/ صحفة 229 /
ولست الآن بصدد التحدث عن هذه الشروط وبيان ما ذكرته من كونها شروطا طبيعية عقلية قبل ان تكون شروطا فقهية شرعية، وإنما أعرض عرضا سريعا لشرط واحد منها، ذلك هو اشتراط الورع والتقوى في المجتهد، وأسوق عبارة الامام (البغوي) في هذا الشرط إذ يقول: ومما يشترط في المجتهد (أن يكون مجانبا للأهواء والبدع، مدرعا بالورع، محترزا عن الكبائر: غير مصر على الصغائر) لو شئنا أن نعبر عن هذا الشرط بتعبير أقرب إلى عصرنا لقلنا (أن يكون ذا خلق ديني) وهذا الخلق هو الذي يمنع المرء أن يتكلف ما لا يحسن، وأن يقول ما لا يعلم، وأن يدلس فيما يروى، وأن يحرف الكلم من بعد مواضعه، وأن يلوى لسانه بالكتاب ليحسبه الناس من الكتاب وما هو من الكتاب، وهو الذي يمنعه أن يشتري بآيات الله وأيمانه ثمنا قليلا من الثناء الخادع، والمجد الزائف، والعلو الكاذب، وهو الذي يعصمه عن إرادة الفلج بالباطل، والاستعانة بحزب الشيطان على معصية الرحمن، وهو الذي يصونه عن مظاهر اللجلجلة والذبذبة والتمسك بالخطأ حينا، ثم الرجوع عنه، ثم الرجوع إليه (كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا، قل إن هدى الله هو الهدى، وأمرنا لنسلم لرب العالمين).

ـ3ـ
ابتليت مصر بفريق من حملة الأقلام لا هم لهم الا تشويه المبادئ الإسلامية، وزعزعة الايمان بها في نفوس الناشئة ومن لا حظ لهم من الثقافة الدينية.
ولهؤلاء الكتاب أساليبهم في ذلك، فهم أحيانا يطالبون الأمة بأن تتنكر لأحكام شريعتها، ومبادئ دينها باسم التجديد والتقدم، وأحيانا يزينون للناس مظاهر الأباحية والتحلل، داعين إلى المذاهب المادية باسم التمتع بما أخرج الله لعباده، وفي كثير من الأحيان يستهزئن برجال الدين، ويتهكمون بهم، ويصورونهم في صورة المتخلفين أو المتزمتين أو المنافقين، بل بلغ الأمر أن احدى المجلات عقدت مهزلة سمتها (محاكمة العمامة) وحكمت عليها (بالاعدام)، وأن مجلتين