/ صفحه 259/
حفاة عراة ما اغتذوا خبز ملة و لا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما(1)
رأى شبحا وسط الظلام فراعه فلما رأى ضيفا تشمر واهتما
تروّى قليلا ثم أحجم برهة و إن هو لم يذبح فتاه فقدهما
وقال ابنه لما رآه بحيرة أيا أبت اذبحني ويسر له طعما(2)
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا يظن لنا ما لا فيوسعنا ذما
فقال هيا رباه ضيف ولا قرى بحقك لا تحرمه تا الليلة اللحما
فبينا هم عنت على البعد عانة قدا نتظمت من خلف مسحلها نظما(3)
ظماء تريد الماء فانساب نحوها على أنه منها إلى دمها أظما
فأمهلها حتى تروت عطاشها فأرسل فيها من كنانته سهما
فخرت نحوص ذات جحش فتية قد اكتنزت لحما وقد طبقت شحما(4)
فيا بشره أن جرها نحو أهله و يا بشرهم لما رأوا كلمها يدمى
وبات أبوهم من بشاشته أبا لضيفهم والأم من بشرها أما
وباتوا كراما قد قضوا حق ضيفهم و ما غرموا غرما وقد غنموا غنما
وتتتابع قصص القرى على هذا النحو أو قريب منه إلى عصر بني العباس، ثم نفتقده فلا نجده، كأنما انقطع القول فيه، وعفى الزمن عليه بعد ذلك، فنقرأ غير من ذكرنا هنا لحاتم والمثقب العبدي(5) من الجاهليين، ولعمر بن الأهتم من المخضرمين(6)، وللأخطل(7)، والفرزدق(8)، وجرير (9)، والراعي(10)، من شعراء الدولة الأموية، وللنمري(11) من شعراء الدولة العباسية.

*(هوامش)*
(1) ملة: رماد حار.
(2) طعما: طعاما.
(3) عانة: قطيع من حمر الوحش، المسحل: حمار الوحش.
(4) النحوص: الأتان الوحشية، اكتنزت لحما: كثر لحمها واجتمع، طيقت: امتلأت.
(5) شعراء النصرانية: 1: 120، 127، 412.
(6) المفضليات: 126.
(7) ديوان الأخطل: 250.
(8) ديوان الفرزدق: 1: 9، خمسة دواوين العرب: 90.
(9) ديوان جرير: 1: 119.
(10) الحماسة لأبي تمام: 2: 209.
(11) المرجع السابق: 304.