/ صفحه 415/
وعدم تحري الصدق ـ قال: والمخالف من أهل القبلة ـ إذا كفرناه كالمجسم وغيره ـ هل تقبل روايته أم لا؟ والحق أنه إن كان مذهبه جواز الكذب لا تقبل روايته وإلا قبلناها وهو قول أبي الحسين البصري (1) ".
هذا كلام الامام الرازي، ولا شك انه رأى منصف بل إننا نستطيع أن نصفه بالتسامح، لأنه جعل المجسم ممن تقبل روايته فما بالك بمن لا يصل مذهبه إلى القول بالتجسيم؟.
ولابن حزم في ذلك كلام جيد قال:
" هل نقبل نقل أهل الأهواء وروايتهم؟ فقولنا في هذا ـ وبالله تعالى التوفيق ـ أن من يشهد بقلبه ولسانه أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأن كل ما جاء به حق، وأنه برئ من كل دين غير دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو المؤمن المسلم، ونقله واجب قبوله إذا حفظ ما ينقل، ما لم يمل عن إيمانه إلى كفر أو فسق، وأهل الأهواء، وأهل كل مقالة خالفت الحق، وأهل كل عمل خالف الحق، مسلمون أخطأوا مالم تقم عليهم الحجة، فلا يكدح شيء من هذا في إيمانهم ولا في عدالتهم، بل هم مأجورون على ما دانوا به من ذلك وعملوه أجراً واحداً، إذا قصدوا به الخير، ولا إثم عليهم في الخطأ، لأن الله تعالى يقول: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم " ونقلهم واجبٌ قبوله كما كانوا، وكذلك شهادتهم، حتى إذا قامت على أحد منهم الحجة في ذلك من نص قرآن أو سنة، ما لم تخص ولا نسخت، فأيما تمادى على التدين بخلاف الله عزوجل، أو خلاف رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو نطق بذلك: فهو كافر مرتد، لقوله تعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " الاية ـ وإن لم يدن لذلك بقلبه، ولا نطق به لسانه. لكن تمادى على العمل بخلاف

ــــــــــ
(1) راجع حاشية روضة الناظر المسماه (نزهة الخاطر العاطر) للشيخ عبد القادر أحمد بن مصطفى بدران الرومي ثم الدمشقي ـ ص 281 ج 1 وما بعدها ـ طبعة المطبعة السلفية بمصر سنة 1342.