/ صفحه 228/
ولكن الإسلام يمنع التآزر على الباطل، والتعاون على تلبيس الأمور، وعلى أن يشتبه الأمر فلا يُعلم حقُّه من باطله، ولذلك يكره القرآنُ الشفاعة السيئة، ونينى عنها.
وقد جاءت الآية في كلا الجانبين بقاعدة عامة، فقررت أن من آزر بالشفاعة الحسنة كان له نصيبٌ من هذه المؤازرة، أي ثوابٌ عليها وفضل فيها، ومن آزر بالشفاعة السيئة كان له كِفْل، أي حظ ونصيب منها مكفولٌ لا بد منه.
والشفاعات الحسنة كثيرة، وكلُّ إنسان يستطيع أن يرسم صورة من صورها: بالمال يفعل ذلك من آتاه الله المال، فيشفع جهدَ المجاهدين والعاملين على تنوير العقول، أو إصلاح اليتامى، و إيواء اللاجئين. وبالرأي يفعل ذلك من آتاه الله الرأي، فيشير على أهل الإصلاح، ويخلص النصيحة لهم، ويؤازرهم بذلك ويشفعهم، أي يضم نفسه إليهم، وسيعه إلى سعيهم، ورأيه إلى رأيتهم.
وبالقلم يفعل ذلك من علمه الله بالقلم، به يبين الحقائق، ويدفع في صدور المفسدين والمبطلين، ويدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيكون بذلك شفيع الحق والإصلاح ومؤيد دعوتهما.
وبالجاه يفعل ذلك من آتاه الله الجاه، فيوصل إلى أصحاب الحقوق حقوقهم بسعيه الخيِّر، وبشفاعته الحسنة.
وهكذا توجِّه الآية أفرادَ المجتمع إلى فُرَص الخير وصُورَ التعاون، لكي ينتهزوها مخلصين مصلحين محسنين، وتصرفهم عن وجوه الشر، فتحذرهم منها، وتخوّفهم عواقبَها، وتؤكد أن لهم محققاً من شرها وسوئها.
ونعم التوجيه، ونعم التحذير.