/ صحفة 425 /
ومن النوادر اللاذعة المضحكة ما حكاه المبرد أيضا، قال: (وحُدثت أن أعرابيا لقى رجلا من الحاج فقيل له: ممن الرجل؟ قال باهلي، قال أعيذك بالله من ذلك، قال إي والله وأنا مع ذلك مولى لهم، فأقبل الأعرابي يقبل يديه ويتمسح به، قال له الرجل ولم تفعل ذاكئ قال لأني أثق بأن الله عز وجل لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت من أهل الجنة)(1).
وما فتئت باهلة هكذا تستكين وتذل صاغرة تلقاه القبائل المنيعة المهيبة، حتى نجلت في العصر الأموي القائد الباسل (قتيبة بن مسلم) الباهلي الذي فتح بلاد المشرق في عهد الوليد بن عبد الملك، وتوغل فيها إلى تخوم الصين، فتنفست باهلة وانجلى عنها غبار المهانة، وتلفعت برادء العزة والسؤدد، فعده الناس مؤل المجد لباهلة ومأرِز نسبها الرضي، وغطي الجديد دارس القديم، واحتسبت الدولة بيت بالهة من بيوت الإمارات، فلبست فيه حقبة طويلة، فقد ورث الإمارة عن قتيبة ابنه سلم، وعن سلم ابنه سعيد، وعن سعيد ابنه عمرو، وعن عمرو ابنه أبو جزء، وحسبك خمسة أمراء متوالون.
والفضل في اجتلاب العز الذي توطن في باهلة تلك الحقبة عائد إلى قتيبة، الذي هيأ لقبيلته ماكانة نفستها عليها القبائل، وأحنق المنافسي، فلم يسروا عن أنفسهم للتخفيف من حدة حقدهم عليها إلا أن يتلمسوا ما يرد عليهم ولا يعيب بالهة، فما ضر باهلة أن يقول المغيظون إن باهلة لم تذكر إلا بقتيبة فهو أبوهم وأمهم، ولولاه لقذفوا في مجهل لا تراهم الناس، فقال قائلهم:
قوم قتيبة أمهم وأبوهم لو لا قتيبة اصبحوا في مجهل(2)
ــــــــــ
(1) النقلان عن الكامل شرح الرغبة ج 6 ص 115، وما يعدها.
(2) مرجع لاحديث عن قتيبة وما يتصل به في مصدر السالف.