/ صفحه 147/
وربما ظهر المبدأ القديم وظهرت آثاره في بعض الحياة الإسلامية حتى يظنها الناس دينا ساهين عن المبدأ الاسلامي الجديد الذي جاء ليقتلعه وليحل محله وقد ينصره بعض العلماء والفقهاء، لا عن قصد للمخالفة وإنما عن قوة المبدأ وتشبثه في النفوس. وسيرورته بين الناس، ونريد أن نمثل لبعض هذه المبادئ ونرى تصارعها خلال حوادث التاريخ وقوة بعضها تارة وضعفه تارة أخرى.
جاء الإسلام بالمساواة بين الناس وإلغاء الفروق بينهم وإبطال تلك المقاييس التي كانوا يقيسون بها الرجال ويفضلون بها فريقاً على فريق كانوا يفضلون بالجنس والدم والمال والسلطان فأبطل الإسلام ذلك كله وجعل مقياساً آخر للكرم والتفاضل وهو التقوى: " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".
وعضد ذلك قوله: " صلى الله عليه وسلم الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ".
وجاء مبدأ المساواة ليحل محل التمايز الذي كان سائدا في العالم القديم وفي البلاد العربية وكان مبدأ التمايز يحمل من الشرور والآثام ما تتألم منه الإنسانية، وتتأذى منه البشرية بل إن معظم الشرور كانت منه حتى كأنه المصدر الوحيد للشرور؛ كان منه الاضطهاد والعسف الذي يقع من الأقوياء على الضعفاء والأغنياء على الفقراء والسادة على الأرقاء.
لذلك ناضل الإسلام في سبيل تثبيت المساواة ولم يناضل بالقول فقط بل ناضل بالقول والعمل ووجد في هذه السبيل مقاومة قوية ونضالا شديداً.
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة يحضر الضعفاء من المسلمين والموالي الذين اعتقوا مجالسه ويشهدهم أموره ويسوى بينهم وبين غيرهم في المجلس والحديث والمشورة وكان ذلك يمنع قريشا أن يحضر مجالس الرسول أنفة وكبرا وقالوا له يا محمد أطرد هؤلاء الأعبد عن مجلسك حين نأتي ولا تؤذنا بريح جبابهم فأنزل الله: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك