/ صفحه 29/
ومن القبيل الاخر تجد الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالحربة ويطاف بهم في القبائل هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام ويقول أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب كلام أبداً ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل، ويقول مالك: أرأيت إن جاءه من هو أجدل منه أيدع دينه كل يوم لدين جديد، ويقول ابن عيينة: سمعت من جابر الجعفي كلا لا توجد فاصلة ما خشيت معه أن يقع علي وعليه البيت.
الخاصية الثالثة تتعلق بالموضوع المختلف فيه فكلما كان الموضوع مثلا متعلقا بذات الله أو صفة من صفاته أو فعل من أفعاله كان مثاراً للفتنة والبغض، وكلما كان بعيداً من ذلك كان مرجو العاقبة ومظنة للسلامة.
اختلف المختلفون في هذه الملة في الله أيوصف بالصفات الثبوتية أم لا يوصف إلا بالسلب، واختلفوا هل الصفات عين الذات فيعلم بذاته ويقدر بذاته، أم الصفات غير الذات فيعلم بعلم هو غير الذات ويقدر بقدرة هي غير الذات؟
واختلفوا هل هناك قدر سابق لا يفر منه المرء، أو الأمر أنف، فمن سعد فبنفسه سعد، ومن شقي فبنفسه شقى؟
وفي كل ذلك يرى المختلفون: أن المخالف نسب إلى الله ما لا يليق به فالمثبتون يرون أن المجردين يصفون عدما، والمجردون يرون أن المثبتين يذهبون إلى التركيب في ذاته وأنهم أثبتوا قدماء مع الله هي صفاته، والنصارى كفروا بإثبات قدماء ثلاثة فكيف بمن أثبت قدماء متعددين بتعدد الصفات؟ والنافون للقدر يرون أنهم أهل العدل إذ نسبوا إلى الله العدل ولم ينسبوا إليه الجور كخصومهم الذين أثبتوا أن الله قدّر على العبد الكفر والمعاصي ولم يكن للعبد أن يفلت مما قدر ثم هو يعذبه على ما كتبه عليه وقدره، والمثبتون للقدر يرون أنهم أثبتوا لله سعة العلم والإحاطة.
وفي كل ذلك يظن المرء أن مخالفه قد كفر لأنه نسب إلى الله ما لا يليق به أو أنه قد كفر لأنه نفى ما أثبته الله لنفسه في كتبه وعلى ألسنة رسله فيكون بين المختلفين ما بين المسلم وغير المسلم من الخلاف والشر.