/ صفحه 227/
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
انتفضت ((القومية العربية)) في السنوات الإخيرة انتفاضة قوية كان لها أثران في اتجاهين مختلفين: أثر لها، إذ استيقظت بعد طول سبات، وتقدمت إلى معترك الحياة، مطالبة بحقها، مدافعة عن كيانها، مصممة على أن تتبوأ في العالم مكانتها - وأثر قد يبدو أنه عليها، ولكنها تستطيع بإذن الله أن تجعله هو أيضا لها إذا أحسنت تدبير أمرها، وتوطيد عزمها، ذلك أنها نبهت بيقظتها رقط الأفاعي، وأهاجت من جانب أعدائها ريحا ليست رخاء، تريد أن تزيلها أو تزلزل الأرض من تحتها.
وللسياسة أهدافها القربية والبعيدة، ولسنا من أهل الإخصاء فيها فنحاول أن نخوض في مشكلاتها ومزعجاتها، ولكننا نرى النضال قويا عنيفا، فالمهاجمون يتوسلون بكل ما في استطاعتهم من وسائل، والمدافعون يتحصنون بكل ما لديهم من حصون، وإذا كانت وسائل المهاجمين الصائلين قوامها المادة، وسلاحها المكر والخديعة، وميدانها الدسائس والفتن، ومحاولة الوقيعة بين المؤتلفين تفريقا لصفوفهم، وتوهينا لوحدتهم، وصدعا لصخرتهم، فإن حصون المدافعين تقوم أول ما تقوم على ((الروح)) وعلى ((القوة المعنوية)) التي هي مزيج من الإيمان الذي يملأ القلوب، والصدق الذي يبعث العزمات، والأمل الذي يضيء الظلمات.
وأعداء العروبة وأصدقاؤها، كل منهم مشفق يضع يده على قلبه متابعا هذا النضال في أعصاب مشدودة، وجهود مكدودة، وأنفاس لاهثة، وأبصار زائغة، منهم من يخافها، ومنهم من يخاف عليها، ومنهم من يخاف على العالم أن تحل به صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، فتنفجر فيه ذرة، لعلها لا تبقى منه مثقال ذرة.