/ صفحه 403/
في التاريخ والأدب
لصاحب الفضيلة الشيخ محمد الطنطاوي
الأستاذ في كلية اللغة العربية
-9-
الأفشينان - ابنا خروف:
مضى القول على المثنى الأول بماوضح منه على سبيل اليقين أنه يطابق الحقيقة على وفق ما أملاه التاريخ الصادق، وأن ما يخاله الناظر في بعض المؤلفات مما يقتضى الفردية تتبرأ منه المعرفة السليمة، وأن ما سطر آنفا فيه مقنع كاف في كشف تلك الأغلوطة الشنيعة.
وسأعرض للمثنى الثاني في هذا المقال ناحيا فيه الاتجاه السابق، وذاكرا فيه كلا من مفردى المثنى على حدة بما يمتاز به عن الآخر: منشأ وحرفة ووفاة ومقبرة.
نعم إنني أعترف باديء الأمر بتلمس المعذرة لهؤلاء المازجين في هذا المثنى، فإن الاشتباه بين ابنى خروف تسرب إليهم من المعاصرة بينهما مع الاتحاد فيما اشتهرا به من وصف يندر إطلاقه على الأناسي، وما من شك أن المعاصرة مجلبة الغلط الذي لايتحرز منه إلا من نقب وفتش، فكلاهما لامع الشهرة وشائع الذكر، وإن بعدت الشقة بينهما، لأن البلاد الإسلامية في تلك الحقبة من المشرق والمغرب كانت مراداً للمسلمين، ولا سيما العلماء الذين يهفون للتجوال رغبة في علم، واطلاعا على الكتب عند ذويها، واستكثارا لوسائل الحياة السعيدة، لا حواجز بين تلك الأقطار فاصلة، ولا عوائق دونها حائلة، يرحل من يشاء إلى ما يشاء، ولهذا كثر مانزح المشارقة إلى الأندلس في عصور ازدهارها أيام الأمويين وملوك الطوائف من بعد، إذ كانوا يحتفون بالعلماء ويحسنون مثواهم، منافسة للعباسيين في المشرق،