/ صفحه 342/
الوصية السادسة:
وهذه هي الوصية السادسة، وهي الوصيةالأولى من وصايا الآية الثانية: ((ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده)) وهي كما نرى تتعلق بمال اليتيم، ومعناها: النهي عن قربان مال اليتيم بأىحال من حالات القربان والاتصال، غير حال واحدة، وهي الحال التي هي أحسن ما ينفع اليتيم، في الحال والمآل، بالنسبة لنفسه، كتربيته وتعليمه، وبالنسبة لماله، كحفظه واستثماره. وإذن، فكل تصرف مع اليتيم، أو في ماله، لا يقع في تلك الدائرة ((دائرةالأحسن والأنفع)) فهو محظور، ومنهي عنه؛ فأكل ماله طمعا فيه، واستضعافا له، محرم ومنهي عنه، وتجميده وعدم استثماره بالزراعة أو الصناعة أو التجارة، محرم ومنهي عنه. والإسراف به، ولو عليه، فيما لا يكسبه خيرا، محرم ومنهي عنه، وإهماله وعدم صيانته، بتمكين الناس من نهبه والاستيلاء عليه، محرم ومنهي عنه.
وقد تعلق النهي في هذه الوصيةبالقربان من مال اليتيم، دون التصرف فيه بما يفسده، وأن كان هذا هو المراد، نظرا ألى أن المال من الشئون التي تتعلق بها الشهوات، وتميل إليها الأهواء بدوافع نفسية، فاتجه بالنهى إلى هذه الدوافع نفسها، وإلى محاربتها، وإلى العمل على انتزاعها، حتى لاتدفع صاحبها إلى مد يده بالإفساد إلى مال اليتيم، وكثيراً ما يتعلق النهى في القرآن بالقربان من الشىء، وضابطه بالاستقراء، أن كل منهي عنه، وكان من شأنه أن تميل إليه النفوس، وتدفع إليه الأهواء، جاءالنهى فيه عن ((القربان)) ويكون القصد، التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانةتصل بها إلى اقتراف المحرم، وكان من ذلك في الوصايا السابقة النهى عن الفواحش، فقد جاءمتعلقا بقربانها لا بفعلها نفسها ((ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن))، ومن هذا الباب: ((ولا تقربا هذه الشجرة)). ((فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)). ((لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى)). ((ولا تقربوا الزنا)). ((ولا تقربوهن حتى يطهرن)).
أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها، ولا اقتضاء الشهوات لها، فإن الغالب فيها أن يتعلق النهي عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه، ومن ذلك في الوصايا