/ صفحه 298/
واذا لم يُحاربنا فلا شى ء علينا في أن نعامله معاملة من له ذمة وعهد، ولا شيء في أن تشمله آية: "لا ينها كم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم" لانه لا إكراه في الدين، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،
فإن من شأنها أن نده لكل إنسان دينه يحاسبه الله عليه في الاخرة، ولا يصح أن نخاصمه أو نقاتله في الدنيا لانه يخالفنا في الدين، بل يجب أن نجذبه إلى ديننا بحسن المعاملة، وأن نتخلق معه بالاخلاق الكريمة، لان هذا أدعي إلى تحبيبه في ديننا، وإلى تقديره لحسن آثاره فينا، فيدعوه هذا إلى الايمان به، ليهديه إلى الأخلاق الكريمة كما هدانا، فأصحاب كل دين عنوان عليه، فإن كانوا عنوانا حسناً عليه كانوا دعاية له، وإن كانوا عنواناً قبيحاً عليه نفروا الناس منه، وأخذوا بتنفيرهم منه في الاخرة، وربما عذر من نفروهم منه لانهم لم يبلغوا دعوته تبليغاً صحيحا.
وعلى هذا يجب أن يحمل حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقول": لا إله إلا الله فإذا قالوا عصمو مني دماءهم" على محمل لا يعارض ما جاء به الإسلام من الحرية الدينية، وباب التأويل بالتقييد ونحوه باب واسع في الإسلام فيمكن حمل الناس في الحديث على أهل مكة، نظير حمله في القرآن عليهم في مثل قوله: "يأيها الناس شأن ربكم" ويكون هذا خاصابهم، لانهم قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم، ولان مكة لها شأن خاص بوقوع الكعبة فيها، وهي قبلة المسلمين، فيجب أن تطهر من عبادة الاوثان، وأن تكون خالصة لدين التوحيد ويمكن أيضاً حمل الناس على العرب خاصة، لان السلام أراد حملهم على دين واحد، ليزيل من بينهم أسباب التدابر والتخاصم، ويجمع بينهم على كلمة التوحيد، أو لتكون جزيرتهم معقلا للإسلام، وحصنا حصينا للمسلمين. وقد أخذ بهذا بعض الفقهاء، ففرق في مضمون
ذلك الحديث بين مشركي العرب وغيرهم، وقضي بأن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام، وبأن مشركي غيرهم تقبل منهم الجزية كأهل الكتاب.