/ صفحه 254/
ويروي أنه وقف بباب عمر: صهيب وعمار وجماعة من ضعفاء المسلمين، ووقف أيضاً أبو سفيان وسهيل بن عمر وجماعة من كبار قريش، فخرج الإذن لصهيب وعمار وجماعة الضعفاء أولا فتمعر وجه أبي سفيان وقال: يأذن لهؤلاء الأعبد ويتركنا على بابه. فقال سهيل: إني والله لأرى الذي في وجوهكم إن كنتم غضابا فعلى أنفسكم فاغضبوا، لقد دعى القوم ودعيتم فأجابوا وتأخرتم، فكيف إذا دعوا يوم القيامة وتركتم.
لقد كان الظن أن الإسلام كسب المعركة الأخيرة، وأنه حارب التمايز الطبقي والعنصري، فقهره وهزمه، وأنه نصر المساواة وأحلها محله، وأنه النصر الأخير المؤزر، ولكن التاريخ جرى على غير ذلك، والحوادث خيبت هذا الأمل، وذلك أننا لم نقدر قوى الشر والانحطاط التي استأصلت في نفوس البشرية، وأنها من القوة والرسوخ بحيث لا يكفى لإزالتها عصر قصير كعصر الني والخلفاء الراشدين، والظاهر أنه كان يجب أن يمتد عصر الراشدين مائتي سنة يراعون فيها المبادئ الإسلامية ويطبقونها لتطرد المبادئ الأصلية وتحل محلها وترسخ رسوخها، وتأخذ من القوة في النفوس ما أخذته.
وهذا هو السر في أن الصحابة ما كانوا يولون إلا من يأخذوا عليه المواثيق أن يسير فيهم سيرة من قبله، وذلك ليحافظوا على مبادئ الإسلام لئلا تنقض، وعلى فضائله التي جاء بها لئلا يتهاون بها فلا تثبت وهي تحتاج في الثبات والرسوخ إلى الزمان الطويل والعمر المديد مع المراعاة والتعهد لتكون جزءاً من كيان البشر وطبيعة من طبائعهم التي تكون أشخاصهم.
وليس ذلك بغامط الإسلام من فضله، ولا ناقصة من حقه، فالواقع أن الإسلام في وسط هذه العصور السوداء الحالكة السواد، التي لا تعترف للضعيف بحق، والتي الحقوق فيها كلها للأقوياء، قام بهذا العمل الضخم في تاريخ الإنسان الروحي، وقرر المساواة قولا ونفذها فعلا، وكان العمل موافقاً للقول موافقة دقيقة، كأن