/ صفحه 228/
إن المسلمين جميعاً، لا فرق بين شعب منهم وشعب، ولا بين طائفة وطائفة، يخرج الألوف منهم عن أوطانهم، تاركين الإقليمية وراءهم، إلى إقليم واحد جعل الله فيه مناسكهم، لا يشعر الواحد منهم إلا بأنه مسلم يدين بالله رباً، وبمحمد نبياً ورسولا، وبالقرآن حاكما وإماما، وبالكعبة مصلى وقياما، ويلتقي شرقيهم وغربيهم وعجميهم وعربيهم، في رحاب هي لهم جميعاً، لأن فيها مقدساتهم ومنابع تاريخهم، ومشارف عزهم، ويبكون فرحا وهم عليها مقبلون، وأسفاً وهم عنها مرتحلون.
هل يذكر السنُّي ـ وهو في هذه الرحلة الروحية، وأمام هذه المشاهد القدسية ـ أنه سني؟ وهل يذكر الشيعي أنه شيعي؟ أم هم جميعاً مسلمون قرآنيون، بسنة محمد عاملون، وعلى محبة محمد وآله منطوون؟.
هل للسنة هناك بيت يطوفون به وللشيعة بيت؟ هل لهؤلاء مسعى ولأولئك مسعى؟ هل تقف طائفة في هذه الناحية من عرفات وطائفة في تلك؟ هل يعتقد السني وهو أمام القبر الطاهر أن هذا الرسول بعث إليه وحده من دون أخيه الشيعي؟ أو هل يعتقد الشيعي وهو أمام المزارات المعظمة لآل رسول الله الأطهار وصحبه الأبرار، أن هؤلاء الأبطال هم مثله هو من دون أخيه السني؟.
كلا إنهم جميعاً يحرمون إحراماً واحداً، ويطوفون طوافا واحدا، ويقفون بعرفة، وينزلون بمزدلفة، ويرمون الجمار، وينحرون، ويذبحون، ويقصدون إلى مسجد الرسول مشتاقين، ويقفون أمام جدثه الطاهر خاشعين، ويزرون آله وصحبه معتبرين.
* * *
رباه! هل ظن المسلمون أنك أردت لهم هذه الوحدة في مظهرها الرائع حين يحجون، ثم أبحت لهم أن يتفرقوا شذر مذر وهم إلى أهلهم راجعون؟ " سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظلكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين، ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ".
محمد محمد المدني