/ صفحه 299/
فبالأول يقول جمهرة العلماء.
وبالثاني يقول مالك وأصحابه.
وقد وقعت المناقشة في هذا الفرع بين المختلفين، وكان من عناصرها هذه الآية: فمن حمل التعبير فيها على المعنى الحقيقي للتطهير والثياب المحسوسين، رأي فيها دليلا على وجوب إزالة النجاسة، اما المالكية فيقولون: إن هذا تعبير على سبيل الكناية يراد به تطهير القلب، فهو كما يقال: فلان طاهر الذيل، كناية عن العفة، وفلان كثير الرماد: كناية عن الكرم، ونحو ذلك، وعلى هذا فلا دخل له في الموضوع، ولا حجة به.
ومما نذكره على سبيل الطرافة ـ لما فيه من تصوير شدة بعض الفقهاء أحيانا ـ ما علق به ابن حزم الظاهري ـ وهو بصدد الكلام على ورود المجاز أو عدم وروده في لسان الشرع ـ إذ يقول:
" …. وقد ذكر رجل من المالكيين ـ يلقب " خويزمنداذ " (1) ـ أن للحجارة عقلا، ولعل تمييزه يقرب من تمييزها! ويقول: إن من الدليل على أنها تعقل قوله تعالى: " وإن من الحجارة لما تتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله " فدل ذلك على أن لها عقلا … أو كلاما هذا معناه … وأعجب العجب أن هؤلاء القوم يأتون إلى الألفاظ اللغوية فينقلونها عن موضوعها بغير دليل فيقولون: معنى قوله تعالى " وثيابك فطهر " ليس الثياب المعهودة، وإنما هو القلب، ثم يأتون إلى ألفاظ قام البرهان الضروري على أنها منقولة عن موضوعها في اللغة إلى معنى آخر، وهو إيقاع الخشية على الحجارة، فيقولون: ليس هذا اللفظ منقولا عن موضوعة، مكابرة للعيان، وسعياً في طمس نور الحق، وإقراراً لعيون الملحدين الكائدين لهذا الدين، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وبالله تعالى التوفيق. اهـ كلام ابن حزم.
ــــــــــ
(1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله المالكي الأصولي من أهل البصرة، توفي في حدود الأربعمائة ـ اقرأ الإحكام لابن حزم وحواشيه ص 33 ج 4 وما بعدها.