البيان الختامي للمؤتمر الدولي الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد خلقه محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فبعون الله تعالى، وبمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية في ذكرى ميلاد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام جعفرالصادق(عليه السلام)، عقد المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية مؤتمره الدولي الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية بطهران من ۱۵-۱۷ ربيع الأول ۱۴۳۶هـ الموافق ۷-۹ يناير/كانون الثاني ۲۰۱۵م بحضور مئات الشخصيات الدينية والنخب العلمية من الجمهورية الاسلامية الايرانية ومن سائر أنحاء العالم. وقد خُصص هذا المؤتمر لدراسة موضوع (الأمة الإسلامية الواحدة : التحديات والآليات) كما وفق المشاركون للقاء قائد الثورة الإسلامية سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله الوارف) واستمعوا إلى حديثه التوجيهي القيم، وافتتح المؤتمر فخامة حجة الاسلام والمسلمين الدكتور الشيخ حسن روحاني رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية بكلمة جامعة.
وتدارس المؤتمرون موضوع المؤتمر على مدى ثلاثة أيام وفي خمس عشرة جلسة عمل ومن خلال عرض أكثر من مائة بحث وكلمة. هذا وقد تناول المشاركون حسب اختصاصهم الموضوعات المستجدة في مجالات التجارة والاعمال ، وشؤون الشباب وطلبة الجامعات، والاحزاب السياسية والنساء والأساتذة والجامعات، والاعلام في إطار لجان تخصصية مستقلة، فضلا عن دراسة الأزمات الراهنة في عالمنا الاسلامي في لجنتي المساعي الحميدة والجمعية العمومية لمجمع التقريب وبالتالي اللجنة الخاصة بالاتحاد العالمي لعلماء المقاومة وذلك للوصول الى حلول واقعية لها.
وفي ختام جلساته أصدر المؤتمر التوصيات التالية:
أولاً: يؤكد المؤتمرون انطلاقا من مسلمات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أن الإسلام جامع لأهل القبلة، ودليلُه الشهادتان اللتان تعصمان دم الناطق بهما وماله وعرضه، كما يرون أن التقريب بين المذاهب الإسلامية سبيل مهم لتحقيق وحدة الأمة في شتى المجالات، وأن المذاهب الإسلامية التي تؤمن بأركان الإسلام وأصول الإيمان ، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة، يؤلف المنتمون اليها بمجموعهم الأمة الإسلامية الواحدة، وتتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ويتعاونون لتحقيق الأهداف الإسلامية السامية، وأن الاختلاف السياسي لايجوز أن يستغل الاختلافات العقدية أو التاريخية أو الفقهية، وأن إثارة أية فتنة طائفية أو عرقية لاتخدم إلا أعداء الأمة، وتحقق خططهم الماكرة ضدها، وتكرس احتلالهم البغيض لأرضها مما ينبغي معه مقاومتها بالوسائل كافة.
ثانياً: يدين المؤتمرون كل أشكال الاعتداء الصهيوني على شعبنا الصابر والمثابر والمرابط في فلسطين وخصوصاً ما يجري من محاولة هدم للمسجد الاقصى ومنازلٍ الفلسطينيين في مدينة القدس وتهويدها، بالتغيير الديموغرافي في أرض فلسطين ومحاصرة هذا الشعب الأبي في غزة، كما يحيون جهاد الشعب الفلسطيني البطل ومقاومته الباسلة ويدعمون جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وتوحيدها ويؤكدون من جديد على ضرورة تنفيذ الحقوق الفلسطينية المشروعة وأهمها حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على كافة الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحقهم في العودة إلى ديارهم، كما يؤكدون على ما دعا اليه الامام القائد الخامنئي«حفظه الله» من ضرورة تسليح شعبنا في الضفة الغربية ليدعم قضية المقاومة ويطالبون المجتمع الدولي بمحاكمة المجرمين الصهاينة ومعاقبتهم على ما اقترفوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ثالثاً: يعلن المؤتمرون أن المقاومة حق مشروع للشعوب، ويستنكرون كل انواع الارهاب المدان إسلامياً وعالمياً، سواء كان فردياً أو جماعياً أو ما قد تمارسه بعض الدول الكبرى تحت غطاء العولمة ودمقرطة البلاد، ويعلنون دعمهم للمقاومة الاسلامية في فلسطين ولبنان.
رابعاً: تحقيقاً للوحدة بين أهل القبلة، والتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية، يدعو المؤتمرون إلى وجوب احترام المسلمين لبعضهم البعض، وإلى ترك البحث في الأمور الخلافية للعلماء والخبراء في بحوثهم العلمية، وعدم الإساءة والتشهير بأحد. كما يؤكد المؤتمرون على عدم جواز توجيه ما يُعدّ انتقاصاً أو إهانة لما يحترمه أي طرف، ويشمل هذا بوجه خاص عدم جواز انتقاص آل البيت الطاهرين أو أمهات المؤمنين أو الصحابة الكرام أو أئمة المسلمين، بالنيل منهم، أو التعرض لهم بأي نوع من أنواع الإساءة القولية أو الفعلية، وعدم جواز استباحة المساجد و دور العبادة وكذلك الحسينيات والزوايا والمراقد. وفي هذا السياق يثمن المؤتمرون الفتوى التاريخية التي اصدرها سماحة الامام الخامنئي قائد الثورة الاسلامية بخصوص تحريم النيل من رموز المذاهب الاسلامية والإساءة لأمهات المؤمنين، والتي لاقت الترحيب الواسع من لدن كبار علماء الأمة والأوساط الدينية والأزهر الشريف.
خامساً: يؤكد المؤتمرون أن الأمة الإسلامية تواجه تحديات كبرى تستهدف عقيدتها وشخصيتها وثقافتها ومقومات وجودها ودورها الحضاري المنشود وتتعرض لمؤامرات لتمزيقها جغرافياً، ولغوياً، وقومياً، ومذهبياً، بل وتاريخياً. كما تسعى لإبقائها متخلفة على الصعد الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والعسكرية وغيرها. وتخطط لإبعادها عن إسلامها والتشكيك في قدرته على مواجهة المشاكل الحياتية المستحدثة، وإشاعة السلوكيات المادية المنحرفة عما رسمته الشريعة، وزرع حالة التقليد والتبعية للغرب والانبهار به. وإشغالها بالحروب الطائفية والعرقية وإبعادها عن مسارها المقاوم وهذا ما نشاهده فيما تقوم به المجموعات التكفيرية المسلحة في نقاط مختلفة من العالم الاسلامي وكذلك عبر إضعاف التربية والتعليم الإسلاميين والتشكيك في قدرتهما على النهوض بالأمة، واختراق الإعلام الإسلامي بإشاعة روح الهزيمة والإذعان والانحلال الخلقي لئلا يقوم بدوره المطلوب في وأد الفتن والتوعية وبناء الشخصية الاسلامية المتوازنة.
سادساً: يرى المؤتمرون أن هناك حاجة ماسة لوضع خطط تفصيلية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية في المجالات التالية:
أ- رفع مستوى الوعي لدى المسلمين في مختلف المجالات وبخاصة في مجال فهم الإسلام وتعاليمه وأهدافه وفهم الواقع القائم على مختلف الأصعدة.
ب – مطالبة الدول الاسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل مجالات الحياة.
ج – تفعيل العملية التعليمية والتربوية الشاملة لمختلف قطاعات الأمة وفق تعاليم الإسلام.
د– الاستفادة الأنجع من الإمكانات السياسية والاقتصادية والجغرافية، والطاقات العلمية للأمة وتعبئتها لتحقيق الأهداف الكبرى ومقاومة التحديات.
هـ- مساعدة الأقليات الإسلامية في أنحاء العالم على الاحتفاظ بهويتها وأداء شعائر دينها وتفعيل دورها في المجتمع، مع مراعاة حقوق غير المسلمين في المجتمع الاسلامي.
و ـ تربية الجيل الاسلامي على ثقافة المقاومة والعزة وتشكيل بناء مستقبلي أفضل مع التأكيد على الدور الايجابي للنساء والشباب وسائر فئات المجتمع.
سابعاً: يدعو المؤتمرون إلى الابداع في مجال الفكر المؤدي إلى التقريب من خلال مايلي:
۱ – تعميق المنهج الوسطي في فهم الشريعة النابع من الكتاب والسنة الشريفة .
۲- مراعاة فقه الأولويات، ومعرفة المآلات، ومراعاة الظروف المتغيرة عند اتخاذ المواقف الشرعية.
۳- مراعاة مقاصد الشريعة الثابتة، وخصائص الإسلام العامة.
۴- إحياء علم المقارنات و علم الخلاف.
۵- الاهتمام بالتعمق في فكر التقريب في مختلف البحوث والدراسات ولاسيما الفقهية منها.
ثامناً: وعلى الصعيد العملي يقترح المؤتمرون مايلي:
۱ - تعميم منطق الحوار بين المسلمين على الأسس الشرعية.
۲- تقوية نشاطات لجنة المساعي الحميدة ولجانها الفرعية لتحقيق حالة التصالح بين المسلمين وحل أزماتهم. والقيام بدور الوساطة بين الحكومات والشعوب والفئات لتقريب وجهات النظر والوصول الى حل اسلامي سلمي للمشكلة في سوريا والبحرين والعراق وميانمار وسائر مناطق النزاع والخلاف.
۳- تشجيع الدراسات التقريبية في الجامعات عبر فتح الأقسام الجامعية في هذا التخصص وتشجيع الرسائل العلمية وتقوية التبادل التخصصي .
۴- ضبط عملية الفتوى وفق الضوابط التي أقرتها المجامع والمصادر الفقهية.
۵- تشكيل لجنة من القانونيين تتبنى متابعة حقوق متضرري التطرف والتكفير والارهاب.
۶- تشكيل لجنة من المفكرين تقوم بإعداد برامج و خطط لضمان سلامة الاسرة المسلمة والدفاع عن حقوقها وخاصة حقوق المرأة والطفل وفقاً للقيم الانسانية والشريعة المحمدية.
تاسعاً: يعلن المؤتمرون أن الدعوة إلى التقريب لاتعني التعصب المذهبي ولاتسعى الى نشر مذهب بين أتباع مذهب آخر وأن ما تروجه بعض الجهات من محاولات تشييع اهل السنة او تسنين الشيعة لايقصد منه إلا إثارة الفتن بين المسلمين وتوسيع دائرة الخلاف بين صفوف الأمة.
عاشراً: يدعو المؤتمر العالم الاسلامي وشعوب المنطقة لتوحيد صفوفها في مواجهة حركات التطرف والتكفير ودعم المقاومة الجماهيرية في العراق وسوريا حتى استتباب الامن والاستقرار في هذين البلدين.
حادي عشر: يدعو المؤتمرون الى تضافر الجهود من اجل اغاثة المهجرين والمتضررين من عصابات التطرف والتكفير في مختلف مناطق العالم الاسلامي خاصة العراق وسورية.
ثاني عشر: يدعو المؤتمرون الأخوات المسلمات ممن يتمتعن بالقدرة العلمية الى المساهمة بأبحاثهن وآرائهن في انجاح الدعوة الى التقريب وأن يكون لهن دورٌ اكثر فاعلية في مؤتمرات الوحدة الاسلامية ونشر الوعي التقريبي بين المجتمعات الاسلامية.
ثالث عشر: يرى المؤتمرون أن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية قام – خلال مسيرته التي دامت حوالى ثلاثين عاماً – بأدوار مهمة لتحقيق ما مرّ في المواد السابقة بشتى الوسائل المتاحة. والمؤمل رفع بعض المعوّقات والنواقص التي تحول دون التسريع في تحقيق الاهداف المنشودة.
رابع عشر: يدعو المؤتمر المجلس الأعلى والأمانة العامة للمجمع لدراسة تقييمات اللجان و توصياتها، وكذلك دراسة مقترحات اللجان الدائمة للجمعية العمومية، والاتحاد العالمي لعلماء المقاومة.
خامس عشر: يؤكد المؤتمرون على أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حققا للأمة الاسلامية أجواءً انسانية حضارية رائعة، وأشاعا العقلانية وروح الحوار البناء، وحرية الاجتهاد بضوابطه الشرعية، وغرسا روح الأخوة والوحدة بعد أن وضحا خصائص الأمة الاسلامية ورسالتها السامية إلى العالم كله ومن ثم كان تعدد المذاهب حالة طبيعية لها أثرها الإيجابي في تنوع الحلول للمشكلات على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية وأصولها.
سادس عشر: يرى المؤتمرون أن الأهواء والنزعات السياسية، وشيوع حالات التعصب، وجهل بعض أتباع المذاهب بحقيقة المذاهب الاخرى انحرفت بالحالة السوية تلك إلى حالة طائفية ممزقة سادتها ظاهرة الغلو والتكفير والتطرف والتنافر والتمزق ونقل النزاع الفكري إلى الساحة العملية مما ترك آثاراً سلبية خطيرة على قوة الأمة وتماسكها وسهل السُبل ليقوم اعداؤها بطعنها في صميم عقيدتها وتوجهاتها النظرية والعملية الأصيلة.
سابع عشر: يحيي المؤتمرون جهاد الشعب الإيراني وقيادته في سبيل تطبيق شرع الله في مختلف مناحي الحياة، ويدينون كل تآمر على هذه المسيرة الخيرة، كما يعلنون دعمهم لموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تطوير قدراتها النووية للأغراض السلمية ويدينون كل الأساليب الملتوية التي تحاول منعها من الاستفادة من حقوقها المشروعة التي تكفلها لها المعاهدات والقرارات الدولية. ويدعون بلدان العالم الإسلامي إلى الاستفادة من هذه التجربة.
ثامن عشر: يشيد المؤتمرون بجهود رواد التقريب والوحدة الإسلامية كالسيد جمال الدين الحسيني والامام الشيخ محمد عبده والامام الشيخ محمود شلتوت و الامام البروجردي والامام الخميني والامام المودودي والامام كفتارو والامام الشيخ سعيد شعبان «رحمهم الله» والامام المغيب السيد موسى الصدر والامام الخامنئي «حفظه الله ورعاه».
تاسع عشر: يؤكد المؤتمرون على أن المذاهب الإسلامية الثمانية كلها مذاهب إسلامية والمنتمي الى أي منها يعتبر مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويؤكدون على المواقف التي صدرت من مراجع الدين السنة والشيعة وخاصّة أئمة الازهر الشريف ومراجع الدين في قم المقدسة والنجف الاشرف بشأن ضرورة الاجتناب عن كل ما يؤدي إلى تمزيق الصف الإسلامي ويشجبون كل ألوان التكفير والدعوة الى الاعتداء على دماء المسلمين واعراضهم واموالهم.
عشرون: يشكر المؤتمرون الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقائدها الإمام الخامنئي(دامظله)، كما يشكرون المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على إقامة هذا المؤتمر المبارك واستضافته، ويرون في إقامة أمثال هذه اللقاءات خيراً كثيراً.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الاطهار وصحبه الاخيار وسلّم.