/ صفحه 252/
فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله: ما رأيك في هذا؟ فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حرى إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يستمع لقوله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا خير من ملئ الأرض مثل هذا.
ويزدري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنظرة إلى الظواهر ولا يعبأ إلا بالبواطن، فرب رجل يسرك ظاهره ويسوءك مخبره، ورب رجل تتخطاه العيون وفيه الخير والتقوى والصلاح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " وعنه أيضاً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ".
وروى أيضاً أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عنها فقالوا ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني به، فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلوه عليه فصلى عليه ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم.
وربما وقع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل يظن منه أنه صادر عن مبدأ التمايز، وتفضيل الأقوياء على الضعفاء، فيعاتبه الله على ذلك أشد العتاب، ويكون ذلك قرآناً يتلى أبد الدهر ليذكر الناس دائما بسوء التمايز وصلاح المساواة.
يروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مع نفر من عظماء قريش، وكان يرجو أن يهديهم الله على يديه، فجاء عبد الله بن أم مكتوم يصيح ويقول: يا رسول الله علمني مما علمك الله، فكره ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وظهر على وجهه، فنزل قوله تعالى: " عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى فأنت له تصدي وما عليك ألا يزكي، وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ".