/ صفحه 42/
أطلقنا ولم نحدد ذهب كل إلى ناحية، وبهذا تكون الفوضي والخلافات التي لا ترجع إلى قياس، إذن علينا أن نذكر الأحكام العقلية التي بسببها اعتبرنا العقل أصلا من أصول الفقه.
وليس من شك أن للعقل أحكاما يستقل بها، ولو عزل عن الحكم لهدم أساس الشريعة، كما قال النائيني، غير أن العقل لا يتعرض للتفاصيل والأشياء الخارجية، ولا يتخذ منها موضوعات لأحكامه، وإنما يحكم بأمور كلية عامة، فهو ـ مثلا ـ لا يحكم بوجوب الصوم والصلاة وإنما يحكم بإطاعة الشارع، وامتثال أوامره التي منها الأمر بالصوم والصلاة، وهو لا يتعرض للبيع والإجارة، والزواج والطلاق، بل يقر كل ما يصلح الجميع، ويحفظ النظام العام، وهو لا يحلل هذا ويحرم ذاك، وإنما يحكم بقبح العقاب بلا بيان، وبوجوب دفع الضرر عن النفس، وبحرمة إدخاله على الغير مع عدم النفع للفاعل، يحكم العقل بهذه الكليات العامة، وما إليها حكما مستقلا، ونحن نكتشفها ونطبقها على مواردها دون أية واسطة، أما ما جاء في لسان الشرع من الأحكام في الموارد التي استقل العقل بها فمحمول على الإرشاد والتأكيد لحكم العقل، لا على التأسيس والتجديد. ومن هذه الموارد.
الاحتياط:
إذا علم المكلف بوجود تكليف شرعي ألزمه العقل بالإطاعة والامتثال، وأوجب عليه أن يعلم بامتثال التكليف على وجهه والخروج من عهدته، كما علم بوجوده، وهذا معنى قولهم: " العلم باشتغال الذمة يستدعى العلم بفراغها ". ثم إن المكلف تارة يعلم المكلف به بالذات، كما لو تيقنت أنك لم تصل العشاء ـ مثلا ـ فتكتفي بالإتيان بها فقط، وأخرى يعلم نوع التكليف، ويتردد المكلف به بين أمرين متباينين، كما لو كان لديك إناءان: أحدهما طاهر، والآخر نجس، ولم تستطع التمييز بينهما، أو تيقنت أنه قد فاتك فرض العشاء أو المغرب، وفي مثل هذه الحال يحكم العقل بوجوب الاحتياط، باجتناب الإناءين معاً في المثال الأول، وبفعل الصلاتين في المثال الثاني، لأن العلم بوجود التكليف يستدعى العلم بالخروج عن