ـ(55)ـ
الأحكام التي يصل إليها قطعية وبديهية فإن ذلك يكون ملتقياً مع ما اشترطه الأخباريون من إيمانهم بما قطع به العقل، أو ما كان ضرورياً، وعندئذ لا تشمله الأدلة السمعية المساقة لنفي العمل بالظن أو الرأي ولا يتناوله ما ذكره المحدث الجزائري والمحدث البحراني من الاختلاف بين العقلاء؛ لأن ما هو قطعي لا يختلف فيه، وإنّما يختلف في الظنون والأوهام.
أما النصوص التي تقول: "إنّ دين الله لا يصاب بالعقول"(1). فموردها الأحكام الظنية، وليست القطعية التي هي العلم الذي ينتهي إليه كل دليل، كما أنها معارضة بما ذكرناه من موارد النصوص التي ترى أنّ العقل حجة باطنة.
يقول الشيخ المظفر في الخلاف بين الأصوليين والأخباريين بعد تحديده للدليل العقلي وكون حجيته ذاتية باعتبار رجوعها إلى القطع: (وإذا عرفت ذلك تعرف: أنّ الخلط في المقصود من إدراك العقل النظري وعدم التمييز بين ما يدركه من الأحكام ابتداء، وبين ما يدركه منها بتوسط الملازمة هو سبب المحنة في هذا الاختلاف)(2).
قال الإمام علي عليه السلام:
"إعقَلوا الخَبرَ إذا سَمِعتُمُوهُ عَقل رعايةَ لا عقلَ دِرايةٍ، فإنّ رُواةَ العلِمِِ كثيرٌ ورُعاتُهُ قَليلٌ"

نهج البلاغة: 485.
__________________________________
1 ـ الوافي 1: 57، طبع حجري.
2 ـ أصول الفقه للشيخ المظفر 3: 113.