ـ(109)ـ
ويمكننا القول: بأن بين الذمة والعهدة عموماً وخصوصاً من وجهٍ حيث يجتمعان فيكون المال الكلي مرتبطاً بالعهدة والذمة معاً، كما في(من أتلف مال غيره فقد انشغلت ذمته بالمال) وانشغلت عهدته به لوجوب إفراغ ذمته وأداء المال.
وقد يفترقان بان تكون عندنا عهدة( وعاء التكليف فقط) من دون انشغال للذمة، كما في نفقة الأقارب الواجبة على الإنسان، فعهدة الإنسان مشغولة بالنفقة، بينما ذمته ليست مشغولة بها، ولذا لا ضمان عليه لو ترك فمات ـ مثلاً ـ إذا لم تؤخذ هذه النفقة(التي عصى ولم يعطها إلى مستحقها) من تركته.
وقد يكون عندنا ذمة ولا يكون عندنا عهدة، كما في الطفل الذي أتلف مال غيره ـ مثلاً ـ فانشغلت ذمته بالمال فقط، ولا يكون على عهدته شيء؛ لعدم تكليفه ـ وهو طفل ـ بشيء من التكاليف، وكذا الأمر في المجنون، وكما لو استدان الطفل مالاً من كافر حربي فقد انشغلت ذمته، ولكن ليس على عهدته الأداء، وبإمكانه أن يمتلك ما في ذمته فيسقط عنه وتفرغ ذمته(1).
الذمة لا تموت بموت الإنسان
فعلى هذا الذي تقدم من معنى الذمة(أنها وعاء اعتباري) وعلى ما تقدم من
______________________________________________________
1 ـ نسب بعض الكتاب إلى الإمامية القول: بأن الذمة عبارة عن العهدة، فقد قال صاحب(نظرية العقد في الفقه الجعفري): وقال الجعفريون في فقههم: إن الذمة عبارة عن العهدة، والى ذلك يشير الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ:(على اليد ما أخذت حتى تؤدي) أي: أن ما أخذته اليد يبقى في عهدتها إلى أن تؤديه بنفسه أو ببذله لو كان تالفاً. وقد تكرر هذا الاستعمال للذمة في جميع الموارد التي تعرض فيها الفقهاء للضمان. فراجع نظرية العقد في الفقه الجعفري لهاشم معروف الحسني: 57. أقول: لقد خلط الكاتب خلطاً واضحاً، إذ أعطى الذمة معنى العهدة التي هي: طرف التكاليف الإلهية فإن وجوب الرد حكم شرعي طرفه العهدة، وأما الضمان فهو يكون لما أخذ في الذمة، وأحدهما غير الآخر كما هو واضح.
نعم، لقد ورد على لسان الفقهاء استعمال الذمة بمعنى العهدة أو العكس، إلاّ أنها استعمالات ليست دقيقة، لأنهم ليسوا بصدد بيان معنى الذمة أو العهدة، بل بصدد بيان أمر آخر، فيقربون المعنى بما يتسامح به، ولذا نراهم عندما يتعرضون لتعريف الذمة يذكرون ذلك الفرق بينها وبين العهدة كما ذكرنا