/ صفحه 116/
وهذا يدلنا على أن المجتمع الصالح - وهو مجتمع أهل الايمان أو أهل صفات الايمان - هو المجتمع الذي يكون فيه رأىٌ عام حساس غيور قوى مسموع الصوت نافذ الكلمة، ذلك أن المجتمع الذي ينطوى فيه كلّ انسان على نفسه، وينقطع عن الاخرين، ولا يهمه أن يصلح الامر فيه أو أن يفسد; انما هو مجتمعٌ منحل لا يمكن أن يستقر أمره، ويكون مجتمعاً سعيداً، ولا بد أن يستشري فيه الفساد، ويكثر المنكر، ويقل العمل الصالح.
فالامر بالمعروف، والنهى عن المنكر في مجتمع ما: هو صمام الامن، وميزان الصلاحية والاستقامة، ولذلك يخطى من يظن أن الاسلام يكتفى من المؤمن بأن يرعى شئون نفسه، غير عابىء بما حوله، وأن يعيش في مجتمعه عيشة المنكمش المنطوى على نفسه تمسكا بما قد يفهم خطأ من قوله تعالى: ((يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم)) نعم لا يضرنى من ضل اذا اهتديت، ولكن ما معنى اهتديت؟ أليس أن آخذ بتعاليم الحق، وأن أؤدى واجبى حقّ الاداء؟ وهل أكون ((مهتدياً)) اذا فرطت في ذلك، وعشت على جانب الحياة إمّعة؟ هل أكون مهتدياً اذا عطلت مواهبى، وحرمت الامة قواى التي هى جزءٌ من قواها، وحقٌ من حقوقها؟ هل أكون مهتدياً اذا اعتزلت المصلحين فلم أعاونهم، والضالين فلم أحاول ردهم، ولم أتحايل لابلاغ كلمة الله اليهم.
كلا! ولذلك أجدنى دائماً حريصاً على أن أفهم المعنى في قوله تعالى: ((ولتكن منكم أمةٌ يدعون الى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)) على أنه أمرٌ للامة حاسمٌ بأن تكون أمة هذا طابعها، وهذا لونها، أمة دعوة الى الخير، أمة احساس بالحق، أمة غيرة على المعروف تريده وتحب أن يفعل، أمة ثورة على المنكر تمقته وتمقت أن يفعل فهذه الامة هى التي تفلح، وهى التي تقتعد منزلة العزة.