/ صفحه 378/
بين ابن خلدون ودارون
للأستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافي
يقترن اسم ((دارون)) بنظرية ارتقاء الأنواع، وانشعاب أعلاها من أدناها، وتفرع الإنسان عن القردةالعليا أو تفرعها هي والإنسان عن أصل واحد مجهول، وقد جرت عادةالباحثين في علم الحياة حينما يعرضون لنظريات دارون أن يذكروا لها أشباها ونظائر عند بعض القدامى من الفرس والهنود واليونان، وعند بعض المحدثين السابقين لدارون من علماء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وخاصة((لامارك)) الفرنسي.
ولكن أحدا منهم ولا من غيرهم لم يفطن إلى أن مجمل النظرية وكثيرا من تفاصيلها، حتى ما تعلق منها بأصل الإنسان وصلته بفصائل القردة، أن ذلك كله قد قال به باحث عربي ظهر قبل دارون بنحو خمسة قرون: ذلكم هوالعلامة عبدالرحمن بن خلدون.
وبحسببا دليلا على ذلك أن نورد فيما يلى بعض ما جاء عن قلم ابن خلدون خاصا بهذا الموضوع. وسنضع خطا تحت ما يشير منه إشارة صريحة إلى ارتقاء الأنواع واستحالتها بعضها إلى بعض، وإلى انطباق هذا القانون على الإنسان وصلته ببعض فصائل القردة.
فقد جاء في المقدسة السادسة من الفصل الأول من الكتاب الأول من مؤلفه الشهير في التاريخ الذي سماه: ((كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)) ما يلى:
((اعلم أرشدنا الله وأياك أنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام، وربط الأسباب بالمسببات، واتصال الأكوان بالأكوان واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه في ذلك ولا تنتهي غاياته. وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجسماني، وأولا عالم العناصر المشاهدة