/ صفحه 251/
من قصص القرى في الشعر العربي
للأستاذ علي النجدي ناصف
كانت العرب تقرى الضيف، بل تبالغ في قراه والترفيه عنه، ولها في ذلك أخبار مستملحة، ونوادر عجيبة، ربما كان بعضها أشبه بالخيال، وأحق أن يعزى إليه، وكان منها مع ذلك بخلاء أشحاء، ضربت بهم الأمثال، وروت عنهم النوادر والأخبار. لكن القرى كان أغلب عليها، وآكد فيها.
وليس هذا بعجيب، فالجود فرع الشجاعة، والبخل فرع الجبن، ولذا ترى الحرص يعرض للمرء أو يشتد فيه إذا أدركه الوهن من مرض ملازم أو شيخوخة عالية، والعربي مطبوع على الشجاعة، ما له منها، بد، ولا له فيها اختيار، فقد كان معوله في إدراك الحق، والتماس الأمن على سنان رمحه، وحد سيفه، إذ لم تكن ثمه حكومة جامعة تقوم بالأمر في الناس، فتضع لهم الموازين، وتقيم الوزن بالقسط.
ولم تكن في جملة الأمر تعول في رزقها على صناعة أو زراعة، فيجيئها الرزق راتبا مكفولا، ولكنها كانت تعول على الطبيعة وما عسى أن تبض به في هذه البيئة المجدبة، ولم يكن على كل حال يجاوز الكفاف أويكاد، إذ كان إنما يقع في بعض الفصول دون بعض، وربما منعت السماء، واشتد الحرمان، فإذا القوم عجاف مسنتون.
فقد علمتهم الطبيعة في غير هوادة أن كل شيء حولهم إلى نفاد، ولكن دون امتناع ولا يأس من عود: السماء تمطر وتقلع، والأرض تخصب وتجدب، والضروع تحفل وتجف، لا يحزنهم فائت، ولا يستخفهم آت، كل إلى زوال، وكل على موعدة أو يعود، فكيف مع هذه الحال يمكن أن يعظم في عينهم المال، ويشق عليهم القرى.