/ صحفة 251 /
الإنسانية متضامنة في حفظ الحياة والأمن للنوع الإنساني:
وفي هذه الآية تقرير الهي للمبدأ الأول والأهم الذي تستقر عليه حياة البشر وأمنهم، فان الإنسان كسائر الحيوان يعتمد على القوة وتنازع البقاء، فإذا ترك إلى طبيعته عمد إلى قوته فاتخذها سبيلا إلى قضاء مآربه، وازحاة كل من حال بينه وبين هذه المآرب من بني جنسه عن طريق سفك دمه، وفي هذا ما فيه من تفاني هذا النوع وانقراضه، وفيه كذلك انتشار الخوف بين الناس وفساد حياتهم واسحالة تعاونهم المثمر بسبب انعدام الثقة، لكن إذا تقرر ان من قتل نفسا بغير حق كان كمن قتل الناس جميعا، لأنه اعتدى على النوع باعتدائه على فرد منه ولأنه فتح باب الضراوة والبغي وهدم ما بنى الله، فان الناس حينئذ يتعاونون على الضرب على يده ويعتبرون أنفسهم معتدى عليهم، ومن واجبهم رد هذا العدوان، فيوجد التكافل على حفظ الحياة، والتضامن على اقرار الأمن السكينة، هذا في جانب رد العدوان، أما الشطر الثاني من الجملة وهو قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فقد يمكن تفسيره بالقصاص، وذلك أن في القصاص من المعتدي حياة للناس كما جاء في قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) فان المعتدي إذا اقتص منه علم كل من تحدثه نفسه بالاعتدا‏ء انه سيلقي جزاء ما قدمت يداه فكيف عن عدوانه، فتحيا النفوس.
الاحياء بالعلم والهدى من احياء النفس:
وعندي ان هذا مما تفيده العبارة، وليس هو كل ما تفيده، ولو شاء قائل أن يقول انها تشمل الاحياء بالعلم والهداية لكان له ذلك على نحو ما جاء تفسيرا لقوله تعالى: (أفمن من كان ميتاً فأحييناه) وحينئذ يدل هذا على أن الناس متكافلون في ترقية الإنسانية ورفع مستواها العقلي، كما هم متكافلون في حفظ الحياة والأمن، فمن أحيا نفسا بالعلم والهداية فان احياءه اياها إنّما هو صنيع جميل للانسانية كلها، وفي بعض ما يروي: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها).