/ صفحه 283/
إن للإجتماع روحاً خاصة به، وصفات نفسية تمتاز بها الجماعة حيث تجعل جميع أفرادها يشعرون ويفكرون، ويعملون بكيفية تخالف تمام المخالفة الكيفية التي يشير ويفكر ويعمل بها كل واحد على انفراده ".
" فالجماعة دائماً دون الفرد إدراكاً، ولكنها من جهة المشاعر مندفعة متوقدة ومن أهم خصائص الجماعات قابليتها للإندفاع والغضب وعدم القدرة على التعقل وفقدان الادراك وملكة النقد والتطرف في المشاعر ".
فهذا كله يلقي ضوءا على ما جاء في الآية من التعبير " مثنى وفرادى ثم تتفكروا " فأمر الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يتوجه إلى المشركين، ويقول لهم: إنني ما أرشدكم وأنصح لكم إلا بخصلة واحدة هي أن تقوموا مجتهدين متدبرين في الأمر بإخلاص لوجه الله، ومتفرقين حين تفكيركم وترويكم اثنين اثنين أو واحد واحدا، فإن في الاجتماع تهويش الخاطر، وتخليط الآراء، والخضوع لروح الاجتماع، والانسياق مع العقل الجمعي، فتضيع الحقيقة وينطمس وجه الصواب، ويتغلب تهريج الجماعة على صواب الفرد، فإذا ما فعلتم ذلك وفكرتم على هذه الصورة التي نبهتكم إليها الآية ظهر لكم أن صاحبكم على حق، وأنه ليس بمجنون، بل هو أرجح الناس عقلا، وأصدقهم قولا، وأذكاهم نفسا، وأجمعهم للكمالات البشرية، فوجب إذن أن تصدقوه في دعواه، وتؤمنوا بما أنذركم به من عذاب شديد.
ومن ذلك ما في تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء: " وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " فقد ثار حول هذه الآيات خلاف مس الأصول البعيدة والأسس الغائرة من البناء القرآني.
فهذا فريق يحتج بها على نزول القرآن بالمعنى لا باللفظ، وأن اللفظ من عند الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا ينزل على القلب إلا المعاني، وهذه مزلقة إلى إنكار أن يكون لفظ القرآن معجزاً.