/ صفحه 218/
نعم قضية علم وإيمان…
فأما أنها قضية علم، فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله، ويتفقان اتفاقا مطلقا على الأصول الجامعة في هذا الدين فيما نعلم، فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية، فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره، أخطأ أم أصاب…
وعند ما ندخل مجال الفقه المقارن، ونقيس الشقة التي يحدثها الخلاف العلمي بين رأي ورأي، أو بين تصحيح حديث وتضعيفه، نجد أن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة، والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي.
وأما أنها قضية إيمان فإني لا أحسب ضمير مسلم يرضى بافتعال الخلاف وتسعير البغضاء بين أبناء أمة واحدة، ولو كان ذلك لعلة قائمة.
فكيف لو لم تكن علة قط؟
كيف يرضى المؤمن صادق الصلة بالله أن تختلق الأسباب اختلاقا لإفساد ما بين الإخوة، وإقامة علائقهم على اصطياد الشبه، وتجسيم التوافه، وإطلاق الدعايات الماكرة، والتغرير بالسذج والهمل.
وهب ذلك يقع فيه امروء تعوزه التجربة، وتنقصه الخبرة فكيف تقع فيه أمة ذاقت الويلات من شؤم الخلاف، ولم يجد عدوها ثغرة للنفاذ إلى صميمها إلا من هذا الخلل المصطنع عن خطأ أو عن تهور.
ولقد رأينا مع بعض رجال التقريب أن نقوم بعمل إيجابي لعله أن يكون حاسما، سدا لهذه الفجوة التي صنعتها الأوهام، بل إنهاء لهذه الجفوة التي خلقتها الأهواء، فرأيت أن تتولى وزارة الأوقاف، ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر، وستتولى إدارة الثقافة تقديم أبواب العبادات والمعاملات من هذا الفقه الإسلامي إلى جمهور المسلمين.
وسيرى أولو الألباب عند مطالعة هذه الجهود العلمية، أن الشبه قريب بين ما ألفنا من قراءات فقهية، وبين ما باعدتنا عنه الأحداث السيئة.