي أدرك شعبها منذ أزمة عام 1930 أهمية القدرة التي تملكها الدولة، والتي تمكنها من تصحيح الخلل الاقتصادي بغية الحفاظ على الإزدهار.

ويرى البعض انه إذا كان الإزدهار الاقتصادي في الولايات المتحدة لم يأت نتيجة لتدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، فمن المؤكد أن هذا التدخل هو الضمان الأساسي لاستمراره.

والحقوق والحريات الاقتصادية لا تتحقق بالإعلان عنها، والالتزام بمجرد التوقيع على اعلاناتها، بل لابد من تدخل الدولة من أجل إقرارها على الصعيد الداخلي، ومن أجل إصدار القوانين، التي تنظمها وتضعها موضع التنفيذ، وهذا يدلنا على الدور الكبير للقوانين المكملة للدساتير في حماية الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية.

فلئن كانت الدساتير تقف عند تسجيل المبادئ الرئيسية وتقرير الحقوق والحريات - تاركة للقوانين والقرارات الإدارية والتنظيمية وضع التفصيلات والإجراءات اللازمة لتطبيق المبادئ وتنظيم كيفية ممارسة الحقوق والحريات، إلا أنه بغير صدور هذه القوانين والقرارات لا يمكن تصور قيام الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم فإن هذه الحقوق والحريات لا تستكمل كيانها، وعناصرها، وتفصيلاتها، وضمانات حمايتها، الا بالقوانين والقرارات الصادرة بشأنها ([55]).

ثانياً - الحقوق والحريات السياسية والمدنية:

مما لاشك فيه أن دور الدولة - السلطة، لناحية تأمين الحقوق والحريات السياسية والمدنية، لا يقل أهمية عن دورها لناحية تأمين الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغالباً ما تتضمن الدساتير بنوداً تحدد هذه الحريات، ودور الدولة في تأمينها، وذلك عبر تحقيق عدد من المبادئ، وأهمها:

1- المساواة بين المواطنين في حق الاقتراع والاستفادة من المرافق العامة، والمساواة أمام القانون.

2- مبدأ فصل السلطات، وجعل كل سلطة مستقلة عن الأخرى في إنفاذ مهامها ، وتحقيق وظائفها، في التشريع والتنفيذ والقضاء.

3- مبدأ حرية التعبير، وحرية الرأي، والاعتقاد، والقبول بوجود المعارضة السياسية.

4- مبدأ حق الحياة.

5- مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة. وتحريم الاعتقال التعسفي.

وهكذا نجد أن دور الدولة في مسألة حقوق الإنسان وحرياته قد تطور إلى حد بعيد جدا باتجاه أن تتولى الدولة دورا كبيرا ومتعاظما.  وإن كانت من حين لآخر تصدر دعوات من هنا وهناك لابعاد الدولة عن لعب دور الرعاية الاقتصادية والاجتماعية، وبـإجراء مسح تشريعي لعدد من الدساتير نجد أن معظم الدساتير تركز على دور الدولة في إيجاد وإنفاذ حقوق الإنسان وحرياته العامة([56]).

ولعل السبب في هذا التوجه، أن الفلسفة الليبرالية انطلقت في فهمها للديمقراطية من تحديد الإنسان تحديداً مجردا عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيش فيه، فعرّفته بجوهره، وليس بخصائصه الناتجة عن الوضع المادي الذي يحيط به، فلم تأخذ بالاعتبار وضعه ككائن ضمن شبكة العلاقات المجتمعية المميزة، ولا المتطلبات الحقيقية للحرية، فكان على الديمقراطية الليبرالية أن تقيم وزنا أساسياً للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية، لتتمكن من التغلب على أزمتها. وقد اضطرت إلى أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار، تحت تأثير اشتداد الأزمات المعيشية والاجتماعية، وتصاعد نضال الحركات المطلبية، فتحولت من ديمقراطية ذات مضمون سياسي بحت إلى ديمقراطية ذات مضامين سياسية واقتصادية واجتماعية ([57]).

 المبحث الثالث - وظائف الدولة في المفهوم الفقهي الإسلامي:

يجمع المسلمون بكل مذاهبهم السياسية والفقهية على وجوب إقامة الدولة الاسلامية من أجل إنفاذ أحكام الإسلام، وإقامة شريعته، والدعوة إليه.

وقد أجمع أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) على وجوب نصب الإمام، والإمام هو رأس الدولة، والحاكم باسمها، ويربط فقهاء الفقه السياسي والدستوري الإسلامي بين عدم وجود الدولة - الإمام - وبين الفوضى والتهارج. وقد عرف الماوردي الإمامة بأنها موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ([58]).

والإمامة والخلافة في إصطلاح المسلمين تعني السلطة التي تقيم الأحكام، أي أنها الدولة.

ويعرف العلامة عبد الرحمن بن خلدون الإمامة بأنها: «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية، والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به» ([59]).

ويرى السيد محمد باقر الصدر أن الدولة ظاهرة اجتماعية أصيلة في حياة الإنسان، وقد نشأت هذه الظاهرة على يد الأنبياء، ورسالات السماء، واتخذت صيغتها السوية ومارست دورها السليم في قيادة المجتمع الإنساني، وتوجيهه من خلال ما حققه الأنبياء في هذا المجال من تنظيم اجتماعي قائم على أساس الحق والعدل، يستهدف الحفاظ على وحدة البشرية، وتطوير نموها في مسارها الصحيح ([60]).

ويرى الدكتور صبحي الصالح، أنه لا داعي لإقامة الدليل على أن الإسلام نظام كامل يشمل الدين والدولة معا، فقد انطوت نصوصه وتعاليمه على مبادئ أساسية في التشريع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي والعسكري([61]).

ويرى انه قد وضع للدولة من نظم الحكم، ومن ضمانات العدالة القضائية، ومن ضمان الأمن والسلام ومن ضمانات المعيشة الاقتصادية المعتدلة، ما يجعل الدولة خادما حقيقيا للفرد، يأتمنها على ماله وعرضه ودمه وفكره ومعتقده، وتضمن هي له، ماله غير منقوص، وعرضه غير مبذول، ودمه غير مستباح، وفكره غير مهان، ومعتقده غير مقاوم ([62]).

ويرى د. محمد المبارك ([63])، أن وظيفة الدولة تشمل نشر مبادئ الإسلام، وتعليمها، وإقامة العدل بين الناس، وإقامة الحياة على التوازن، وإعطاء الحقوق في كل ناحية ووجهة، سواء بين الأفراد، أو بين الجماعات... وكفاية العاجزين والمحتاجين، وحماية الضعفاء، كل ذلك على أساس العدل والتعاون والتكافل والمثل الأخلاقية العليا ([64]).

ومن هنا يتبين لنا أن آراء الفقهاء تميل إلى أن الدولة في الإسلام هي دولة رعاية بكل معنى الكلمة، ويقع على عاتقها تأمين كافة الضمانات للمواطن، منذ ولادته والى وفاته. ولعل أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو رئيس أول دولة اسلامية تدل على ذلك: «من ترك ضياعه فعلى ضياعه، ومن ترك دينا فعلى دينه ومن ترك مالا فلورثته».

وجاء في كتاب الإمام علي(رضي الله عنه) إلى واليه في مصر: «.. ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤس، والزمني، فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا. واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم نصيبا من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكل قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك عنهم بطر...» ([65]).

وبالإضافة إلى أن الدولة في المفهوم الفقهي الإسلامي هي دولة حراسة ورعاية فإنها أيضاً دولة دعوة وتبليغ وتقع على عاتقها مسؤولية القيام بهذا الأمر وعليها أن تجد الوسائل التي تمكنها من الوصول إلى غايتها. وهي الدولة الوحيدة التي تحمل رسالة، تعلن على الملأ آنهاتسعى لتبليغها للآخرين.

 المبحث الرابع - الدولة ومسألة حقوق الإنسان في المفهوم الفقهي الإسلامي:

تمتع المسلم بحقوق الإنسان في نظر الإسلام من مستلزمات دينه وعقيدته، وإنسان لا يتمتع بهذه الحقوق، هو أبعد ما يكون عن القدرة على إقامة شرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.

وقد حرص الإسلام على بيان أن التمكين في الأرض إنما هو السبيل لإقامة شرعه قال تعالى: (الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللّه عاقبة الأمور) ([66]).

وقال أيضا: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)([67]).

فنلاحظ أن الآيات قد ركزت على التمكين في الأرض وهو امتلاك القوة والعلم والقرار، وركّزت على الأمن بعد الخوف لتبين أن من كانت هذه حاله فلا عذر له في أن لا يعبد الله. فهناك رباط بين تمتع الإنسان بحقوقه وتقوى الله حق تقاته. وهذا لا يعني أنه مع انعدام هذه الحقوق أو معظمها أو بعضها لا تجب التقوى، بل إن حال الإنسان حينئذ تراعى فيه الاستطاعة وينطبق عليه قول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم).

وبما أن مهمة الدولة الاساسية، ووظيفتها الرئيسية، هي إقامة الدين، وحمايته، فهذا يعني أنها ملزمة بتوفير الأسباب التي تؤدي لإقامة هذا الدين، ومن أهمها وأولها، إنسان يتمتع بكل مستلزمات الحياة الآمنة المطمئنة: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) ([68]).

وبما أن الحقوق منها ما لا يمكن تأمينه بدون تدخل الدولة كالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهذا يلقي عبء القيام بالأمر على عاتق الدولة الإسلامية وإذا كانت مهمة الدولة حماية الدين ونشره، فهذا يعني أيضاً أن  الدولة ملزمة بحماية كل حق أو مبدأ دعا إليه الإسلام، أو أقره، أو أمر به.

ولعلنا نجد في كثير من الآثار المنقولة عن الخلفاء والأمراء ما يثبت أن دولة الإسلام عندما كانت قائمة فإنها أثبتت هذه الحقوق وعملت على إنفاذها. وهذا البحث لا يتسع مجاله لسردها ولكن ماذكرناه سابقا من كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) إلى وإليه على مصر، لهو خير دليل على ذلك.

وحقوق الإنسان في دولة الإسلام هي حقوق عامة تتناول المسلم وغير المسلم، فالذي يعيش في كنف الدولة الإسلامية ينعم كغيره بالضمانات الاقتصادية والاجتماعية، وينقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)أنه مر بشيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين ما هذا فقيل: له: يا أمير المؤمنين إنه نصراني. فقال الإمام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال([69]).

ونفس الرواية موجودة في كتب أهل السنة تنسب الواقعة إلى عمر بن الخطاب(رضي الله عنه).

والدولة الإسلامية ملزمة بـإيجاد المؤسسات التي تحقق من خلالها مهمتها في الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته، عبر إيجاد الضمانات المختلفة التي تمكن الانسان من نيل حقوقه وتحقق له الأمن والحرية والامكانية على كل الصعد. ومنها مؤسسات الضمان الاجتماعي، مؤسسات الضمان والتأمين الصحي والاستشفائي، مؤسسات تأمين فرص العمل وكفاية العاطلين عن العمل، المؤسسات التعليمية المجانية لكل مراحل التعليم بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى التي تضمن الحفاظ على الحريات السياسية والمدنية.

المبحث الخامس - دور الدولة كما ورد في المواثيق الدولية:

من المؤكد أن الدول التي وقّعت على المواثيق والاتفاقيات الدولية قد حرصت على أن تحتوي هذه المواثيق والاتفاقيات قد التزمت بهذا الحد الأدنى، من أجل أن لا تبقى من دون توقيع من قبل العدد الأكبر من الدول، ورغم كل ذلك فهناك دول كثيرة مازالت حتى اليوم لا تلتزم بعض هذه المواثيق والاتفاقيات.

وسنرى في هذا المبحث مدى الدور الملقى على عاتق الدول في عدد من المواثيق والاتفاقيات الدولية وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والاعلان الإسلامي لحقوق الإنسان.

إن ميثاق الأمم المتحدة رغم تعرضه لحقوق الإنسان وإشارته إليها في أكثر من مادة إلا انه اكتفى بالإعلان عن هذه الحقوق دون إلزام الدول الموقعّة عليه بأي اجراءات من أجل إنفاذ هذه الحقوق.

وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بتوسع أكبر في تعداد حقوق الإنسان وتفصيلها، إلا انه جاء أيضا خاليا من إلزام الدول بأي إجراءات لإنفاذ هذه الحقوق، سوى الإشارة الواردة في الديباجة والتي تقول: «ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان إطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها:. فالتعهد الوحيد هو بالتعاون على ضمان إطراد مراعاة حقوق الإنسان وحرياته، دون وضع أي حدود لحجم هذا التعاون. فكان الإعلان العالمي إعلانا بكل ما للكلمة من معنى.

أما الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيستدل من العبارات الواردة في موادها أنها جاءت بعبارتين تستهل بأحدهما معظم مواد الاتفاقية، وهي عبارة: «تتعهد» وعبارة «تقر» فحينما تكون العبارة تقر فهذا يعني أن المادة تتناول حقوقا يقتضي تحقيقها التزاما ذات كلفة مادية، وتفرض على الدولة إيجاد مؤسسات تعمل على إيصال هذه الحقوق إلى الإنسان، لذلك كانت العبارة «تقر».

وحينما تكون العبارة «تتعهد» فهذا يعني أن المادة تتناول حقوقا مما لا يقع على الدولة لإيجادها إلا أن تبيحها ولا تتعرض لها.

ومع تأكيد الإشارة إلى أن إيجاد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مرتبط إلى حد بعيد بدور الدولة، فإن الاتفاقية التي تناولت هذه الحقوق قد احتوت على مادتين تعطيان الدول النامية امكانية التملص من هذه الحقوق. فالفقرة - 2 -  من المادة الثانية تقول: «يجوز للأقطار النامية مع الاعتبار الكافي لحقوق الإنسان ولاقتصادها الوطني، إن تقرر المدى الذي تضمن عنده الحقوق الاقتصادية المعترف بها بالنسبة لغير المواطنين».

أما المادة الرابعة فقد جاء فيها: «تقر الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بأنه يجوز للدولة في مجال التمتع بالحقوق التي تؤمنها تمشيا مع الاتفاقية الحالية، أن تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة في القانون فقط والى المدى الذي يتمشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط ولغايات تعزيز الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي فقط».

وسنأتي على بيان اثر هذه المادة عند الحديث عن انتهاك حقوق الإنسان بواسطة القانون (التشريع).

أما الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية فكانت عباراتها أكثر إلتزاما، وتعهدت فيها الدول باحترام وتأمين الحقوق المقررة في الاتفاقية، باعتبار أن هذه الاتفاقية تناولت حقوقا وحريات معظمها سلبية أي أن دور الدولة فيها يقتصر على عدم التعرض لها وعلى منع الآخرين من التعرض لها.

على أن هذه الاتفاقية قد تضمنت أيضا مادة تستطيع كل دولة بموجبها أن تنسف بقية المواد وكل حقوق الإنسان المدنية والسياسية، فقد جاء نص المادة على الشكل التالي: «يجوز للدول الأطراف في الاتفاقية الحالية في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة، والتي يعلن عن وجودها بصفة رسمية، أن  تتخذ من الاجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقا للإتفاقية الحالية إلى المدى الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع على أن لا تتنافى هذه الاجراءات مع التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي ودون أن  تتضمن تمييزا على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل الاجتماعي فقط».

ولعل نظرة إلى واقع الحقوق والحريات في بعض دول المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية تعطينا خير دليل على مدى لجوء أنظمة الحكم إلى هذه المادة من أجل التحلل من كل إلتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات العامة.

ونأتي أخيرا إلى الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان، لنجد أن الدول الاسلامية وان كانت قد أعطت الصفة الاعلانية لهذه الحقوق، دون أن تقرر اجراءات واجبة من أجل إنفاذ هذه الحقوق والحريات، إلاّ أن محتوى الإعلان قد وضع على عاتق الدولة مسؤوليات كبيرة في إيجاد الحقوق والحريات وتمكين الناس منها، فقد وقع بموجب الإعلان على عاتق الدولة ضمان مايلي:

1- حماية حق الحياة وحرمة الجنازة والعرض أو السمعة.

2- على المجتمع والدولة إزالة العوائق أمام الزواج وتيسير سبله وحماية الأسرة ورعايتها.

3- حق الطفل في الرعاية المادية والعلمية والأدبية.

4- طلب العلم فريضة والتعليم واجب على المجتمع والدولة وعليها تأمين سبله ووسائله وضمان تنوعه.

5- العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه..  وعلى الدولة أن تتدخل لفض النزاع ورفع الظلم وإقرار الحق والإلزام بالعدل دون تحيز.

6- على المجتمع والدولة أن توفر حق العيش في بيئة نظيفة من المفاسد. ولكل إنسان على دولته حق الرعاية الصحية والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق العامة التي يحتاج إليها.

7- تتكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم، يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله، ويشمل ذلك المأكل والملبس، والمسكن، والتعليم، والعلاج، وسائر الحاجات الأساسية.

إن الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان يعطي الدولة دوراً كبيراً جداً لإنفاذ هذه الحقوق، حيث شكل في هذا المجال تقدماً كبيراً على الإعلانات والاتفاقيات الدولية التي تطرّقنا إليها، ولا يخفى أيضا ما تضمّنه الإعلان من إشارة إلى دور المجتمع في تحقيق هذه الحقوق. وهذا ينطلق من أن الإسلام يحمل المجتمع مسؤولية إقامة العدل والتكافل والتضامن بصفة عامة. وإذا كان الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان قد حقق تقدماً كبيراً على الإعلان العالمي وما تبعه من اتفاقيات دولية إلا انه يبقى دون المستوى الذي ألقاه التشريع الإسلامي على عاتق الدولة الإسلامية تجاه الإنسان المسلم، بل تجاه الإنسان الذي يعيش في كنف هذه الدولة.

 الفصل السادس: ضمانات حقوق الإنسان

 المبحث الأول - الفرد والدين وحقوق الإنسان:

إن الأمم والشعوب هي التي تساهم أكبر مساهمة في صنع مصائرها، وهي إذ تسير في خطى حياتها اليومية تشكل واقعها ومستقبلها، وما العوامل الخارجية وتأثيرها عليها إلا من بعض آثار ممارساتها، والتغيير وفقاً للقاعدة القرآنية يبدأ من نفس الإنسان.

فالإنسان هو قوام الأمة والوطن، وهو محور الحقوق والحريات الأساسية، فإذا كان صبغة هذا الإنسان الغالبة هي التخلف والجهل والخنوع واللامبالاة، فإنه لا يرجى من النصوص خير مهما كانت صياغتها رائعة، ومبادئها سامية، بل قد تصبح غطاء شفافا لواقع مؤلم ومحزن لا خروج منه الا بتغير في ذات الإنسان. لذلك لابد من التركيز على بناء الشخصية الإنسانية الحرة، والواعية لذاتها ولمحيطها ولكرامتها وعزتها، الشخصية التي تتشبث بالحق ولاتنازل عن الحرية مهما كان الدافع. لأن الحقوق والحريات إذا لم تكن قناعة راسخة، وإيماناً صلباً، في ضمير صاحبها، فإنها في نظر الحاكم أو الخصم هي أوهى وأضعف، وبقدر ما تتمسك الشعوب بحريتها فهي حرة، وبقدر ما يتمسك الفرد بحقوقه وحرياته فهو الإنسان وهو الضمان.

وإذا كانت جميع الأنظمة والشرائع في القديم والحديث قد أولت حقوق الإنسان بعض اهتمامها، فإن الإسلام أولاها من الاهتمام مالم يكن من سواه، إذ جعل العدوان على حقوق الناس وحرياتهم سببا من اسباب الجهاد، وسن القتال لتخليص المظلومين من قهر ظالميهم وفي هذا يقول الله تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً) ([70]).

بل إن الإسلام لا يرضى للإنسان أن يستكين لحياة الاستضعاف والذلة، وعليه أن يخرج من هذا الواقع بكل ما أوتي من قوة حتى ولو اضطر إلى الهجرة من البلد الذي وقع عليه الهوان فيه. قال تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والولدان، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوا غفورا) ([71]).          

المبحث الثاني - الضمانات القانونية والدستورية:

إن ضمان حقوق الإنسان من الأمور التي يصعب الالتزام بها على الصعيد العملي، نظرا لما فطر عليه الإنسان من حب للسلطة والتحكم، ولكن لما كان الحفاظ على هذه الحقوق من المطالب الأساسية فقد جاءت الضمانات عبر إيجاد مبادئ ونصوص ومؤسسات.

أما المبادئ فهي تلك التي أثبتتها وأقرتها الشرائع الدولية والشرائع السماوية.

وأما النصوص فتلك التي تضمنتها الدساتير، التي تعتبر قانون الدولة الاعلى الذي يجب أن يكون مهيمنا على مادونه من القوانين واللوائح والأنظمة  التي تسنها كل دولة من أجل انتظام الحياة السياسية والقانونية فيها.

ولاشك أن الدساتير هي المعبّر الأول عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. ولكن هذه الدساتير غالبا ما تتناول الحقوق والحريات بشكل عام وإجمالي وتترك للقوانين العادية مهمة التفصيل والتبين.

غير أن أمورا أخرى تقرها الدساتير تشكل بتنفيذها ضمانا لحقوق الإنسان وحرياته إلى حد ما. كإقرار مبدأ تعدد الأحزاب والاقتراع الشعبي المباشر وتداول السلطة، والأخذ بحق المعارضة، والأخذ بمبدأ فصل السلطات.

وتأتي بعد ذلك الضمانات التي توفرها السلطة القضائية للمواطن عبر القوانين الجزائية، التي تعتبر بحق ملاذ المواطن من كل اعتداء على حقوقه وحرياته.

ولعل أهم الضمانات لحقوق الإنسان وحرياته تتمثل في الرقابة الدستورية، هذه الرقابة التي قد تتمثل إما بالقضاء العادي، كما في بعض الدول حيث يعطي القاضي في أية درجة من درجات التقاضي الحق بالنظر في دستورية القوانين، وإمّا بالقضاء الدستوري المختص حيث تكون مهمة النظر في دستورية القوانين ودستورية اعمال السلطة من اختصاص مجلس مختص بذلك.

ولا يختلف الأمر كثيراً في الإسلام حيث يشكل الكتاب والسنة القاعدة التي تستند إليها حقوق الإنسان، مما يجعل الالتزام بهذه الحقوق إلتزاما بالدين.

وتأتي بعد ذلك الضمانة القضائية، حيث يعتبر القضاء الضامن لحقوق الإنسان وحرياته وحيث يحق لكل فرد اللجوء إليه عند وقوع غبن عليه ولو كان خصمه رأس الدولة([72]).

 المبحث الثالث - إنتهاكات حقوق الإنسان:

1- الإنتهاكات اللاقانونية:

مما لاشك فيه أن انتهاك حقوق الإنسان أمر حاصل يوميا، وخصوصا من قبل السلطات; ومن قبل بعض الجماعات في البلدان التي تشهد صراعات دينية أو عرقية أو قبلية أو سياسية وإذا كانت البلاد التي تشهد صراعات معينة، غالبا ما تكون خارج دائرة القانون أو الالتزام به، والمفترض أن السلطات إنما وجدت لتطبيق القوانين، ولكن مع ذلك تظل انتهاكات السلطة في عدد كبير من بلاد العالم هي أخطر مايواجه حقوق الإنسان وحرياته، وذلك عبر التهديد المباشر وغير المباشر لخصومها، وعبر التأثير على مصالحهم، وحرمانهم بطرق لا شرعية من حق المشاركة في الحياة السياسية أو الاشتراك في إدارة الشأن العام أو الاستفادة من مرافق الدولة وخدماتها.

وتأتي كذلك المخالفات الصريحة لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية لتساهم في انتهاك الحقوق والحريات، عبر ممارسة التعذيب الجسدي، والتعذيب النفسي، والإكراه على الإعتراف، وحرمان الموقوف من حقوقه القانونية. ووضع السجناء في ظروف مهينة وحرمانهم من الالتقاء بمحاميهم.

وتشكل جريمة صرف النفوذ كما هي معروفة في القانون اللبناني واحدة من أكثر الجرائم التي تسبب انتهاكا لحقوق الإنسان، وذلك عندما يعمد كل صاحب نفوذ إلى استخدام نفوذه من أجل إعطاء أناس مالا يستحقون وحرمان من يستحق من حقه، أو من أجل إنزال عقوبة أو منع إنزالها بمن يستحقها.

ويصل الأمر بالممسكين بالسلطة أحيانا إلى حد إرتكاب جرائم القتل والاغتيال كحل أخير لإسكات خصومهم وإرهاب من يبقى منهم على قيد الحياة.

هذه كلها انتهاكات لحقوق الإنسان تتم يوميا في معظم دول العالم وليس من ضمانة لوضع حد لها مالم تقم دولة القانون في كل قطر. ومادام الممسكون بالسلطة بعيدون عن الالتزام بالهدي الإلهي، أو بعيدين عن الإيمان بكرامة الإنسان.

2- الإنتهاكات التشريعية:

من المناسب أن  نرصد حقيقة هامة وهي أن الانتهاكات التشريعية لحقوق الإنسان، أي صدور تشريعات تصادر حقوق الانسان التي نصت عليها المواثيق الدولية أو الدساتير، قد أصبحت ظاهرة عامة في كثير من الدول ولاسيما دول العالم الإسلامي. خصوصا بعد أن انتهت مرحلة الثورة التي كانت افضل غطاء فيما مضى لمصادرة حقوق الإنسان وحرياته، وبعد أن غدا الصراع ضد الصهيونية في العالم العربي عملة باطلة وسببا غير مقنع من أجل استمرار قمع الشعب وإذلاله.

لذلك صار التوجه إلى تقييد حريات الإنسان وإلغاء حقوقه أو إضعافها عبر إصدار تشريعات وقوانين تقوم بهذه المهمة. ومن ذلك مثلا النصوص القانونية التي تعاقب على الإضراب والتجمهر، والتي تصادر حق التنظيم السياسي لمختلف القوى السياسية، وتضع عليها القيود تلو القيود مما يجعل قيامها معبر بحرية عن الخريطة السياسية للبلد أمرا شبه مستحيل.

ومن ذلك أيضا قوانين الانتخابات التي تحدد شروط وأوصاف القوى أو الأشخاص التي يحق لها المشاركة حيث يعمد إلى وضع شروط وقيود تحرم المعارضة من المشاركة في الانتخابات والترشيح لها. ومن خلال القوانين التي تحكم بحرمان السياسي من حقه بالمشاركة في الحياة السياسية لمجرد إدلائه برأي في مسألة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، كما هو حاصل في تركيا والجزائر بصورة فاضحة، وكما هو موجود في معظم دول العالم الإسلامي.

ومن ذلك أيضا القوانين التي تعاقب على أوصاف عامة، دون تحديد أفعال تحديداً دقيقاً، مما يجعل السلطة تقديرية للنظام الحاكم في التنكيل بمعارضيه السياسيين أو العفو عنهم، مثل قانون القيم والاشتباه، وقانون العيب الذي صدر في مصر في زمن أنور السادات، والقوانين التي تعاقب على التعرض للذات الملكية، دون تحديد سمات هذا التعرض.

على أن أخطر صور انتهاك التشريع لحقوق الإنسان تتمثل في اللجوء المفرط إلى إعلان حالة الطوارئ، وهي سلاح تشريعي في يد السلطة التنفيذية تستطيع به مواجهة الخطر المحدق بالوطن في حالات طارئة استثنائية تهدد سلامة الوطن. وهذه الحالة نصت عليها المادة الرابعة من الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي مر معنا ذكرها. والغريب في الأمر أن اعلان حالة الطوارئ يجب أين يقيد بفترة معينة، إلا أن الأمر في بعض الدول قد بلغ حد أن حالة الطوارئ قد اصبحت حالة دائمة، كما هو في مصر حيث جرى التذرع بوجود جماعات مسلحة لاستدامة قانون الطوارئ في مصر منذ بداية التسعينات.

ولا يمكن التغافل عن الدور الذي تلعبه المحاكم العسكرية، ومحاكم أمن الدولة، والمحاكم الخاصة التي تشكل استثنائيا من أجل الفصل في قضايا خاصة، والمحاكم التي لا تقبل قضاياها الاستئناف، أو النقض، والتي لا يكون معها بـإمكان المتهم الحصول على درجة ثانية من المحاكم، في انتهاك حقوق الإنسان، كما تأتي القوانين التي تحرم كل نشاط يستند إلى أصل ديني، لتشكل آخر صيحة على صعيد انتهاك حقوق الإنسان وحرياته.          

المبحث الرابع - أثر انتهاك حقوق الإنسان على الحياة السياسية والاجتماعية:

إن القيمة الكبرى التي جعلها الله تعالى للإنسان حيث كرمه وفضله على بقية الخلق وجعله حراً مختاراً، إن هذه القيمة هي الأصل في تطور الحياة والارتقاء بها والإنسان الذي يتحمل القهر لفترة، لا يمكن أن  يستكين للقهر، ولا يمكن أن يرضى به دوما لذلك كان التمرد على الظلم من شيم الفرد ومن شيم المجتمعات البشرية عامة. والإنسان يسعى دائما ليحقق لنفسه العزة والكرامة، فإن عجز جيل عن تحقيق ذلك لنفسه، فإنه يسعى لكي يحققه لأبنائه.

فكيف إذا كان مطلب القضاء على الظلم والقهر والاغتصاب  والطغيان والعدوان هو في أساس عقيدة الإنسان ودينه.

إن نظرة دارسة لأحوال العالم العربي والعالم الإسلامي تظهر المدى الذي وصل إليه حال هذين العالمين من التخلف والضعف والوهن، بسبب أن الإنسان فيهما قد حرم لفترة طويلة من حقوقه وحرياته، وأملت عليه أنظمة الجور والفساد ارادتها وحتى اصحاب النوايا الحسنة من الحكام وقعوا في مهاوي الطغيان عبر تقييد حريات الناس بحجة أن  مصلحة الثورة تقتضي ذلك، أو أن مقتضيات الصراع مع الأعداء تستوجب أن  يكون المحكوم مجرد آلة في يد الحاكم.

8- إن ظاهرة لجوء العديد من المنظمات في العالم الإسلامي عموما والعالم العربي خصوصا، إلى حمل السلاح في وجه الأنظمة الحاكمة أو اللجوء الى العنف من أجل التغيير ليست إلا نتيجة حتمية للطرق المسدودة في وجه كل طامح للتغيير نحو الأفضل، حيث يجد الإنسان أن عليه إمّا أن  يسلم بالواقع المرير ويرضى به، وإما أن  يصطدم بالجدار فإما أن يدمر الجدار وإما أن يدمر نفسه.

إنعدام احترام الإنسان وإنزال المنزلة التي أنزله الله إياها من العزة والكرامة، وافتراض أن الصواب دائما هو مايقوله الحاكم ويفعله، وإن الآخرين ليسوا إلا واحدا من اثنين; فهم إما سيئوا النية، وإما سيئوا الفهم، لهو الطامة الكبرى.

مراجع البحث

1- القرآن الكريم.

2- أركان حقوق الإنسان - تأليف د. صبحي المحمصاني - دار العلم للملايين - بيروت - الطبعة الأولى 1979.

3- أزمة حقوق الإنسان في الوطن العربي - الصادر عن اتحاد المحامين العرب.

4- أميركا طليعة الانحطاط، كيف نواجه القرن الحادي والعشرين، تأليف روجيه غارودي، صادر عن دار عطية للنشر - بيروت - ترجمة صياح الجهيم وميشيل خوري.

5- اقتصادنا - السيد محمد باقر الصدر - دار التعارف - بيروت - الطبعة الثالثة عشرة - 1980.

6- الأحكام السلطانية والولايات الدينية - أبي الحسن علي بن محمد الماوردي - دار الكتب العلمية - بيروت 1985 .

7- الإسلام وحقوق الإنسان - ضرورات لا حقوق - الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ضمن سلسلة عالم المعرفة - رقم 89 - تأليف د. محمد عمارة.

8- الإسلام يقود الحياة - تأليف السيد محمد باقر الصدر - طبعة دار المعارف للمطبوعات - بيروت عام 1410هـ  - 1990م.

9- الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي - تأليف د. محمد فاروق النبهان - مؤسسة الرسالة - طبعة 1985.

10- الاقتصاد في الاعتقاد - الإمام الغزالي - ضمن مجموعة بدون تاريخ الصادر عن مطبعة صبيح القاهرة.

11- الفقه الإسلامي وأدلته - تأليف د. وهبه الزحيلي.

12- الموافقات للشاطبي - طبعة دار المعرفة - بيروت - لبنان.

13- النظم الإسلامية نشأتها وتطورها - دكتور صبحي الصالح - دار العلم للملايين - 1976 - الطبعة الثالثة.

14- الوسيط في القانون الدستوري العام - د. ادمون رباط - دار العلم للملايين - بيروت - طبعة 1964 .

15- حقوق الإنسان في الإسلام - تأليف د. محمدح الزحيلي - طبعة دار الكلم الطيب - دمشق - بيروت - دوار ابن كثير دمشق - بيروت 1997.

16- حقوق الإنسان في الدعوى الجزائية - د. مصطفى العوجي - مؤسسة نوفل - طبعة 1989.

17- حقوق الإنسان في الوطن العربي (سلسلة كتب) - تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي - الصادر في القاهرة سنة 1992 - 1994 - 1998 .

18- خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم - تأليف د. فتحي الدريني - مؤسسة الرسالة 1982 - الطبعة الأولى.

19- فخ العولمة - تأليف هانس بيتر مارتين وهارالد شومان - الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب - الكويت. ضمن سلسلة علم المعرفة تحت رقم 238. ترجمة د. عدنان عباس.

20- مجلة الحق - فصلية تصدر عن اتحاد المحامين العرب - السنة 18 - العدد 3 - 1987.

21- مجموعة القانون الإداري - الجزء الأول - المرافق العامة وحقوق الإنسان - تأليف يوسف سعد الله الخوري - طبعة 1999.

22- مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان - تأليف د. خضر خضر.

23- مدخل إلى علم السياسة - تأليف د. عصام سليمان - الطبعة الرابعة 1998.

24- معالم الشريعة الإسلامية - د. صبح الصالح - بيروت.

25- مقدمة ابن خلدون.

26- نظام الإسلام - الحكم والدولة - تأليف محمد المبارك - إصدار رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في الجمهورية الاسلامية - طهران - 1997.

27- نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي - تأليف د. فتحي الدريني.

28- نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي - الصادر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي- تأليف أحمد الريسوني - نشر وتوزيع الدار العالمية للكتاب الإسلامي - طبعة 1992.

الهوامش:

 

([1]). راجع كتاب فخ العولمة، للمؤلفين المذكورين، الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة رقم 238، د. عدنان عباس علي، مراجعة أ.د رمزي زكي.

([2]). راجع كتاب أمريكا طليعة الانحطاط، كيف نواجه القرن الحادي والعشرين، تأليف روجيه غارودي، الصادر عن دار عطية - بيروت ص 94 - 95.

([3]). يونس: 32.

([4]). الكهف: 44.

([5]). طه:  114.

([6]). النور: 5 .

([7]). راجع كتاب الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الاسلامي. د. محمد فاروق النبهان، ص 108.

([8]). الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي. د. محمد فاروق النبهان، ص 112 - 113.     

([9]). الفقه الإسلامي وأدلته. د. وهبة الزحيلي، ج الرابع ص 9.

([10]). الاتجاه الجماعي للتشريع الاقتصادي الاسلامي د. محمد فاروق النبهان، ص 113.

([11]). أنظر نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلامي للدكتور فتحي الدريني، ص 139.

([12]). الفقه الإسلامي وأدلته. د. وهبه الزحيلي ج 4 ص 9 أيضاً الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الاسلامي. د. فاروق النبهان ص 114.

([13]). راجع كتاب الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الاسلامي. د. النبهان ص 108.

([14]). النساء: 65.

([15]). يوسف: 40.

([16]). البقرة: 30.

([17]). لقمان: 20.

([18]). هود: 61.

([19]). راجع الفقه الإسلامي وأدلته. ج الرابع، ص 44 - وهبة الزحيلي.

([20]). راجع الفقه الإسلامي وأدلته. د. وهبه الزحيلي، ج 4، ص 9 - 10.

([21]). راجع كتاب مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان. د. خضر خضر. ص 95 - 96 وما يليها وكذلك كتاب أركان حقوق الانسان، د. صبحي المحمصاني، ص 39 - 40.

([22]). المصدر السابق نفسه، د. خضر خضر، ص 106.

([23]). راجع أركان حقوق الانسان. د. صبحي المحمصاني. ص 42.

([24]). مقالة للدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولي في كلية الحقوق، جامعة القاهرة منشورة في كتاب أزمة حقوق الإنسان في الوطن العربي، الصادر عن اتحاد المحامين العرب - القاهرة. ص 78.

([25]). راجع المصدر السابق نفسه. د. مفيد شهاب.

([26]). راجع: كتاب حقوق الإنسان في الوطن العربي، تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي، الصادر في القاهرة 1992، ص 310 وما يليها.

([27]). مجموعة القانون الإداري - الجزء الأول - المرافق العامة وحقوق الإنسان، د. يوسف سعد اللّه الخوري ص 148 وما يليها. طبعة 1999.

([28]). المصدر السابق نفسه، ص 149 - 150.

([29]). راجع مجموعة القانون الإداري، الجزء الأول - المرافق العامة وحقوق الإنسان - يوسف سعد اللّه الخوري، طبعة 1999، ص 146 وما يليها.

([30]). المصدر السابق نفسه، ص 148.

([31]). راجع أزمة حقوق الإنسان في الوطن العربي، الصادر عن اتحاد المحامين العرب ص 239 و 240 مقال للدكتور جعفر عبد السلام علي، بعنوان: تطور النظام القانوني لحقوق الإنسان في نطاق القانون الدولي العام.

([32]). المصدر السابق نفسه. مقال للدكتور مفيد شهاب بعنوان: حقوق الإنسان في عصر التنظيم الدولي ودور الجامعات العربية في التوعية به. ص 79.

([33]). الاقتصاد في الاعتقاد. ص 135 طبعة صيح، القاهرة، ضمن مجموعة بدون تاريخ.

([34]). راجع كتاب أ.مة حقوق الإنسان في الوطن العربي. ص 61. مقالة للدكتور محمد عمارة بعنوان الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات واجبة وليس مجرد حقوق: وراجع أيضاً كتاب د. محمد عمارة، الإسلام وحقوق الإنسان ضرورات لا حقوق.

([35]). اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر ص 699.

([36]). الإسراء: 70.

([37]). معالم الشريعة الإسلامية، د. صبحي الصالح. ص 193 - 194.

([38]). المنافقون: 8.

([39]). خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم. د. فتحي الدريني. ص 108.

([40]). كان مستوصفاً في بني ليث فقتلته هذيل.

([41]). سدانة الكعبة: القيام على شؤونها.

([42]). السقاية: سقاية الحجيج في مكة.

([43]). النسيء: التأخير. وكانوا يؤخرون الأشهر الحرم كي لا تعوق حروبهم في الجاهلية.

([44]). راجع كتاب: حقوق الإنسان في الإسلام. د. محمد الزحيلي.

([45]). الحجرات: 9 - 13.

([46]). يراجع كتاب حقوق الإنسان في الإسلام. د. محمد الزحيلي. ص 134 - 135. طبعة دار الكلم الطيب. دمشق، بيروت ودار ابن كثير - دمشق - بيروت 1997.

([47]). الإسلام وحقوق الإنسان. ضرورات لاحقوق. د. محمد عمارة، ص 14 سلسلة عالم المعرفة - الكويت.

([48]). أنظر كتاب نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي الصادر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي، تأليف أحمد الريسوني، نشر وتوزيع الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ص 152 وما يليها. طبعة 1992.

([49]). الموافقات للشاطبي، ج 2 - ص 8، طبعة دار المعرفة - بيروت لبنان.

([50]). راجع مدخل  إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان، تأليف د. خضر خضر. منشورات المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس - لبنان. بدون تاريخ ص 121.

([51]). د. خضر خضر، المرجع السابق، ص 122 - 123.

([52]). المرجع نفسه.

([53]). د. خضر، المرجع السابق.

([54]). راجع الاتجاه الجماعي في الشرق الاقتصادي الاسلامي، د. النبهان. ص 44 وما يليها.

([55]). راجع مجلة الحق، فصلية تصدر عن اتحاد المحامين العرب - مقال بعنوان: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن في الدساتير العربية، مسح تشريعي، إعداد مركز بحوث اتحاد المحامين العرب. السنة 18 العدد 3 - 1987 ص 105 - 106.

([56]). راجع مجلة الحق الصادرة عن اتحاد المحامين العرب العدد 3 السنة 18 - 1987، تقرى من إعداد مركز بحوث اتحاد المحامين العرب بعنوان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن في الدساتير العربية.

([57]). مدخل إلى علم السياسة، د. عصام سليمان، ص 240. وراجع: الوسيط في القانون الدستوري العام د. ادمون رباط، ج 2، ص 326 وما يليها.

([58]). الأحكام السطانية للماوردي، ص 3.

([59]). مقدمة ابن خلدون. ص 180.

([60]). الإسلام يقود الحياة، السيد محمد باقر الصدر. ص 13، دار المعارف للمطبوعات بيروت، 1410هـ - 1990م.

([61]). النظم الاسلامية. د. صبحي الصالح. ص 55.

([62]). المصدر السابق. د. صبحي الصالح. ص 474.

([63]). عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق سابقا ورئيس قسم الشريعة والدراسات الاسلامية في كلية الشريعة بمكة المكرمة.

([64]). نظام الإسلام، الحكم والدولة - تأليف محمد المبارك، إصدار رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في الجمهورية الاسلامية - طهران.

([65]). اقتصادنا. السيد محمد باقر الصدر. ص 702.

([66]). الحج: 41.

([67]). النور: 55.

([68]). الفيل: 5.

([69]). اقتصادنا. السيد محمد باقر الصدر ص 75.

([70]). النساء: 75.

([71]). النساء: 97 - 99.

([72]). أنظر في هذا المجال بحث حول ضمانات حقوق الإنسان أمام القضاء في الإسلام. في كتاب د. محمد الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 370.