/ صفحه 27/
وحكما من أهلها)) فصير الله ذلك إلى حكم الرجال، فنشدتكم الله، أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وإصلاح ذات بينهم أفضل، أو في دم أرنب ثمنه ربع درهم وفي بضع إمرأة؟ قالوا بلى هذا أفضل، قال أَخرَجت من هذه، قالوا نعم، قال فأما قولكم قتل فلم يسب ولم يغنم افتسبون أمكم عائشة؟ فإن قلتم نسبيها فنستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم، فأنتم ترددون بين ضلالتين! أخرجت من هذه؟ قالوا بلى، قال وأما قولكم محا نفسه من إمرة المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون: إن نبي الله يوم الحديبية حين صالح أباسفيان وسهيل بن عمر وقال رسول الله اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال أبوسفيان وسهيل بن عمرو ما نعلم أنك رسول الله ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك قال اللهم إنك تعلم أني رسول الله امسح يا علي واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله وأبوسفيان وسهيل بن عمر، قال فرجع منهم ألفان وبقى بقيتهم فخرجوا فقتلوا أجمعين.
ليس العسر في أن نجد هذين القسمين من الاختلاف فهو أمر ظاهر يعلمه كل من أطلع على تاريخ الاختلاف، إنما الصعوبة في أن نميز بين هذين النوعين من الاختلاف، في أن نعلم خواص النوع الأول وخواص النوع الثاني لنتيح للمسلمين أن يختلفوا ماشاءوا إذا كان الاختلاف بردا وسلاما، ونحذر المسلمين من أن يختلفوا إذا كان الخلاف بغضاً وخصاما.
أول خاصية تميز بين هذين الخلافين هي نفسية المختلفين، فإذا كان المختلفان يؤمنان بأنهما متعاونان في الوصول إلى الحق، وأن كليهما سائر مجد إلى الحق، وأن من وصل إليه فقد وفق، ومن تخلف عنه فالعذر له والحق أراد، وإذا كان المختلفان واسعي الصدر، عادلين في المعاملة، يرى كلاهما أنه إذا كان له الحق في أن يرى الرأي ويعتقده ولو خالف صاحبه فلصاحبه مثل هذا الحق: له أن يرى الرأي ويعتقده ولو خالف الناس جميعاً، نقول إذا كان المختلفان كذلك كان الخلاف خيراً وبركة وهو مرانة للعقول على البحث وتقوية لها على الابتكار والاستنتاج وإذا كان المختلفان جائرين