/ صفحه 352/
هي أن الله كلف ووعد وأوعد، وذلك يقضى بالاختيار فيما يفعلون، وبأن الله غير راض بما توعدهم عليه، وأنه لو شاء هدايتكم لخلقكم غير مستعدين للمخالفة والعصيان وكنتم كالملائكة " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ". ولكنه ترككم وما خلقكم عليه من اختيار، وكلفكم بناء على ما منحكم من قوة وإرادة، ورتب جزاء المحسن على إحسانه وجزاء المسيء على إساءته، وأن علم الله بما سيكون من عبده ـ باختياره ـ ليس فيه جبر ولا إلزام، كما أنه لا يدل على الرضا والامر، نعم: الله قادر على أن يسلب العبد قدرته على المعصية فلا يعصي أبدا، وأن يسلبه قوة الطاعة فلا يطيع أبدا، ولكن ليس ذلك من سنة الله في الإنسان الذي خلقه ومنحه العقل وأرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين.
الوصايا العشر:
ثم تنتهز السورة من الحديث في التحليل والتحريم فرصة لدعوتهم إلى ما حرم الله في وصايا عشر ترجع إلى العقيدة والى الأموال والأنفس والمعاملة والفواحش والعدل والوفاء بالعهد، ثم تكون الوصية العاشرة: " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ".
ختام السورة:
ثم تختم السورة بعد أن تقطع أعذار المشركين وتتوعدهم على الإعراض عن الحق بآية فذة تكشف للإنسان عن مكانته عند ربه في هذا الحياة، وأنه خليفة في الأرض، وأن الله جعل عمارة الكون تحت يديه وتتعاقب عليه أجياله، وأنه تعالى قد فاوت في المواهب بين أفراد الإنسان لغاية سامية وحكمة عظيمة، وهي الابتلاء في مواقف هذه الحياة، وذلك شأن يرجع إليه كمال المقصود من هذا الخلق وذلك النظام: " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم".
أما بعد ـ فهذه سورة الأنعام في منهجها وحجاجها، والى العدد المقبل إن شاء الله.