/ صفحه 138/
عن شيخه أنه قال: تنازع أبوان صبياً عند الحاكم فخير الولد بينهما، فاختار أباه فقالت أمه: سله لأى شىء يختاره؟ فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان، فقضي به للأم.
ومع احترامي لهذا القول أريد أن أنبه الى شىء أرى أنه كبير الأهمية لما عرفته من طبائع النفس البشرية; وهو أنه يجب أن يراعي جانب الأم في الحضانة ما وجد إلى ذلك سبيل رحمة بها ولمصلحة الطفل والمجتمع.
أما أنه لمصلحة الأم فلأنها شديدة الشغف بابنها في سن الصغر، ولذلك نهى النبي أن يفرق بين الام وولدها حتى يثغر.
وأما أنه لمصلحة الطفل والمجتمع فلأن الطفل تتربى فيه عواطفه وأخلاقه وسلوكه، فإذا عومل بالرأفة والحنان خرج دمث الأخلاق صالحاً للاجتماع، واذا عومل بالشدة والغلظة والتجهم خرج منحرفاً ناشزاً على مجتمعه، والام أحنى الناس على طفلها وأرأفهم به.
والطفل إذا عقل بعض الشيء يبدأ في كبت غرائزه الجامحة بإدماج نفسه في رغبات والدته فتكبت، ويكون الضمير اللوام، ويبدأ الطفل حياة جديدة أساسها كبت الغرائز، ولذلك ورد أن النبي قال للأم: أنت أحق به ما لم تتزوجي وينبغي أن يميز الطفل بعد ذلك بصحية أبيه; لأنه إذا لم يندمج في المحيط الاوسع تهيبه ولم يقدر على احتماله وظل يخشاه كربات الجمال.
وهذا هو السر ـ على ما أظن ـ فيما رأته الشريعة من تداول الطفل بين أمه أولاً وأبيه ثانياً.
هذه هي الشريعة الاسلامية مخصبة غير مجدبة، فاختاروا منها ما شئتم واجعلوه قانوناً يحكم به القاضي، ولا ترموها بالجدب وتقولوا: من أجدب انتجع، بل نحن نقول لكم: اختاروا منها ما شئتم فمن أخصب تخير.