/ صفحه 301/
آلات التدمير، حتى وصلت بها إلى ما يهدد العالم بالخراب، فالاسلام يجعل أمته في هذا الاستعداد الحربي تابعة لا متبوعة، لانه لا يريد إلا السلام والبر بالانسانية على اختلاف أديانها، فلا يجرى في الاستعداد الحربي إلا مضطراً، ولا يكون فيه مبتدئا بل مجاريا، ولا يستعمل الآلات الحربية الاشد فتكا إلا بعد أن يعتدى عليه بها، فإذا وصلت إلى حالة تؤدى إلى إشاعة الخراب في العالم لم يسعه إلا أن يدعو إلى تحريمها، وإذا سبق بالدعوة إلى تحريمها لم يسعه إلا إجابة هذه الدعوة، وكيف لا يكون هذا موقف الإسلام من تلك الالات المدمرة، وقد روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن أبابكر بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشى مع يزيد بن أبي سفيان ـ وكان يزيد أمير ربع من تلك الارباع ـ فقال: إني موصيك بعشر خلال: لا تقتل امرأة، ولا صبيا، ولا كبيراً هرما، ولا تقطع شجراً مثمرا ولا تخرب عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكله، ولاتعقرن تخلا ولا تحرقه، ولا تغلل، ولا تخبن، وقد أخذ الاوزاعي والليث وأبو ثور بهذه الوصية التي وصى بها أبوبكر يزيد بن أبي سفيان فذهبوا إلى عدم جواز التحريق والتخريب في بلاد الاعداء، وقد ذهب غيرهم إلى جواز ذلك، لان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطع نخل بني النضير، وقد ذهب الطبرى إلى أن النهي محمول على القصد لذلك. بخلاف ما إذا أصابوا ذلك أثناء القتال، وبهذا قال أكثر أهل العلم.
و إني أرى بعد هذا كله أني سقت ما فيه الكفاية لاثبات بر المخالفين في الإسلام، من سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أولئك المخالفين، إلى نصوص صريحة من القرآن الكريم، إلى أحاديث ووصايا من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبعض الخلفاء الراشدين، فإذا رأينا ما يخالف هذا حكمنا بأنه مخالف لسماحة الإسلام، ولم نر الاخذ به في ا لدين، لانه يضر الإسلام ولا يفيده، وينفر الناس منه، ويبعدهم عن الايمان به.
ومن ذلك ماروى عن أبي هريرة أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم
أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقة".