/ صحفة 392 /
في أبي زيد الهلالي وكيف لاقي ((العون)) وهو الغول ـ أو كائن آخر يشبه الغول ـ مذكراً أبداً في لغة العامة، فما سمعناهم قالوا عونة، كما أن الغول مؤنثة أبداً في لغة العرب، ولوأن العامة قالت ((للأنثى وذكرت الغول في لغتها بخذف التاء.
ونعود إلى تأبط شراً وغوله الأنثى فهو لا يشبع رغبتها في إعادة الضرب بل يكتئ عليها حتى الصباح فيرى الهول: عينين في رأس قبيح، وساقين منقوصتين شكلا لا قوة ـ بطبيعة الحال ـ إلى آخر الصورة الشوهاء التي أداها أحسن أداء، إنه يهوى كفه بسيف صقيل. يضربها بلا دهش يعبر بصيفة المضارع، ولو أن الحدث قد انقضى فذلك أروع وأقوى وأجدر أن يثبت الصورة في ذهنك.
قلت: استعينوا بما شئتم من أدوات الفن نحواً كان أو بياناً أو غيرهما، فقد أراه أساء الأداء، ونزول عن مرتبته بين الشعراء، فلم لا تكون القصة كلها من صنع الرواة؟
قال: من اليسير أن تشك ولا يلبث الشك أن ينقلب يقينا، فإذا القصة كلها من وضع الرواة: ألا فلتعلم أن القصص أصلا ليس مما يتلاءم والشعر العربي، فما عالجه شاعر إلا نزل عن مستواه العادي، انظر مثلا قصة فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد فعدته، ثم وقع في الشرك فإذا هو كما زعمت تسعُ وتسعون لم تنقصولم تزد.
روي النابغة هذه القصة في مطولته:
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
فكانت دون مستوى شعره عامة، بل دونه في القصيدة نفسها، لقد فطن القدماء لهذه الحقيقة: حقيقة أن الشعر العربي ما كان ليؤدي القصص أداءه

ــــــــــ
(1) العون: مارد جبار في الأساطير الشعبية الصعيدية، وليست أدري أمعروف هو في الأقاليم الأخرى أم محدود في إقليم معين؟ فأما عندنا فهو مضرب المثل، حتى ليقاتل للمفرط في الطول من الرجال: إنه ((عون)) أو ((قد العون)).