/ صفحه 244/
والمذاهب، ولكن الأمر الذي نريده هو توجيه هذه الوحدة والعمل على إنمائها، وإيجاد مجتمع فكري موحد يبني دعائم الإسلام، ويقف محاجزاً دون النزعات المنحرفة التي تتغلغل في صفوفه، وتلقي بالريب في حقائقه، ويكشف زيغ أولئك الذين اصطنعهم أعداء الإسلام ليحلوا عراه، ويلقوا بالشك في أفئدة أهله.
ونريد مع هذا جمع تراث الماضين، لا فرق في ذلك بين التراث الذي تركه السابقون من الشيعة، والتراث الذي تركه أئمة الأمصار ذوو المذاهب المعروفة وغير المعروفة، فكل ذلك تراث السابقين، وثمرات غرس الموحدين، فهو تراثنا جميعاً، لا فرق بين سني وغير سني.
وقد يقول قائل إن في بعض هذا المأثور ما يتجافي عن بعض المقررات الثابتة التي تعد من أصول الإسلام، فنقول إن إعلانها يقلل بلا شك من عدد الذين يرددونها، بل إن السبيل الوحيد لمنع الناس من الأخذ بها هو كشفها، وإن على المؤمنين مجتمعين أن يهدوا الضال لا أن يتركوه في غياهبه يعمه، وإن هؤلاء الذين لم يصطنعهم أجنبي فيهم أصل الإخلاص ثابت، وهم طلاب للحق قد أخطئوا سبيله، فعلينا أن نهديهم طريق الصواب، ولقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: " ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصابه ".
ومهما يكن في بعض الآراء من مخالفة للمعقول أو لبعض المنقول، فإنها مما خلفه السابقون، وهو من التركة التي نقوم عليها، ولا تهمل التركة إذا كان فيها بعض الزيوف، بل يجب أن نفحصها فحص الصيرفي ليستبين زيفها ويبهرج، ويحفظ جيدها وينمى.
5 ـ وإننا بهذه الدراسة للتركة المثرية من غير محاولة للتمييز بين طائفة وطائفة، نتجه إلى أمور ثلاثة:
أولها: وصل ماضي هذه الأمة بحاضرها، فإن كل حضارة لها إطار من الأفكار والموروثات تصل ما بين الحاضر والغابر، وإن تقدم الأمة دائماً يجب أن يكون متصلا بصدر تاريخها، كما قال السيد جمال الدين الأفغاني حكيم الإسلام،